تابع جديد المدونة عبر:

دور الدراسات المستقبلية في دعم خطط التنمية

يقول تشارلز كيترنج: "اهتمامي منصب على المستقبل لأنني سأمضى بقية حياتي فيه". أصبحت هذه المقولة شعار المستقبليين والمهتمين بدراسات المستقبل.

والدراسات المستقبلية ليست رجماً بالغيب أو محاولة لقراءة الفنجان - لا سمح الله - بل هي من ضمن الدراسات الإنسانية التي تمشي جنبا إلى جنب مع علم الدراسات الإستراتيجية ويلعب التخطيط دوراً مهماً في حياة الفرد والمنشآت بشتى أنماطها والدول كذلك.

وتنبع أهمية هذا العلم من محاولة لفهم الماضي و الحاضر ومحاولة العمل من اجل مستقبل والخروج بنتائج تساعد الإنسان في اتخاذ قراره ومعرفة خياراته المتعددة بناء على سيناريوهات مرسومة مسبقا، وتختلف طرف وأنماط هذه الدراسات المستقبلية وتتنوع.

فمنها من يعتمد على الخبراء مثل طرح السؤال على الخبير في المجالات الاقتصادية عن مستقبل الدخل القومي ومدى تأثيره على شتى أنماط التنمية المحلية أو السوق الدولية وكذلك منها ما يحاول فهم العلاقة بين مختلف الظواهر كعلاقة عدد السكان بالتنمية المركزية وعلاقة زيادة عدد المواليد ومستوى التعليم، وهناك كذلك الطرق التي تبنى على إحصائيات ونماذج رياضية تقوم بما يسمى بالمد البياني الاستقرائي والذي يحاول توقع تمدد المؤشرات الحيوية للدولة ومدى تأثيرها على كافة القطاعات الأخرى والدول المجاورة.

ونستطيع القول أن هذا العلم يرجع إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث ارتأت الدول المنتصرة بالحرب انه يجب تجنب ويلات الحروب و العمل على توقع الأحداث التي قد تؤثر على العلاقات بين الدول من نواحي سياسية واقتصادية واجتماعية ، وكذلك محاولة معرفة الموارد الطبيعية في العالم وكيفية تأثيرها في التطور والتنمية والتعاون الدولي. والجدير بالذكر أن الدراسات المستقبلية عرفت مناهج وأنماط عدة يمكن أن نعتبر من أهم تلك النماذج أو المنهجيات هي السيناريوهات والتي تعتبر من ابتكار "هرمان خان" من شركة راند الأمريكية حيث طرح كتاب سماه "UNTHINKABLE" أي مالا يمكن التفكير به.

وتختص السيناريوهات بأنها تحاول استخلاص القراءات من الماضي والحاضر وتخيل عدد من الأحداث المستقبلية المحتملة ورسم خطة إستراتيجية واضحة لكل حالة متوقعة تتعامل مع مختلف المتغيرات بهدف دعم القرار وتقليل أو تفادي المخاطر والكوارث وتعظيم الفائدة، وقد يتم مصاحبة تلك السيناريوهات لجعلها أكثر تعمقا ووضوحا عدد من المتغيرات والمؤشرات الحيوية مثل نمو السكان وعدد السكان وكذلك الناتج المحلي وغيرها من مختلف المؤشرات الخاصة بالتنمية والتكنولوجيا والبيئة والمجتمع ومحاولة مدها إحصائيا بما يتناسب وكل سيناريو متوقع.

ويميز علم الدراسات المستقبلية إذا ما توازى مع علم التخطيط بأنه يوجد العديد من الخطط البديلة ويفتح الخيارات أمام المنشاة من اجل تحقيق أهدافها وغاياتها، وكذلك يخفض الوقت الذي تقره المنشاة للتنمية وذلك بسبب وجود خطة مستقبلية لكل حالة تواجه متخذ القرار، إضافة إلى معرفة القدرات الداخلية للمنظمة ومحاولة استغلالها وتعظيمها و كذلك معرفة مناطق الضعف والتهديد ومحاولة التعامل معها بهدف إلغائها وتقليصها.

وفي الواقع ومازاالت في الحقيقية تلك المنهجيات بحاجة إلى تطوير وإسقاط على واقعنا العربي و السعودي ونعتقد انه يجب أن يتم نشر ثقافة هذا العلم الهام وحاليا تقوم كلية العلوم الإستراتيجية بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بتدريس هذا العلم الهام، وكان من ابرز من كتب فيه كذلك محلياً الدكتور سعود عابد رحمه الله احد أساتذة علم المستقبليات والعلوم الإستراتيجية.

وقد تطور هذا العلم حاليا وتحديداً في الولايات المتحدة الأمريكية في جامعة دنفر حيث تم إنشاء برنامج حاسوبي لديه عدد من المؤشرات لفترات زمنية محددة ومن خلال مواضيع مؤطرة لكل مجال تنموي اقتصادي واجتماعي وسكاني ويحتوي على عدد من السيناريوهات و التي قد تساعد متخذي القرار في شتى المجالات بالتخطيط بشكل طويل المدى بعيداً عن التخطيط قصير المدى والذي قد يضر بعملية التطوير والتنمية.

لا يزال هنالك دور كبير خصوصا في مؤسسة هذا العلم أكاديميا في شتى المؤسسات التعليمية في المملكة و كذلك دور الإعلام في خلق الوعي المستقبلي خصوصا في مواجهة التغيرات المتسارعة والتي نشاهدها اليوم إقليميا و دولياً.



الكاتب :-د. يحيى مفرح الزهراني

0 التعليقات :

إرسال تعليق