تابع جديد المدونة عبر:

المضاربة بأموال مقترضة رفعت الأصول اصطناعياً

انهيار الأسهم يعني إفلاساً.. وارتفاعها لا يعني ثروة


إعداد: رزان عدنان
لم تفرز الازمة المالية الاخيرة خسائر وانهيار مؤسسات وبنوك واقتصاديات واسواق فحسب، بل ظهرت معها مصطلحات وتساؤلات لم تكن مطروقة مسبقا اهمها مفهوم طبيعة الثروة، ما هي، وكيف تقاس؟
تتكون الثروة من سلع ومنتجات يتمنى الافراد استهلاكها او اشياء مثل مصانع وآلات وقوة عاملة مدربة تمنحهم القدرة على انتاج الكثير من هذه السلع والخدمات، وتنشأ الاصول المالية من الرغبة بتأجيل الاستهلاك للتمكن من ادخار المال، سواء لاسباب احتياطية او للاستثمار بحيث يمكن استهلاك الكثير من السلع والمنتجات لاحقا في المستقبل.

بالنظر الى الثروة بهذه الطريقة لا يمكن اعتبارها كذلك بل ادعاء بوجود ثروة حقيقية، وفي حال تضاعفت هذه الادعاءات او زاد سعر الاصول المالية، فان ذلك لا يعني ان اجمالي الثروة زاد، فاذا ما قسمت البيتزا الى ثمانية اجزاء بدل اربعة، فانه لا يعني ان الطعام زاد. اذ حتى لو اصبح سعر قطعة البيتزا دولارين بدل دولار، فانه لا يعني بالضرورة ان اجزاء البيتزا زادت او اصبحت اكبر.

من ناحية اخرى، يعود السبب الاساسي وراء زيادة اسعار الاسهم الى انها مرتبطة بالسلع والخدمات التي تنتجها الشركات، ومع نمو الاقتصاد، تنمو ايرادات مثل هذه الشركات. وعلى افتراض ان هوامش الربحية بقيت كما هي مع الوقت، فان الارباح ستزداد، وستشهد معها التدفقات النقدية للمساهمين زيادة هي الاخرى.
وتحجب الدورة التجارية هذه الحقيقة التي تتسبب بتقليب الإيرادات والهوامش، كذلك تساهم تقلبات مزاج المستثمرين بإخفائها، التي تتسبب بتخفيض واعادة تصنيف الأسهم، اي انخفاض ربحية الأسهم او ارتفاعها. والجدير بالذكر ان ارتفاع اسعار الاسهم نتيجة اعادة تصنيفها لا يعني ان حاملها اصبح اغنى بالمجمل، ما لم تكن اعادة التصنيف تمثل توقعا دقيقا حول تحسن معدل النمو في الاقتصاد طويل الأمد.
ومع ذلك يستخدم الناس سوق الاسهم معيارا لسلامة الاقتصاد.

لذلك، فإن اي ارتفاع في اسواق الاسهم تراه الحكومات والبنوك المركزية دليلا على ان الاقتصاد يسير في الاتجاه الصحيح. الامر الذي يؤدي الى اخطاء في السياسة مثل تخفيف السياسة النقدية، واتخاذ خطوات اضافية مفرطة.

اما العقار فيعد أكثر تعقيدا من سوق الأسهم اذ يستفيد الناس من منازلهم كمأوى وكمسكن يرتاحون فيه، بينما يعاملونها في الآن ذاته على انها اصول. ورغم ارتفاع اسعار السكن لدرجة تفوق نمو الناتج المحلي الإجمالي، فان ذلك لا يعني ان المجتمع بات اغنى. بدلا من ذلك، كل ما حصل هو انتقال الثروة من المشتري الأول الى متقاعد خرج من سوق العقار.

ونظريا، يمكن لأسعار السكن ان ترتفع بمعدل يفوق الناتج المحلي الإجمالي لفترة ما، اذا ما قرر الناس تخصيص جزء اكبر من دخلهم ليخدموا مساكنهم، على سبيل المثال قد يفضلون شراء شقة اكبر بدلا من سيارة اكبر.
عمليا، من الصعب التخلص من مثل هذه التحولات الهيكلية من المضاربة التي تهيمن على جميع عمليات ازدهار العقار. فالرابط بين المضاربة وأسعار الاصول يفسر سبب هذه الازمة،
اذ ان القدرة على الاقتراض لشراء الاصول يغذي ارتفاع اسعار الاصول، وتأثير الثروة على الاسعار المرتفعة يقنع البعض باقتراض المال لاستمرار الاستهلاك.

وكانت محطة بي بي سي بثت قبل فترة برنامجا عن استخدام بطاقات الائتمان. وقال احدهم انه شعر بانه اثرى عندما اصبح الحد الذي يمكن ان يسحب من بطاقته الائتمانية 8 آلاف دولار. لكن عمليا عليه ان يدفع 8 آلاف دولار، وسداد ما عليه من فوائد مترتبة. وهو ما ينطبق تماما على اولئك الذين اشتروا اصولاً مبالغ في قيمتها بأموال مقترضة، الذين أصبحوا افقر وليس أغنى.

يمكن التفكير بمعنى الثروة بطريقة مفيدة اخرى عند تقييم خطط انقاذ الحكومات للاقتصاد، اذ هل يمكن ان تدعم مثل هذه السياسات السلع والخدمات التي ينتجها الاقتصاد على المدى البعيد، ام انها تحمل في طياتها تبعات تكبل فعلياً النشاط الاقتصادي ؟ هل التسهيل الكمي يدعم فعلا الثروة ام يخلق المزيد من الثروات تحت غطاء مجموعة الاصول الاساسية نفسها؟

لقد تدخلت البنوك المركزية مراراً في انقاذ الاسواق المالية او ثروة الاوراق المالية خلال الاعوام العشرين السابقة، لكن هل دعمت الاسعار عند مستويات لا يمكن ان تعكس الاساسيات على المدى الطويل ؟

ذي ايكونوميست

منقول للفائدة

0 التعليقات :

إرسال تعليق