تابع جديد المدونة عبر:

دور الحوكمة في تمكين المساهمين والمستثمرين واستقرار الأسواق المالية

تعود جذور دراسة حكومة الشركات إلى القرن التاسع عشر، إثر نشوء شركات المساهمة العامة وما رافقها من بروز المشاكل التي ترافقت مع فصل الملكية عن لأداره وهو المفهوم الذي أصبح يعرف لاحقا بمشكلة الوكالة (AGENCY PROBLEM). وبالتالي برزت الحاجة إلى ايجاد ضوابط وترتيبات تلزم إدارات الشركات بالعمل على تحقيق مصالح المساهمين، واستمر هذا المفهوم بالتطور مع التطورات في مجال الأعمال.
ورغم أن المفهوم لا يعتبر حديثا تماما، وأنه حدثت عدة تطورات ومبادرات في مجال الحوكمة خلال الثمانينات، إلا أن الدعوات والمبادرات الهادفة إلى تحسين نظم الحوكمة في الشركات والمؤسسات تزايدت بشكل ملحوظ منذ نهاية التسعينات من القرن الماضي متأثرة بشكل أساسي بحدثين هامين على مستوى الاقتصاد العالمي. الحدث الأول كان الأزمة المالية في دول جنوب شرق آسيا في العام 1997، أما الحدث الثاني فكان حالات الانهيار والإفلاس الكبير التي وقعت في الولايات المتحدة والتي برز فيها بشكل أساسي انهيار كل من شركة انرون وشركة الاتصالات العملاقة وورلد كوم، وما رافق هذه الانهيارات من فضائح أدت إلى تصفية مؤسسات عريقة مثل شركة آرثر أندرسون.
هاتان الأزمتان أثرتا بشكل عميق على ثقة المستثمرين في الأسواق المالية سواء في الدول النامية أو المتقدمة على حد سواء، وكشفنا عن جوانب قصور كبيرة في نزاهة الإدارات، وجودة البيانات المالية، والشفافية والإفصاح في هذه الأسواق. وقد عملت العديد من الدول والمؤسسات على اتخاذ الإجراءات التي تكفل استعادة ثقة المستثمرين في الأسواق. وقد عملت العديد من الدول والمؤسسات على اتخاذ الإجراءات التي تكفل استعادة ثقة المستثمرين في الأسواق وتجنب تكرار هذه الأزمات، وقد احتلت الجهود لتحسين حوكمة الشركات مكانا متقدما ضمن هذه الإجراءات.
ما هي الحوكمة
يتوجب بداية أن نحدد مفهوما واضحا للحوكمة قبل الخوض في دراسات آثارها، حيث أن تعريفات حوكمة الشركات متعددة وتتراوح بين تعريفات ضيقة تحصرها في إطار القوانين والمعايير المحاسبة ومتطلبات الإفصاح وترتيبات الرقابة الداخلية، إلى تعريفات واسعة النطاق تجعل من الحوكمة المكون الاساسي في الثقافة المؤسسية وطريقة تحديد الأهداف وتنفيذها في المؤسسات. وإجمالا أصبحت الحوكمة مصطلح يشير إلى طريقة توجيه الشركة وإدارة الشؤؤن اليومية للشركة، بما في ذلك واجبات أعضاء مجلس الإدارة في ضمان الإدارة السليمة دون تجاوز للضوابط المصادق عليها من قبل الجمعية العمومية.
ويعتبر التعريف الذي أعددته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD أكثر التعريفات قبولا وانتشارا دوليا، حيث عرفت المنظمة الحوكمة على أنها:
"مجموعة العلاقات بين إدارة الشركة ومجلس إدارتها والمساهمين وأصحاب المصالح الآخرين، التي توفر أطرا وآليات لتحديد أهداف الشركة وطرق تنفيذها وآليات الرقابة على الأداء.
كما أنه ليس هناك نموذجا موحدا للحوكمة السليمة، فهي تختلف باختلاف الدول نظرا للفروق في البيئه الاقتصادية والبيئية القانونية وحتى الاجتماعية، كما أن نماذج الحوكمة يمكن أن تختلف داخل الدولة نفسها في القطاعات الاقتصادية المختلفة، ووفقا للشكل القانوني للمؤسسات.لكن الثابت أنه يوجد عناصر مشتركة تحدد ماهية الأساليب على شكل مبادئ عامة تستوعب النماذج المختلفة للحوكمة السليمة. وتغطي هذه المبادئ كما حددتها منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي خمسة جوانب أساسية هي:
  • حقوق المساهمين.
