تابع جديد المدونة عبر:

الشهادة بيـن الوظيفـــة والتوظيـف

الفرد دون وعاء علمي ووعي ثقافي يقتحم به معمعة الحياة ومعركتها مجرد صفر على الشمال خارج دائرة الأرقام والحسابات.ولكي يثبت ذاته ويؤكد وجوده لابد له من سلاح .. سلاح قلم، سلاح علم، سلاح ثقافة وسلاح دراية .

 والسلاح لا تطاله الأيدي من مخبئه، ولا تستطيع أن تستله من غمده دون بحث وعناء وجهد.. إنه محصلة كفاح على مقاعد التحصيل وصولاً إلى المعرفة التي بدورها تُوَصّل إلى الأهداف التي يطمع ويطمح إلى الوصول إليها . والشهادة في مستوياتها الجامعية ومستوياتها العليا صك براءة لمن يحملها بأنه اجتاز مفردات الدراسة إلى جُمل التعامل مع الواقع من خلال منظور علمي تؤكد مقدرته على توظيف قدراته وترجمتها عملاً حياً زاخراً بالنبض والحيوية«والإضافة المتجددة».

فهل أدركنا .. وهل وعينا تلك المسؤولية؟ وهل جاء فهمنا لما نحمله من شهادات صك براءة يعفينا من طرح السؤال، ومن المساءلة؟

أكثر من هذا السؤال أو التساؤل، هل طلبنا العلم للعلم؟ وهل حصولنا على مثل هذه الشهادات حرَّرنا من مسؤولياتها وتبعاتها ؟

نعم .. ولا .. في آن واحد. نعم فلقد فهمه البعض إدراكاً بوعي ضريبة العلم. فهمه كحلم يقظة منذ أن بدأ خطواته على جادة المعرفة، كان إحساسه أن الشهادة توظيف قبل أن تكون وظيفة، عطاء قبل أن تكون مرتبة وظيفية. كانت مجرد محطة تحصيلية انطلق منها بسلاحه المعرفي لخدمة أغراض أمته ودفع مسيرتها إلى الأمام .. لم تكن المادة بالنسبة إليه همّاً بقدر ما كانت معطياته هي ذلك الهم.

ولا .. بالنسبة لآخرين يرون الشهادة هدفاً وليست وسيلة، هدفاً مجرداً من كل الأهداف التي أعطيت من أجله وكفى الله المؤمنين شر القتال. ووصولاً إلى قناعة غير مقنعة كهذه يمكن لك طرح مثل هذا السؤال على واحد وأكثر!- ما هي أمنياتك بعد التخرج؟تكاد تكون الإجابة واحدة ..- كي أتوظف!لا أحد يكره الوظيفة فهي في حد ذاتها خدمة، ومورد حلال لمن يتطلع إليها، إلا أن ما يؤكد عملية الانفصام بين الرغبة الذاتية والرغبة الطموحة لما هو أبعد أن شيئاً مما تزود به قد تبخر على كرسي الوظيفة،وتحول إلى موظف عادي روتيني كما لو أنه دون شهادة.أكثر من هذا .. لو أن سؤالاً كهذا طرح عليه ؟

- ورسالة ماجستير .. أو الدكتوراه التي تسعى للحصول عليها ماذا تعني بالنسبة إليك ؟

سوف يكون الرد مراً وقاسياً على حسك.- أنا الآن في المرتبة كذا.. وأحتاج إلى كذا سنة كي أحصل على المرتبة التي تليها. وكذا سنة لمرتبات أخرى. وحين أطال الشهادة العليا سوف أختصر كل هذه السنين!إن هذا لايفكر إلا في المرتبة .. والحصول على مرتبة مطمح لا غبار عليه، إلا أن الشئ المليء بالغبار أن لا تجد طموحاً علمياً عملياً يواكب الطموح المادي. أي بعبارة أوضح شهادته للوظيفة وليس لتوظيفها فيما هو أهم وأسمى من الوظيفة.

 الوظيفة أداة لصنع الحياة من خلال توظيف المهارات والمعلومات التي نسعى من أجل تحصيلها .. وما لم نعط لشهاداتنا أفضلية التوظيف الواعي لخدمة المستقبل .. فإن شهادة الوظيفة وحدها لن تقدم ولن تؤخر في مسار ركب حياتنا حين تسترخي على إيقاع المرتب وحده ..

الكاتب:- سعد البواردي

0 التعليقات :

إرسال تعليق