[ ورقة بحث ]
تناولت دراسة علمية أعدها أ.د. محمد السيد عبدالرزاق السيد إبراهيم الطبطبائي، رئيس المؤتمر الدولي للاقتصاد الإسلامي ؟
آثار الأزمة المالية العالمية على قطاع المؤسسات المالية الإسلامية، وسبل الخروج منها، حيث بدت في الأفق بوادر إفلاس بعض تلك الشركات، ولعل متانة الاقتصاد الإسلامي ذلك الحصن المنيع في مواجهة تلك الأزمات، هو الذي يثير التساؤل في الأنفس، ويبعث على الحيرة.. غير أن أ. د. الطبطبائي فند هذه التساؤلات بما يشفي الصدور، مسهبا في إبراز الثغرات التي انكشفت منها المؤسسات المالية الإسلامية على تبعات الأزمة وتداعياتها الخطيرة.
الربا جرت الويلات
يذكر أ. د. الطبطبائي في مقدمة دراسته أن ما يعيشه العالم اليوم من أزمة مالية عالمية خطيرة، مردها النظام الرأسمالي الحر، الذي يبيح التعامل بالربا المحرم في الإسلام، والذي جر الويلات والأزمات على الاقتصاديات والمجتمعات، فالتعثر الذي وقع لشركات التأمين ثم البنوك في أمريكا لم يلحق ضررا كبيرا فيها فحسب، بل طال اقتصاديات العالم أجمع، متسببا في تداعيات خطيرة أهمها: الركود الاقتصادي العالمي، قلة الطلب على المشتقات النفطية، وتضرر الدولة المصدرة للبترول كمنطقة الخليج العربي، قلة الطلب على المنتجات والصناعات المختلفة، تلاشي كثير من الاستثمارات العربية والإسلامية التي تستثمر في الشركات الأمريكية، إفلاس كثير من الشركات، زيادة نسبة البطالة في العالم، وغيرها من الآثار الكثيرة والمتنوعة.
هشاشة النظام الرأسمالي
ويضيف أ.د. الطبطبائي في دراسته: "لقد اغتر الناس بالنظام الغربي، وظن كثير من الاقتصاديين أنه نظام قائم على دعائم قوية، حتى قدمت إحدى الهيئات الشرعية في عام 2002م، مذكرة ورد فيها:"أن الاستثمار في الغرب أصبح ضرورة بسبب الاستقرار السياسي والاقتصادي لديها، ووجود فرص استثمارية، وهناك من اغتر بسراب الربح العاجل، المخالف للشرع، كمن اغتروا بسراب كسب الربا بعد أن حذر الله منه، وظنوا أنه يحقق مصلحة اقتصادية، ودافع عنه من دافع بأنه ضرورة ملحة في وقتنا المعاصر، بل وجد من المفتين المعاصرين في بعض الدول العربية الكبيرة، من يفتي بجواز التعامل بالفائدة البنكية، وأخذ يدافع عنها، فأبت إلا أن تخذل من نصرها، ودافع عنها.
ويبين أ.د. الطبطبائي أن هذه الأزمة كانت جديرة بأن تكشف مدى هشاشة النظام الذي تسير عليه هذه البنوك والشركات الربوية، وذلك أن متانة الشركات والبنوك لا تعرف إلا عند الأزمات، ففي أول الهزة والأزمة لم يظهر إلا طرفها، أفلس بنك تقليدي في الكويت هو بنك الخليج الربوي، بل لقد غربلت الأزمة العالمية أموال الناس فمحقت وسحقت أموال من أكل الربا، أو أموال اليتامى ظلما، أو أكل أموال الناس بالباطل، ومن رشى أو ارتشى ،أو اختلس أو من قصر في حق الله تعالى في أمواله، ولم يخرج زكاتها، وكذلك من كان ينفقها في الحرام.
الاقتصاد الإسلامي
ويذكر بعد ذلك أن الشركات والبنوك الإسلامية تعتبر حديثة النشأة نسبيا مع الشركات العالمية. ولقد من الله تعالى على المسلمين في الوقت المعاصر برجال نهضوا بالاقتصاد في بلادهم، وجعلوه موافقا للشريعة الإسلامية وأسسوا والبنوك والشركات الإسلامية وليس هدفهم الأول الربح، وإنما تحقيق مرضاة الله تعالى وتقديم البديل الإسلامي، فحققوا نجاحا مباركا في مسيرة البنوك والشركات الإسلامية لثلاثة عقود.