  • المعاملة المتكافئة للمساهمين.
  •  دور أصحاب المصالح (stakeholders).
  • الإفصاح والشفافية.
  •   مسؤوليات مجلس الإدارة.
أهمية الحوكمة
تتزايد في البيئة الاقتصادية المعاصرة أهمية التزام الشركات بتطبيق مبادئ الحوكمة الجيد، ويعتبر إدراك الشركات لأهمية تحسين نظم الحوكمة لديها عنصرا أساسيا في تحقيق ذلك، حيث أن اعتماد الحوكمة من قبل الشركات ذاتيا أكثر فعالية ونجاعة من فرضها بقوانين أو تعليمات. إذ انه وفي عالم أصبح يتسم بحرية الاستثمار وانتقال رأس المال، أصبح من الصعب على الشركات اجتذاب التمويل اللازم من المستثمرين دون ايجاد نظم حوكمة جيدة وفقا للمعايير الدولية. كما أن اجتذاب رأس المال "الصبور" أو "طويل الأجل" يتطلب ترتيبات حوكمة تتصف بالمصداقية ويسهل فهمها على المستثمرين من خارج الدولة. وبالنسبة للدول النامية وذات الموارد المالية وغير المالية المحدودة فإن الحوكمة تعتبر أكثر أهمية لسببين أساسيين.
  • أن هذه الدول لا تستطيع تحمل الهدر في الموارد المحدودة أصلا الذي ينتج عن الفساد وسوء الحوكمة.
  • أن التنمية تعتمد على بشكل كبير على القدرة على اجتذاب الاستثمار الاجنبي المباشر، والذي تعتبر الحوكمة، كما أشير أنفا، من العوامل التي تسهم في خلق البيئة الجاذبة له.
ومن ناحية اخرى فانه حتى اذا لم تكن الشركة تحتاج او تعتمد بصفة اساسية على مصادر تمويل أجنبية، فإن الالتزام بأساليب الحوكمة السليمة من شأنه ان يساعد على رفع درجة الثقة من جانب المستثمرين المحليين، مما يؤدي – في الأسواق المالية الكفؤة- إلى خفض تكلفة رأس المال، وتحقيق مزيد من الاستقرار في مصادر التمويل، وبالتالي إكساب الشركات التي حققت نظم متقدمة للحوكمة ميزات تنافسية على الشركات التي لم تلتزم بذلك.
هدف وهيكل الورقة:
تهدف هذه الورقة الى دراسة الآثار التي يؤدي إليها تحسين جودة الحوكمة في تعزيز وحماية حقفوق المساهمين والمستثمرين، وكذلك أثر الحوكمة في تعزيز الاستقرار المالي. وتقدم هذه الورقة ملخصاً لنتائج الأبحاث في السنوات الأخيرة حول آثار الحوكمة الجيدة على الاستقرار المالي، وتعزيز ثقة المستثمرين والمساهمين.
ووجدت الورقة أن الدراسات التي تمت مراجعتها تثبت الآثار الايجابية لتسحين جودة حوكمة الشركات في كل من الاقتصاديات الناشئة والمتقدمة، وفي مختلف الصناعات. وتظهر النتائج أن معظم الدول التي حققت تطوراً في حوكمة مؤسساتها قد أظهرت نتائج إيجابية ملموسة انعكست في مؤشراتها الاقتصادية والمالية الكلية. كما تظهر الدراسة أن الآثار الايجابية كانت أكثر وضوحا في القطاعات الأكثر اعتمادا على التمويل من مصادر خارجية.
وقد تم اعداد هذه الورقة الملخصة لتتكون من قسمين أساسيين، عالج القسم الأول منها أثر الحوكمة في حماية وتعزيز حقوق المساهمين والمستثمرين، بينما خصص الجزء الثاني لدراسة أثر جودة الحوكمة على الاستقرار المالي. أو بكلمات اخرى فإن القسم الأول من الورقة يعالج الآثار التي تحدثها الحوكمة على المستوى الجزئي Micro، بينما يناقش الجزء الثاني جزءا من آثار الحوكمة الكلية Macro.
