يمر الكثير بهذا الموقف الصعب حقيقة، تعرض عليك فرصة عمل مغرية، وقد مر عليك شهور وأنت لا تعمل شيئاً، لكن هناك مشكلة واحدة، أن العمل ليس في مجال تخصصك ولا دراستك ولا حتى اهتمامك, هل توافق؟ أم تضطر لانتظار فرصة أخرى؟
شخصياً مررت بهذا الموقف، فأنا درست الاقتصاد وتخصصت في العلوم المالية والمصرفية وبعد تخرجي وبدون وجود أية خبرة عملية تغري الشركات الكبرى أن تتهافت علي، تعرض أمامي بعض فرص العمل وأفكر بها كما فعلت أنت الآن مع سؤالي، تبدأ بالتردد، و تبدأ تظهر أمامك إيجابيات وسلبيات العمل.. دعني أشاركك بنصائحي بعدما مررت بهذه التجارب.
دعنا نتفق على أنه من الضروري لكل شخص التقيد قدر الإمكان بمساره المهني الذي رسمه لنفسه، قد لايكون هذا المسار مفصلاً جداً، لكن تكفي الخطوط العامة ونقاط العلاّم.
سأخبرك بقصتي لعلك تسقطها على نفسك وتفيدك بقرارك، بعد تخرجي من الجامعة عرض علي أحد الاصدقاء، وهو رئيس تحرير موقع إخباري يعد الأول في بلدي، عرض علي العمل معهم في فريق العمل، وهم عادة لا يعرضون الوظائف الشاغرة إنما ينتقون من يريدون أن يكون معهم.
وقعت في حيرة، إنها أول فرصة عمل فعلية لي بعد التخرج وستكون في حقل الإعلام البعيد كلياً عن دراستي، لكني وافقت!
ماذا قدمت لي هذه الوظيفة ؟
من ناحية الراتب كان متواضعاً ولم أكن أرغب بالراتب المرتفع بداية ولايحق لي كوني عديم الخبرة، لكنها على الصعيد العملي قدمت لي الكثير، حيث عملت كمحرر لقسم الأخبار الاقتصادية و بعض المهام الثانوية، تطورت مهاراتي في الكتابة والتحرير، وتعلمت شيئا عن بيئة العمل، تعلمت تحمل ضغط العمل، تعلمت مهارة إدارة الوقت، تعلمت اتخاذ القرارات، تعلمت كيف أتواصل مع الناس عبر الانترنت بفعالية أكبر، تعلمت كيف تؤثر الكلمات في الناس وغيرها العديد من المهارات.
هنا نصيحتي لك هي أن أية وظيفة تعرض عليك وبخاصة في أولى مراحل حياتك العملية، لا تتعجل بالرفض الكامل، كذلك لا تتعجل بالقبول السريع، حاول أن تتنبأ بما يمكن أن تقدم لك هذه الوظيفة من مهارات حياتية وعملية تفيدك لاحقاً في مهاراتك بتخصصك العلمي، لكن القرار الأهم هو تحديد الموعد المناسب لترك هذه الوظيفة.
فبعد حوالي ثمانية أشهر تركتها بمحض إرادتي، تلك الفترة كانت كافية لأحصل على كل المهارات الذي ذكرتها، فعلاً إنه قرار صعب، أن تتخلى عن وظيفة أنت فيها وتضطر للبحث عن وظيفة أخرى وبخاصة لو كان الراتب مغرياً، لكن الأصعب هو إضاعتك للوقت في تعلم مهارات ضرورية لكنها ليست أساسية لحياتك، مقارنة الأولويات شيء مهم جدا في حياتنا، فالأهم أولاً ثم المهم.
أغلب من عرفتهم يبدؤون حياتهم العملية بوظائف لا تمت بصلة مباشرة بتخصصاتهم، منهم من يستمر بتلك الوظائف ومنهم من يقف للبحث عن شيء آخر متعلق، وهذا ما حصل معي، فبعدها قمت بإنشاء ما يشبه مجموعة عمل مع صديقين لي من الكلية وقمنا بإنجاز دراسات الجدوى الاقتصادية للعديد من المشاريع، حقاً كانت تجربة ممتعة، فكنا سادة أنفسنا، وقتنا حر، نقابل رجال الأعمال وننجز لهم الدراسات لمشاريعهم ونتقاضى رواتبنا بعد المفاوضات وهذه مهارة تعلمتها لاحقاً، تعلمت أن من لا يفاوض على راتبه منذ اليوم الأول ويدعه للعرف أو العادة أو التكهنات، غالباً ما يصاب بخيبة الأمل في نهاية الشهر وقد يترك وظيفته!
إذن ليس هناك من مشكلة بالبدء بوظيفة لا تمت لتخصصك بصلة لكن وفق الشرط الذي تحدثنا عنه، وهذا الأمر ينطبق على أغلب التخصصات الدراسية، هناك بعض التخصصات بداياتها واضحة جدا، كالصيدلة مثلا يبدؤون إما بتأسيس صيدلياتهم الخاصة أو بالعمل لدى الشركات الدوائية سواء في المخابر والمعامل أو في مجال التسويق الطبي. لكن هناك تخصصات بداياتها مفتوحة جداً لذا يمكنك البدء تدريجياً بوظيفة ما تفيدك ببعض المهارات الأساسية لتتعلمها وتدخل جو العمل لاحقاً وتكسب بعض الخبرة لتقنع الشركات بتوظيفك.
0 التعليقات :
إرسال تعليق