ويضيف، أن الشركات والبنوك الإسلامية في الكويت مرت عليها أزمات متعددة، كأزمة سوق المناخ التي تتسم بالبيع الصوري، وأزمة الغزو التي أفلست فيها البنوك التقليدية، ومع ذلك بقي النظام الإسلامي صامدا أمام هذه التحديات الكبيرة، ولكن في ظل الأزمة المالية العالمية الراهنة، تأثرت كثير من الشركات الإسلامية في الكويت بشكل متفاوت، وذلك بحسب ابتعادها عن المنهج الإسلامي، واقترابها من الربا وشبهة الربا، والنظر إلى الربح دون مراعاة المنهج، وبحسب الابتعاد عن القيم الإسلامية من الصدق والأمانة.
ثم يبدأ أ. د. الطبطبائي بالتعرض لأسباب لانهيار بعض الشركات المالية، في أزمة 2008م، أو التي على شفى الانهيار، وتنتظر المسعف لها من الدولة أو البنوك الممولة، وذلك بإلقاء الضوء على عدة تساؤلات:
< لماذا تأثرت كثير من الشركات الإسلامية؟
< لماذا أصبحت بعض الشركات الإسلامية مهددة بالافلاس؟
< ما هي سلبيات مسيرة الشركات والبنوك الإسلامية ؟
المبحث الأول
أسباب الانهيار بعض الشركات الإسلامية
يشير أ. د. الطبطبائي إلى أنه ليست جميع الشركات الإسلامية مهددة بإفلاسها في هذه الأزمة المالية العالمية، بل إن هناك من الشركات المتينة التي اتخذت أسلوب المضاربة والمشاركة تأثرت في الأزمة تأثرا طبيعيا، خسرت الشركة الجهد ورب المال خسر ماله، وتستمر الشركة في عملها، أما أن تخسر الشركة أموالها، وتعلن إفلاسها، فلا شك أن ذلك يدعو للبحث عن سبب هذا الفشل والتعثر .
ويُرجع سبب إفلاس بعض الشركات الإسلامية إلى سببين الاول :الانحراف في اساليب التمويل، والثاني: غياب الاخلاق والقيم الإسلامية في التعاملات المالية .
أولا: الانحراف في اساليب الاستثمار والتمويل:
لقد اوصى المجمع الفقهي الإسلامي بأن يتوسع نشاط المصارف الإسلامية في اساليب شتى في تنمية الاقتصاد ، ولاسيما في انشاء المشاريع الصناعية ، او التجارية، بجهود خاصة، او عن طريق المشاركة والمضاربة مع اطراف اخرى، ولكن سارت بعض الشركات والبنوك الإسلامية على خلاف ذلك، فتوسعت في التورق، والمرابحات العكسية، والتي تجعل نتيجة العلاقة بين البنك والممولين له علاقة دائن بمدينه، دون المشاركة الحقيقية في الربح والخسارة . فمن خلال انحراف بعض القائمين على الشركات الإسلامية المفلسة بالبعد عن الأسلوب الطبيعي في الاستثمار إلى اساليب تمويل هي في حقيقتها استثناءات في كتب الفقه، جعلوها أصلا للتمويل والعمل، ومن ذلك:
أ - التورق كأسلوب للاستثمار: والذي عليه ملاحظات كثيرة، أهمها: أنه لا يشكل تنمية حقيقية في المجتمع، لاسيما في السلع الدولية، كما أنه يرهق كاهل المتمول، حيث قد لا يجد فرص استثمارية مناسبة فيحل عليه القسط فيتورق مرة ثانية وهكذا، إضافة إلى أنه لا يتم التدقيق في جدوى الاستثمار التي تسعى إليه الجهة المتورقة، وأيضا المبالغة في أرباح التورق للمول حتى وصلت لدى بعض الشركات إلى 20 % خلال 13 شهرا.