الجزء الأول
دور الحوكمة في حماية وتعزيز حقوق المساهمين والمستثمرين
تعتبر ثقة المساهمين والمستثمرين بأن الأموال التي سيستثمرونها لن يساء استخدامها من قبل مديري الشركة او اعضاء مجلس الادارة او كبار المساهمين، وأن هذه الأموال ستوظف بالشكل الأمثل الذي يراعي مصالحهم، بمثابة أحد أهم العوامل في نشوء وتطور أسواق رأس المال (OECD, 2004).
فواقع الأمر ان مجالس الإدارة والمديرين وكبار المساهمين تتوفر لهم امكانية اتخاذ القرارات التي تحقق مصالحهم على حساب مصالح غيرهم من المساهمين. وعليه فان ثقة المساهمين والمستثمرين لا تتوفر الا اذا تأكد المستثمرون أنهم سيحصلون على معاملة عادلة ومتكافئة سواء كانوا محليين او اجانب. ولهذا فان نظام الحوكمة الفعال يجب ان يوفر وسائل يتسنى للمساهمين استخدامها لحماية حقوقهم والقدرة على اقامة الدعاوي القانونية والادارية ضد المديرين واعضاء مجلس الادارة. وقد اظهرت التجربة ان احد اهم المحددات لقدرة المساهمين على حماية حقوقهم يتمثل في توفر وسائل فعالة للحصول على تعويضات مناسبة على الاضرار التي قد تلحق بمصالحهم ودون تأخير مفرط. وتتعزز ثقة صغار المساهمين حينما يوفر النظام القانوني الآليات اللازمة لإقامتهم للدعاوي القانونية عندما تتوفر لهم السندات القانونية التي تبرر اعتقادهم بان حقوقهم قد انتهكت.
ومن ناحية اخرى، ثمة مخاطر تتمثل في ان يؤدي وجود نظام قانوني يمكن المساهمين من اقامة الدعاوي القضائية ضد انشطة الشركة إلى الإسراف في اقامة مثل تلك الدعاوي. بشكل يعطل اعمال الشركات او يحملها تكاليف مرتفعة. لذلك فقد سعت الكثير من النظم القانونية الى احتواء هذه المخاطر عبر صياغة احكام تقضي بحماية المدراء وأعضاء مجلس الادارة من إساءة استخدام الحق في اقامة الدعاوي القضائية.
وتتخذ هذه الأحكام شكل اختيارات لمدى جدية مضمون شكاوي المساهمين، بحيث تشكل حماية للمدراء واعضاء مجالس الإدارة. كما وجدت العديد من الدول ان الاجراءات البديلة لإقامة الدعاوي القضائية، مثل الاجراءات التي تتخذها سلطات الرقابة على أسواق الأوراق المالية او غيرها من الجهات الرقابية، أكثر كفاءة في تسوية النزاعات، على الأقل في المراحل الأولى للدعاوي (OECD, 2004).
حماية حقوق المساهمين في مبادئ الحوكمة:
سعت مختلف أنظمة الحوكمة إلى تحقيق الهدف المشار اليه آمفا، ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح في مبادئ منظمة الـ OECD التي تهدف في مجملها إلى ضمان حقوق المساهمين، وخصصت أحد المبادئ ليعالج بوضوح هذه الحقوق. حيث ينص المبدأ الثاني من مبادئ الـ OECD للحوكمة على أنه:
"يجب أن يكفل إطار حوكمة الشركات المعاملة المتكافئة لجميع المساهمين بما فيهم صغار المساهمين او المساهمين الأجانب. كما ينبغي أن تتاج للمساهمين فرصة الحصول على تعويض فعلي (عادل) في حالة انتهاك حقوقهم".
ويحدد المبدأ عدداً من الحقوق التي يجب ضمانها للمساهمين او المستثمرين في الشركات على النحو الآتي:
أ‌.       يجب أن يعامل المساهمون المنتمون إلى نفس الفئة معاملة متكافئة.
  1. ينبغي أن يكون للمساهمين – داخل كل فئة- نفس حقوق التصويت. فيجب أن يتمكن كافة المساهمين من الحصول على المعلومات المتصلة بحقوق التصويت الممنوحة لكل فئة من فئات المساهمين قبل شرائهم للأسهم، كما يجب أن تكون أية تغيرات مقترحة في حقوق التصويت خاضعة للتصويت من قبل المساهمين.
  2. يجب أن يتم التصويت بواسطة الأمناء (Trustees) أو المفوضين بطريقة متفق عليها من حملة الأسهم.
