جمع الألماس يحوم حوله فئات كثيرة من البشر: المغامرين، والأثرياء، والتجار، ونجوم الفن، واللصوص، ورجال العصابات.. فلا شيء أغرب وأكثر غموضًا وأصعب ولوجًا من عالم تجارة الألماس.
يولد الألماس الطبيعي، وهو أغلى الأحجار الكريمة في العالم، من حادث عرضي ينشأ تحت الأرض، فهو عبارة عن نوع من الكربون الطبيعي يسمى «الجرافيت» ويتميز بليونته، وهشاشته، لكن قسوته أتت من سلسلة من العوامل الطبيعية المثيرة. ولاكتشاف سر تكوّن الألماس لابد من الوصول إلى عمق يبلغ مئات الكيلو مترات في جوف الأرض، ففي ذلك المكان يتعرض الكربون لضغط هائل ودرجة حرارة شديدة الارتفاع فتتحد ذراته بروابط متينة حيث تتبادل كل ذرة مع جارتها أربعة من إلكتروناتها الخارجية، ما يؤدي إلى استقرارها الغريب والنادر وتكّون حجر الألماس البلوري. ثم (وبسبب النشاط البركاني) تخرج الصهارة الألماسية مجتازة طبقات أرضية مختلفة يصل عمرها إلى 2.5 مليار عام، ويظهر الألماس على سطح الأرض، ولا يعود إلى شكله الأصلي، بل تبقى تلك البلورات الساحرة إلى ما شاء الله.
ويبحث المنقبون عن الألماس إما بالقرب من حمم البراكين المتصلبة أو في مجاري الأنهار التي تمر في مناطق البراكين. وعلى الرغم من صعوبة التنقيب ترى الباحثين عن الحجارة منكبين على عملهم المرهق، فالعثور على 0.20 غرام من الألماس الخام يحتاج إلى حفر حوالي 250 طنًا من الصخور! أما بالنسبة للألماس المستخرج من المناجم، فإن عشرين في المئة منه فقط يصلح للصياغة، ويتم تحويل الباقي إلى مسحوق لاستعماله في الصناعة.
البيع بالمصافحة
لقد حطم عالم الألماس الحدود بين البلاد، والتاجر الذي يكون اليوم في الكونغو مثلاً، قد يصبح غدًا في إسرائيل أو في الهند. وربما تعود حرية التجارة بالألماس إلى القرون الغابرة، وهي تسير وفق إيقاع خاص لا يعرفه إلا أصحاب المهنة العريقون.
وفي أي عصر كان، يرمز الألماس ــ أكثر من الذهب ــ إلى الثراء والعظمة، فهو ترجمة للأحلام والآمال الطموحة، رغم أنه ليس سوى نوع من الكربون الذي تحول بطرق كيميائية غريبة إلى حجر شديد القساوة لا تحرقه نار ولا يقطعه حديد! ويحفل تاريخ الألماس بمغامرات واكتشافات مثيرة استمرت حتى تطويره في مطلع القرن العشرين ودخوله أبواب تجارة عالمية خاصة. وتجدر الإشارة إلى أن التغيرات التي تطرأ على إنتاج الألماس، لا تؤثر إلا بشكل طفيف في ثمنه.
ففي بورصة الألماس العالمية، لا يوجد مكان للمتفرجين، وقد تصل أرباح هذا الحجر في السوق إلى سبعين مليار دولار سنويًا، وعلى من يدخل هذا السوق أن يعرف كيف يفرض نفسه، ليجلس دائمًا على طاولة المفاوضات حول مجموعات من الألماس قد يصل ثمن الواحدة منها إلى عشرات ملايين الدولارات!
ولكل ألماسة خصائصها، فهناك الوزن، واللون، والنوعية، ومدى الصقل، ودرجة النقاوة، والمصدر.. وتسجل كل هذه المعطيات في لائحة خاصة إلى أن يرسو الاختيار على أفضل مجموعة، ويتم الشراء من دون توقيع عقد أو وجود شهود أو قوانين صارمة، والمصافحة وحدها تكفي، والويل لمن لا يفي بوعده فصورته سوف تمثل على جدار البورصة. هذا بعد إقصائه ومنعه من دخول كل بورصات الألماس العالمية.
وعلى الرغم من تلك القوانين الصارمة، لا يخلو عالم تجارة الألماس من التصرفات الانتهازية، فقد عرف السوق ثورة حقيقية أمام تطور الألماس الاصطناعي وازدهار البلدان المنتجة له. ولفهم الطفرات التي تحدث في سوق الألماس لابد من العودة إلى نهاية القرن التاسع عشر وإلى تلك الأرض التي بدأت فيها المغامرات وهي جنوب أفريقيا.