ب - المرابحات العكسية: ويقصد بها أن المؤسسة الإسلامية "شركة أو بنكا" هي التي تصبح مدينة لعملائها من خلال شراء سلعة للعميل بسعر حال، وبيعها البنك نيابة عنه لنفسه بسعر مؤجل مع زيادة في الثمن، فيصبح البنك الإسلامي دائنا للعميل بمبلغ المال والربح المضاف عليه. فيأتي أحد الاعتراضات على الربا وهو أنه لم يحقق تنمية أو استثمارا حقيقيا وإنما ينظر إلى الربح دون الاستثمار. إن هذا النوع من التمويل يعد استثناء وليس أسلوبا استثماريا كما هو واقع شركات الاستثمار.
ثانيا: انعدام القيم الإسلامية في التعاملات
لا يستغرب انعدام القيم الأخلاقية لدى بعض المؤسسات الإسلامية، فهناك بعض الشركات الإسلامية تدار من غير المسلمين، وفي الوقت ذاته هناك الكثير من القائمين على الشركات الإسلامية على غير دراية بالأحكام والأخلاقيات الشرعية للمعاملات المالية الإسلامية.
وقد يكون دخل من يريد الربح بعيدا عن السير على المبادئ والمنهج لما حققه من مكاسب وإقبال وثقة في الفترة الحالية، فانحرف المسار لدى هذه الشركات وفقدت بوصلتها، ومن صور هذه الانحرافات: إنشاء الشركات الورقية، تسجيل الربح غير الحقيقي للإدراج في البورصة، المضاربات في البورصة غير الحقيقية، الإيجار طويل الأجل، المكافآت والرواتب المبالغ فيها للقائمين على الشركات الإسلامية، شراء الشركات لأسهمها، مخالفة قرارات الهيئات الشرعية، دخول من لا دراية له في الاستثمار.
المبحث الثاني
سبل العلاج
يذكر أ.د. الطبطبائي بعد استعراضه للأسباب والعوامل التي أدت في مجملها إلى تأثر المؤسسات والبنوك الإسلامية بالأزمة المالية العالمية وجعلتها على شفا الانهيار والإفلاس، أنه لا بد من الدولة لمساعدة الشركات التي تعرضت لخسائر كبيرة، وذلك أن المساهمين هم ضحية ممارسات مجلس الإدارة. ويرجع هذه المساعدة إلى مبدأ هام، وهو مساعدة الدولة للشركات غير المتحايلة، لأنها جزء من اقتصاد الدولة وتأثرها له مخاطر مالية على مدخرات الناس، واجتماعية لما ينتج من إفلاسها من بطالة، وما يلحق من ذلك من فقر وعوز.
أولا: الشركات غير المتحايلة:
- العلاج الحكومي: هناك شركات قد خسرت بسبب سوء الإدارة وعدم التحوط، فهذه تستحق المساعدة من الدولة، وذلك من خلال ما يأتي: شراء أسهمها بأسعار مناسبة تعوض المضاربين، شراء أصولها أو بعضها بأسعار تعويضية، تيسير الاندماج بين الشركات، منح أجل من الدولة لسداد الديون الحالة، وتتبرع الدولة بمنح مبلغ للشركة التي لها الدين، منح التقاعد المبكر لمن يستغنى عنه من الشركات المفلسة.
- العلاج من الشركة المتعثرة: ويكون بتقليص النفقات، الاندماج بين شركاتها، زيادة رأس المال.
ثانيا: الشركات المتحايلة:
- العلاج الحكومي: ويكون من خلال الملاحقة القانونية للمختلسين والمتحايلين، وضع رقابة على الشركات التي وجد فيها التحايل، الوقوف على المركز المالي وإعلانه للمساهمين.
- العلاج من الشركة المتعثرة: يكون من خلال تقديم بيانات حقيقية عن المركز المالي للشركة، إرجاع الحقوق لأصحابها.
ورقة عمل للمؤتمر الدولي للاقتصاد الإسلامي
إعداد
أ.د. محمد السيد عبدالرزاق السيد إبراهيم الطبطبائي
رئيس المؤتمر الدولي للاقتصاد الإسلامي
0 التعليقات :
إرسال تعليق