  3. ينبغي ان تكفل العمليات والإجراءات المتصلة بالاجتماعات العامة للمساهمين المعاملة المتكافئة لكافة المساهمين، كما يجب ألا تشكل اجراءات الشركة صعوبة أو تحمل المساهمين تكاليف مرتفعة للتصويت.
ب‌.  يجب منع تداول الأسهم بصورة لا تتسم بالإفصاح او الشفافية.
ت‌.  ينبغي أن يطلب من أعضاء مجلس الإدارة او المديرين التنفيذيين الإفصاح عن وجود أية مصالح خاصة بهم قد تصل بعمليات أو بمسائل تمس الشركة.
أثر تحسين جودة الحوكمة على ثقة المساهمين:
تظهر عدة دراسات وأبحاث وجود ارتباط ايجابي بين جودة الحوكمة في الشركات واستعداد المستثمرين للمساهمة في هذه الشركات ومستوى العلاوة premium التي يمكن أن يدفعها المستثمرين في هذه الأسهم. ففي تقرير "مسح آراء المستثمرين الدوليين" الذي أجرته مؤسسة ما كنزي (MCKINSEY & COMPANY 2000)، وهو أول مسح يشمل أكثر من 200 شركة استثمار دولية أجرته المؤسسة عام 2000 وتم تحديثه في عام 2002، شركة استثمار دولية أجراته المؤسسة عام2000 وتم تحديثة في عام 2002، وجدت تلك المؤسسة أن 80% من المستطلعين ابدوا ميلا نحو دفع علاوة لأسهم الشركات التي اعتبروها ذات نظم حوكمة مناسبة.
واعتبر المستثمرين المستطلعون أن ضم مجلس إدارة الشركة لأعضاء مستقلين من أهم المميزات التي تؤثر في حكمهم على جوده الحوكمة في الشركة. كما أجاب غالبية المستثمرين أن توفر معلومات كافية حول نظم الحوكمة في الشركات يؤثر ايجابيا في قرارهم الاستثماري. وقد تفاوتت نسبة العلاوة التي أبدى المستثمرون استعدادا لدفعها بحسب الأسواق في الدول المختلفة، فبينما بلغت النسبة حوالي 11% في أسهم الشركات المدرجة في أسواق الدول المتقدمة والأكثر استقرارا مثل السوق الكندي، وصلت إلى 40% في أسواق الدول الأقل تقدما وأكثر تذبذبا في شرق آسيا.
كما قام (de nicolo, loeven, and ueda, 2006) بعقد دراسة تتكون من مرحلتين، الأولى تدرس فيما إذا كانت ممارسات الحوكمة قد تحسنت فعليا[1]، ومن ثم الانتقال إلى المرحلة الثانية التي درست فيما إذا كانت هذه التحسينات في جوده حوكمة الشركات قد ساهمت في نمو الإنتاج والإنتاجية والاستثمار على مستوى البلد على مستوى الصناعة.
ومن أجل تحقيق ذلك طور الباحثون مؤشرا لجودة حوكمة الشركات (CGQ)[2] على مستوى البلد باستخدام البيانات المحاسبية وبيانات السوق لشركات غير مالية مدرجة في أسواق الأسهم المحلية، وذلك اعتمادا على أن هذه الشركات تكون أكثر عرضة لانضباط السوق Market Discipline، وأن التطوير في حوكمة الشركات يعتبر مؤشرا على التطور في القطاع المؤسسي ككل، وبالمثل فإن عدم تطور حوكمة هذه الشركات قد يعكس عدم التطور في القطاع المؤسسي ككل.
وقد خلص دي نيكول وآخرون (De Nicolo et al,2006) إلى ثلاث نتائج رئيسة هي:
  • أن مؤشر جودة الحوكمة (CGQ) يظهر تحسنا في جودة حوكمة الشركات في معظم الدول التي تمت دراستها منذ العام 1994 وحتى العام 2003، وأن الجودة تحسنت تحديدا في مجال مقاييس الشفافية.
  • تشير البيانات إلى حدوث تقارب في مستويات الدول في مجال جودة حوكمة الشركات، حيث أن الدول التي حصلت على تقييم ضعيف فيما يتعلق بجودة حوكمة شركاتها في البداية، تحاول أن تدرك تلك ذات التقييم العالمي.
