تابع جديد المدونة عبر:

إدارة مخاطر التنمية

المخاطرة كما تعرفها منظمة المعايير الدولية هي عبارة عن ربط بين احتمال وقوع حدث والآثار المترتبة على حدوثه. أما ادارة المخاطر فيعرفها المتخصصون بأنها عملية قياس وتقييم للمخاطر وتطوير استراتيجيات لادارتها، كنقل المخاطر الى جهة أخرى وتجنبها وتقليل آثارها السلبية، وقبول بعض أو كل تبعاتها، وتعرف أيضا بأنها النشاط الاداري الذي يهدف الى التحكم بالمخاطر وتخفيضها الى مستويات مقبولة. وبشكل أدق هي عملية سيطرة على المخاطر من خلال تحديد وقياس وتخفيض المخاطر التي تواجه الشركة أو المؤسسة ــــ ويمكننا أيضا أن نشمل الوزارة أو الحكومة ــــ لأن كل مشروع تنفذه أو تطرحه الحكومة فيه مخاطرة قد تعرض الدولة والشركة المنفذة لخسائر فادحة. فعلى الممول والمنفذ التأكد من خلو المشروع الحكومي من أي مخاطر لا يمكن التنبؤ بها أو التحكم فيها، كالالغاء أو السحب لاعادة الطرح، أو لأوامر تغييرية مكلفة، أو بسبب التغييرات في أولويات الحكومة وأعضاء مجلس الأمة.
تتفاوت درجات المخاطر باختلاف نوعية المشروع والقطاع وطبيعة المنشأة، فالمشاريع التي تمولها البنوك للقطاع النفطي تختلف في طبيعة مخاطرها عن مشاريع القطاع الانشائي. فالبنك الممول للمشروع يأخذ بعين الاعتبار مخاطر الائتمان والسوق، بينما تقوم الشركة المنفذة بادارة مخاطر العمليات المنفذة للمشروع. فأنواع المخاطر التي تتم ادارتها في القطاع الخاص بصفة عامة والبنوك بصفة خاصة، تتعلق بالسوق والتمويل والسيولة والاستثمار وعمليات التشغيل والعائد والالتزام وسمعة المؤسسة والعمالة المتخصصة، وغيرها من المخاطر التي تخضع لقياس وتقييم المنشأة، وهي تتم ادارتها عادة من خلال: أولا: تحديد المخاطر المؤثرة على المشروع والأكثر احتمالا للحدوث، وتوثيق خواص ومواصفات هذه المخاطر. ثانيا: تقييم المخاطر وقياس مدى تفاعلها مع المشروع ومخرجاته. ثالثا: تحديد الخطوات اللازمة للتعامل مع هذه المخاطر. رابعا: الاستجابة للتغيرات في مستوى المخاطر طوال فترة المشروع. خامسا: المراقبة والمتابعة الدورية لاستكشاف أي مخاطر جديدة أو فشل التحكم في مخاطر سابقة. لكن هناك تحديات رئيسية تواجهها ادارات المخاطر في مجال تحديد الخسائر المتوقعة وغير المتوقعة، أي تلك التي تحدث فجأة، والتي تتطلب فهما واسعا لأدوات ومؤشرات السوق وادارة السيولة والمخاطر التي قد تنجم عنها. وهذه الشمولية في ادارة المخاطر الكلية للمنشأة تمنحها قدرة أكبر على تجاوز الأزمات والخروج منها بثبات، محققة نموا حقيقيا حتى في ظل تغيرات الوضع الاقتصادي العالمي. ولكي تتمكن المنشأة ـــ الحكومية أو الخاصة ـــ في مختلف قطاعات الأعمال من تجنب المخاطر والتعامل معها بكل فاعلية، نقترح الخطوات الاحترازية التالية:
1 ـــ تطبيق معايير دولية (أيزو 9000) في المنشأة يسهم في تقليل مستوى المخاطر الناجم عن غياب الشفافية والهيكل الاداري ودليل الاجراءات الموحد.
2 ـــ تجنب تركز العمليات التمويلية الاستثمارية في قطاع واحد أو لعميل محدد، مع النظر في خطط طوارئ التي تضعها المنشأة لتفادي الكوارث.
3 ـــ الاعتماد على البيانات الحديثة بجانب البيانات التاريخية للقطاع أو الشركة أو السهم المحدد عند تحليل مستويات المخاطر المستقبلية المحتملة.
4 - تعزيز الاجراءات الوقائية وضرورة التحوط ضد المخاطر غير المتوقعة من خلال الضمانات وتطبيق معيار كفاية رأس المال والتقليل من الاستثمار في المنتجات المالية الجديدة التي لا تتوافر عنها معلومات ومؤشرات واضحة.
5 - انشاء ادارة أو وحدة للمخاطر في المنشأة وجعلها عاملا رئيسيا في اتخاذ القرارات ذات المخاطر العالية وجزءا لا يتجزأ من منظومة العمل في المنشأة.
6 - اعتماد الدقة ومبدأ الشفافية والافصاح في البيانات المالية والخطط الاستراتيجية ورفع تقارير عن المخاطر ودرجاتها الى الادارة العليا.
7 - الابتعاد عن التمويل أو الاستثمار في القطاعات التي لا تملك المنشأة فيها الخبرة والدراية الكافية.
8 - اجراء دراسات كافية حول القدرة الائتمانية للشركة أو القطاع ووضع إطار عمل قوي للإدارة وتخطيط احتياجات الشركة من السيولة.
9 - فهم أساسيات إدارة السيولة النقدية والمخاطر في البنوك والمؤسسات المالية والتأمين ضد المخاطر العالية التي تتسبب في انهيار اصول المنشأة.
10 - تفعيل دور الأنظمة الرقابية وادارات التدقيق الداخلي والحوكمة في المنشأة لضمان وجود نظام رقابي عالي الكفاءة والفاعلية والأداء في الشركات والمؤسسات الحكومية.
11 - تطبيق أنظمة الادارة الحديثة من قبل قياديين مؤهلين وتحديد المسؤوليات وتقليص التدخل العشوائي للمساهمين والمتنفذين في قرارات المنشأة.
12 - نشر ثقافة ادارة المخاطر في المنشأة من خلال عقد المحاضرات والندوات والدورات وورش العمل للموظفين كافة على مختلف المستويات الادارية.
لاشك في أن تطبيق هذه المقترحات في أي منشأة أو قطاع سيسهم في تقليص الخسائر الناجمة عن القرارات غير المدروسة في المنشأة الخاصة أو الحكومية مما سيعزز من فرص التنمية الحقيقية الخالية من المخاطر العالية والتي ستستمر في حال عدم وجود توافق سياسي بين سلطات الدولة.


الكاتب :-
د. عبدالعزيز التركي

0 التعليقات :

إرسال تعليق