لا يمكن لأي مراقب للشأن الاقتصادي العالمي أن يمر على الخبر الذي نقلته وكالة الأنباء الفرنسية الاثنين الماضي، بخصوص الاتفاق الصيني ــ الياباني حول تعزيز التبادل بين البلدين، باعتماد عملتيهما مقابل الدولار الأميركي، بناء على الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الياباني يوشيهيكو نودا، مرور الكرام، فالخبر يستحق استحضار كل المقدرات الذهنية في محاولة استقراء معانيه، لأنه ببساطة قد يكون مرادفا للإعلان الفعلي عن بدء مراسيم نهاية عهد سطوة الورقة الخضراء على اقتصادات العالم!
تغيير الخارطة النقدية
على ضوء هذا البروتوكول، فإن اليابان ستقوم بشراء السندات الصينية خلال العام الجاري، بشكل يتيح لها جمع المزيد من الرنمينبي وسط احتياطات النقد الأجنبي لديها، في حين تعتبره الصين، التي هي صاحبة ثاني أكبر اقتصاد عالمي (الثالث بالمناسبة هو الياباني!)، جزءا من استراتيجية دأبت على سلكها منذ سنوات. وعليه، فالاتفاق بالنسبة للأميركيين على الأقل، جزء من التحرك بقصد الابتعاد التدريجي عن الدولار، إذ أعلن مسؤولون صينيون مؤخرا أن بلادهم ترغب في توسيع نطاق الاستخدام العالمي لعملتها المعروفة أيضا باسم «اليوان»، فضلا عن أنها تهدف أيضا، وفق المحللين، إلى رؤية مزيد من الدول تقلدها في ذلك، عبر التقليل من الاعتماد على الدولار كعملة أساسية على المستوى العالمي، ويتوجب علينا هنا الانتباه أن بكين تمتلك في هذه الأثناء أكبر احتياطي من العملة الأجنبية يقدر بنحو 3.2 تريليونات دولار، في حين أن اليابان تمتلك 1.3 تريليون، مما يعني على المستوى الاستراتيجي، أن أي خطوة في هذا الاتجاه هي مرادف لمشروع هدفه إعادة تشكيل تركيبة تلك الاحتياطيات بطريقة يمكنها تغيير الخارطة العالمية للعملة!
نظام أكثر توازناً
الأمر بالنسبة لأستاذ الشؤون الدولية في جامعة جورج تاون والباحث البارز في مجلس العلاقات الخارجية، تشارلز إي. كوبشان، واضح ولا لبس فيه، فالصينيون وفقا لهذا المحلل: «يعلنون صراحة اعتقادهم بأن الدولار مهيمن كثيرا على الاقتصاد العالمي»، وبالتالي، يضيف معلقا: «إنهم يؤمنون بأن النظام العالمي بالتوازي مع صعود الصين، يجب أن ينتقل إلى بنية أكثر توازنا»، وبالنظر إلى أن الرنمينبي لن يتحول بين عشية وضحاها، إلى بديل عالمي، إلا أن الاتفاق، بحسب تعبير الأستاذ كوبشان دوما، «خطوة أولية في هذا الاتجاه»، بما أن خبراء شؤون التجارة العالمية يعتقدون أن لدى كل من الصين واليابان على حد سواء، الدوافع العملية والسياسية التي تحض على الاتفاق، مع انهما لم تعلنا أي جدول زمني للتنفيذ، والاتفاق الوحيد حاليا ملخصه أن المسؤولين في كلا الطرفين سيناقشون التدابير الممكنة.
أثر قريب
من جانبه، يرى الأستاذ جيفري اتش. برغستراند، أستاذ التمويل في كلية مندوزا لإدارة الأعمال في جامعة نوتردام، أن الأمر بسيط، ولا يحتاج كل هذا الزخم السياسي والإعلامي الذي أثير حوله، فالمسألة مردها القرب الجغرافي بين البلدين اللذين سيعملان على تعزيز مبادلاتهما التجارية خلال القرن الحالي، وهذا لا يتطلب منهما الاعتماد على الدولار بشكل حصري، مضيفا أن الصين في هذه الأثناء، تتحرك إيجابا على صعيد تصحيح وضع عملتها، بالنظر إلى أن هذه الأخيرة كما يقول المحللون، مقومة بأقل من قيمتها بنحو 40 في المائة مقابل الدولار، و45 في المائة مقابل الين الياباني، بشكل سيرفع مقدرات الصين على الاستيراد بقدر أكبر، وهذا أمر مهم بالنسبة لليابانيين أيضا، لأن هؤلاء متضررون من هذا الضعف المتواصل للدولار، الذي جعل المستهلكين الأميركيين غير قادرين على الإنفاق بطريقة اعتيادية على اقتناء المنتجات الإلكترونية والسيارات اليابانية، كما كانوا معتادين على ذلك طيلة العقود الماضية!
التداعيات المستقبلية
بالتالي، فمن الناحية العملية، ترغب كل من الصين واليابان، حسب الأستاذ كوبشان، في خفض تكاليف المعاملات التجارية الثنائية وتفادي مخاطر التقلبات في أسعار الصرف. ومع ذلك، يقول المحللون أيضا انه من الصعب في هذه الأثناء، التنبؤ بالتداعيات التي من الممكن أن يحدثها هذا التطور بالنسبة للولايات المتحدة على المدى الطويل على الأقل، قبل أن يدخل الاتفاق حيز التنفيذ، فعلى المدى القصير، يعترف الأستاذ برغستراند بأنه من المرجح أن يؤدي هذا إلى استمرار مسلسل ضعف الدولار مقابل اليوان. ولذلك، فهو يرى ضرورة العمل على تخفيف العجز التجاري الأميركي مقابل الصين من خلال دعم الصادرات نحوها مقابل خفض الواردات منها، مُق.رًّا في الوقت ذاته، بأنه يرجح أن تؤدي الاتفاقية الصينية اليابانية، إلى التقليل من هيمنة الدولار على التجارة العالمية، على اعتبار أن «اليوان الصيني سيلعب دورا مهما وعلى نحو متزايد في آسيا»، مما يعني أن الورقة الخضراء ستكون عملة أقل أهمية على صعيد المعاملات التجارية في المحيط الهادئ، مذكرا في السياق ذاته بما جرى على الجنيه الإسترليني قبل نحو مائة عام من الآن، حينما بدأ أفول نجم العملة البريطانية كأبرز عملة وقتذاك، للتعاملات الدولية!
صحيح أن الضغوط الأميركية قد أجبرت بكين منذ يونيو 2010، على السماح التدريجي بارتفاع اليوان، إلا أن كل هذا لا يبدو ذا أهمية حاليا، لأنه إذا ما كان الاتفاق الذي تم التوصل إليه الاثنين، رمزيا أكثر منه عمليا، فإنه يعني أيضا، أن الصين أدركت أن أوان تدويل الرنمينبي قد حان. ولذلك، فهي تعلن للعالم كله أن عهد سيطرة ورقة جورج واشنطن، قد أوشك على الانتهاء!
الكاتب :-عبد الحق بوقلقول - الجزائر
0 التعليقات :
إرسال تعليق