  • إن التحسن في جودة حوكمة الشركات يؤثر على كافة النشاطات الاقتصادية الإجمالية بصورة كبيرة وإيجابية. وإن النتائج تشير إلى وجود آثار إيجابية للتحسينات في حوكمة الشركات على نمو الشركات التي تعتمد التمويل من مصادر خارجية مثل استقطاب الودائع وإصدار الأوراق المالية.
الجزء الثاني
أثر الحوكمة على تعزيز الاستقرار المالي
يعتبر تحليل أثر جودة الحوكمة على الاستقرار المالي من الدراسات حديثة العهد والتي لم يتم تناولها بشكل كاف حتى الآن، ويعود بشكل أساسي إلى عدم توفير تعريف دقيق للاستقرار المالي المرغوب بها، يصعب توفر مقاييس واضحة او كمية لها.
من هنا فقد اتجهت اغلب الدراسات لتحليل أثر الحوكمة على السلامة المالية Financial Soundness" بدلا من الاستقرار المالي (Das, Quintyn, and "Financial Stability" Chenard, 2004). حيث أن السلامة المالية والتي تعرف بالقدرة على مقاومة الأزمات واستيعاب الصدمات والتعافي السريع منها، تتميز بأنها أكثر قابلية للقياس، اضافة الى أن السلامة المالية تشكل عنصرا رئيسا في المفهوم الكلي للاستقرار المالي. أما المفهوم الأعم والأقل تحديداً للاستقرار المالي فهو طبقا لتعريف ميشكن (Mishkin, 1991 & 1997) يتحقق إذا كان النظام المالي قادرا على توفير توزيع كفؤ لفرص الادخار والاستثمار، ويعتمد على قاعدة متينة وخال من الاختلالات الكبيرة.
ومما يزيد من صعوبة قياس الاستقرار المالي صعوبة التحليل الكمي للنظام المالي بشقيه المصرفي وغير المصرفي، وخاصة بالنسبة لقطاع التأمين الذي يشكل عنصرا هاما من القطاع المالي غير المصرفي، ويعتبر ذا أثر على استقرار النظام المالي الكلي، ولعل ذلك الأثر يعد من الأسباب التي دعت إلى توسيع مؤشرات السلامة المالية لتشمل القطاعات المالية غير المصرفية. ولكن ايجاد مؤشرات شاملة لاستقرار النظام المالي بشقيه (المصرفي وغير المصرفي) ليس بالأمر السهل وذلك نتيجة لعدة عوامل تتعلق باختلاف الأساليب الرقابية، وقابلية المعلومات للمقارنة عبر الدول، ومعايير ادارة المخاطر في مكونات القطاع المالي المختلفة وغيرها من العوامل.
غير أن داس وآخرون (Das et al, 2004) قد قاموا باضافة البيانات المتوفرة عن القطاع المالي غير المصرفي في عينة من الدول المختلفة (النامية والانتقالية والمتقدمة)، عند دراسة اثر الحوكمة على السلامة المالية، وكانت النتيجة ان مؤشر الحوكمة قد انخفض عند اضافة بيانات قطاع التأمين مما يدل على ان ممارسات الحكم الجيد أقل تطورا في قطاع التامين عنه في القطاع المصرفي.
وقد حدد داس وكونتين (Das and Quintyn, 2002) أربعة عناصر يمكن ان تشكل الأساس لحوكمة تنظيمية جيدة وهي الاستقلالية والمحاسبة والشفافية والنزاهة، حيث ان هذه العناصر تتفاعل معا وتعزز بعضها البعض على المستويات المختلفة وتسهم في دعم الحوكمة الجيدة. وقد قام (Das et al, 2004) بوضع مؤشر للحوكمة التنظيمية (RGI) للدول، يحتسب عبر ايجاد وزن ترجيحي لمدى تماشي الدول المختلفة (نامية، وانتقالية، ومتقدمة) مع تلك العناصر الأربعة. وقد أظهرت النتائج أن المؤشر لدى الدول المتقدمة أعلى منه للدول الانتقالية وان مؤشر هذه الاخيرة اعلى منه للدول النامية.
كما استخدم داس وآخرون (Das et al, 2004) ثلاث مجموعات من متغيرات التحكم كمحددات متعارف عليها للاستقرار المالي وهي:
  • البيئة الاقتصادية الكلية: ويمكن التعبير عنها باستخدام مؤشرات ثلاثة وهي الوضع المالي، والذي في حال كونه ايجابيا، يدل على وضع مالي أفضل ما يؤثر بشكل ايجابي على السلامة المالية، نسبة التضخم، نسبة الفائدة على المدى القصير، كلاهما يؤثران سلبا على السلامة المالية.
