يروى أن الإسكندر الأكبر قال لوالدته: ادع لي يا أمي؛ فقالت الأم: لا جعلك الله ذكياً بقدر ما يجعلك قادراً على استخدام ذكاء الآخرين.
الأم الواعية تريد من ابنها أن يتعلم كيف يستثمر ذكاء الآخرين!
الأم الواعية تريد من ابنها أن يتعلم كيف يستثمر ذكاء الآخرين!
وإن الذكاء الحقيقي في مفهومها ليس استثماراً فردياً، بل هو فن ذكاء استخدام ذكاء الآخرين.
وعي توثب عند ذلك القائد؛ فقاده لأن يحصد ذكاء الآخرين حصداً ويجني ثماره.
ولقد فعلها الإسكندر فقاد آلاف العقول التي قادت له عشرات الألوف من الجند ففتح وغلب وصنع إمبراطورية عظمى احتوت الملايين. لا نريد من سوق هذه الحكاية إذكاء أي تربية انتهازية في عالم مبتلى بشرور استخدام الذكاء كثيراً فيما لا يفيد.
وإذن فإن العالم الذي بين يدينا أو نحن بين يديه، وبالذكاء الذي يتفاخر به أهله، قد أوصلنا إلى نوعية محيرة من الحياة غير المتوازنة، أشقت من في العالم، وحيّرت معضلات تلوثه وحروبه المعلنة والمتكتمة الشعوب والزعماء، يشهد على ذلك ما تقرؤه في جريدتك اليومية في يومنا هذا في عامنا هذا عن مصارع جماعية واضطرابات وفتن ومظالم ومجاعات وتخمة وأمراض مستجدة أنبتها انحراف وشذوذ مشين.
ولو أن الحكمة لا الذكاء سيّرت أمورنا على هذا الكوكب لكان لنا مع الحياة شأن آخر.
إن للحكمة نغماً ينساب في الحياة لا يخطئ سماعه صاحب الفطرة النقية والبصر الحديد والقلب اليقظان، وحيثما وجدت مؤمناً (صادقاً) فسوف تجده شغوفاً بالحكمة بحاثةً عنها، لا يتنفس إلا بها!
إن العقل والعلم صنعا من الإنسان عملاقاً هائلاً متغطرساً، ولكنه مضطرب الخطو مريض الفكر.
وبديهي أن هذه الملاحظات الجسيمة ليست طلباً لمصادرة العقل والعلم، ولكنها طلب التحاق وانضمام إلى الحكمة، ولو بعضوية حضور واستماع تسمح بجذب الأنظار لمغزى الآية المحذرة المهيبة: {حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ}.
إنه مهما كان إعجابنا (بالذكاء والأذكياء) في دنيانا، ومهما كانت نظرتنا إلى (الغباء والأغبياء) فإن الذكاء وحده ليس يجدي؛ فقد يتوافر الذكاء لرؤساء العصابات ممن يحسنون تدبير الجرائم؛ ولذا فإن الذكاء لا ينبغي أن يكون هدفاً لذاته يودّ الناس لو وصفوا به وتحلى به أبناؤهم. إن ما نحتاج إليه حقاً هو الحكمة التي تمكننا من توجيه قوة الذكاء بنور الحكمة الإلهي؛ إذ هي المفتي الداخلي الآمر الناهي، التي يصلح القلب بها، أو إذا صلح عششت فيه، والحكمة مطلب جوهري مَن يؤتاها فقد أوتي خيراً كثيراً؛ ولذا فهي مطلب حيوي أشد إلحاحاً للأفراد والشعوب والجماعات والأمم.
وإذا تزوّدنا ببعض معانيها الرائعة في أصولنا اللغوية علمنا حاجتنا وحاجة العالم إليها، ولا نبالغ إذا قلنا: إننا كما نضع المناهج تعلمنا المهنة والمهن والحرفة والحرف، فما أحوجنا إلى أن نضع منهجاً يتعلم به أبناؤنا ما يفقههم في معنى الحكمة الجليل، بل نعلمهم كيف يطبقونها أولاً بأول في مواقفهم العملية في الحياة!
الكاتب:- د. علي بن محمد التويجري
0 التعليقات :
إرسال تعليق