  • هيكلية القطاع المصرفي من حيث مشاركة المصارف المملوكة للحوكمة والمصارف الأجنبية في النظام وقياس مدى التركز المصرفي.
  • البيئة المؤسساتية والحوكمة مقاسة بالحوكمة التنظيمية، وحوكمة القطاع العام (مقاسة بالمحاسبة الديمقراطية، غياب الفساد، والقانون وغيرها من المتغيرات)
وتمت دراسة أثر كل من هذه المتغيرات على مؤشر سلامة النظام المالي (FSSI)[3]، وأظهرت النتائج وجود علاقة قوية بين كل من المتغيرات الورادة اعلاه وسلامة النظام المالي على النحو التالي:
  • هناك علاقة ايجابية قوية بين الحوكمة التنظيمية وسلامة النظام المالي.
  • وتظهر النتائج أيضا أن جودة حوكمة القطاع العام لها أثر ايجابي مباشر على سلامة النظام المالي.
وبالمجمل فإن نتائج التحليل الانحداري تشير إلى انه مع ثبات بقية العوامل، فإن وجود إطار أفضل للحوكمة يرتبط ايجابيا وبمستوى معنوية مرتفع بمؤشرات أعلى لسلامة النظام المالي.
وأوضح داس وآخرون (Das et al, 2004) إلى أن تشجيع وممارسة الحكم الجيد هو مسؤولية جماعية للمشاركين في السوق اضافة للمؤسسات التنظيمية. فالحكم الجيد يعزز من قدرة النظام الكلي على التصرف بشكل جماعي على التخلص من الممارسات غير السليمة، والمخاطر الأخلاقية، ويزيد من فعالية النظام بشكل عام على ادارة الضغوطات. بل وقد أشار (Das et al, 2004) إلى أن هذه المسؤولية الجماعية تشمل، اضافة للمؤسسات المالية والمشرفين عليها، المؤسسات الأخرى الاقتصادية والسياسية. وبين الباحثون أن جودة حوكمة القطاع العام تحديداً تؤثر على حوكمة القطاع المالي بطريقة مباشرة او غير مباشرة عن طريق تأثيرها على الهيئات الإشرافية على القطاع المالي. وقد عبر الباحثون عن هذه الصورة العامة من العلاقات المترابطة بين الأطراف المختلفة وأثرها على الحوكمة برابطة الحوكمة (Governance Nexus). واعتبار وجود هذه الرابطة متفق مع نظرة المدرسة الاقتصادية المؤسسية الحديثة New Institutional Economics School بأن المؤسسات وحوكمتها لهما أثر كبير على كل من التنمية والاستقرار الاقتصادي.
كما أوضع دي نيكول وآخرون (De Nicolo et al, 2006) أن التحسين الفعلي لحوكمة الشركات يمكن ان يؤثر على النشاط الاقتصادي الاجمالي[4] عن طريق عدة قنوات منها:
  • الأثر الإيجابي على النمو عن طريق تخفيض تكاليف التمويل وزيادة عرض التمويل وبالتالي تشجيع الاستثمار.
  • إضافة لذلك فإن الشركات ذات الحوكمة الأفضل يمكن أن توجد تقارب بين مصالح المدراء واصحاب المصالح Stakeholders، مما يؤدي الى خلق حوافز أقوى للمدراء من اجل زيادة انتاجية الشركات وتحسين ادائها عن طريق تبني تكنولوجيا أكثر تقدما. ونتيجة لذلك، فإن رأس المالي يتم توزيعه بشكل أكثر فعالية، فضلا عن زيادة النمو في الانتاجية على مستوى الاقتصاد بشكل عام والمساهمة في تعزيز الاستقرار الكلي.
الخاتمة
حاولت هذه الورقة مراجعة الآثار التي تنتج عن تحسين جودة حوكمة الشركات على حماية وتعزيز حقوق المساهمين والمستثمرين، واثر ذلك على تعزيز ثقتهم بالاستثمار في الأسواق المالية، كما عملت على مراجعة أثر جودة الحوكمة على كل من الاستقرار المالي والسلامة المالية.


الكاتب:- د. جهاد خليل

0 التعليقات :

إرسال تعليق