ففي الثاني عشر من شهر مارس 1888م، أسس «سيسيل رود» شركة «دي بيرز» للتنقيب عن أول مناجم الألماس في البلاد، وقد تطورت الشركة على يدي «إرنست أوبنهايمر» وهو ابن تاجر يهودي ألماني كان قد قدم إلى أفريقيا لتكوين ثروة. وفي غضون بضع عشرات السنين تحولت «دي بيرز» إلى شركة عالمية تسيطر على سوق الألماس من دون منازع. وكي يفرض هيمنته على السوق، أسس «أوبنهايمر» مجموعة تجارية أطلق عليها اسم «منظمة البيع المركزية» وكان كل الألماس الخام تقريبًا يمر فيها.
كان مخزن الألماس التابع للشركة موجودًا في لندن، حيث كانت تباع منه مجموعات صغيرة كل عام لمشترين مميزين معروفين في السوق. واليوم لا يزيد عدد مشتري الألماس المتعاملين مع الشركة في العالم على المئة. علمًا أن أسماءهم تبقى طي الكتمان، وتدعوهم الشركة لمشاهدة ما لديها عشر مرات في العام، وهي تقدم لكل مشتر القطع التي حفظتها له. ويمكن للمشتري أن يناقش نوعية الألماس، لكن إن لم يشتر القطع المخصصة شطب اسمه من اللائحة التي تتضمن أسماء المميزين، وبات عليه أن يدفع عشرات الملايين من الدولارات كغرامة!
وبقيت مجموعة شركات «دي بيرز» حاضرة منذ استخراج الألماس الخام إلى لحظة بيعه على شكل مجوهرات، من دون أن تمنع شركات أخرى من دخول السوق لكي تبقى العين الرقيبة والمهيمنة. مع ذلك، تراجعت حصص «دي بيرز» في السوق العالمية بشكل كبير، ولم تعد تسيطر إلا على 55٪ من مصادر الألماس الخام.
مخابئ الألماس
كانت ريح التمرد قد هبت من كندا، عندما تسبب اكتشاف منجمين للألماس في شمالي غرب البلاد خلال عامي 1998 و2003م بتحرك طريق ذلك الحجر الثمين إلى مقاطعة «كيبيك». وهكذا أصبحت كندا ثالث منتج للألماس في العالم في غضون بضع سنوات، ثم طورت البلاد صناعة صقل الألماس وراحت تغذي كل السوق الأمريكية. وكانت المسيرة الكندية مناهضة تمامًا للنظام العالمي الذي كانت قد وضعته مجموعة شركات «دي بيرز» والذي كان يقضي بنقل الحجارة من أفريقيا أو روسيا عبر بورصتها إلى لندن، وذلك لبيعها وصقلها.
وكان تاجران من إسرائيل أحدهما «ليفي لوفياف» وهو رجل أعمال من أصل روسي يتربع على ثروة مقدارها مليارا يورو، والثاني شاب لم يتجاوز الثلاثين من العمر وهو حفيد «موشي شينيتزر» الذي أسس بورصة الألماس في إسرائيل قد هاجما شركات «دي بيرز» في عقر دارها التاريخية في أفريقيا.
ومثل غالبية أسواق المواد الخام، يبقى استخراج الألماس الخام عملية صعبة تتداخل فيها أمور سياسية وهيمنة اقتصادية ومخاطر صناعية، وقد اهتز وضع «دي بيرز» بدنو الكنديين والإسرائيليين من أرض المناجم، وبإنشائهم مصانع صقل وقطع الألماس في مكان اكتشافه.
وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل تضم في مدينة «رامات جان» أكبر مخابئ للألماس في العالم، التي يمكن وصفها بـ«مركز تجارة عالمي في استيراد وتصدير الألماس». ومع أن السوق في «رامات جان» مشروعة لكن عمليات العرض والطلب تحدث وفق قوانين محددة تسنها مجموعات تحكم السوق.
و«رامات جان» مدينة داخل أخرى، وهي تخفي خلف مبانيها الزجاجية البسيطة كنوزًا من الحجارة الثمينة التي يصدر منها سنويًا عشرون في المئة من مخزون إسرائيل من الألماس. وقد بلغ ثمن ما باعته المحلات في «رامات جان» عام 2004م حوالي 6.5 مليار دولار.
وعلى الرغم من كل الاحتياطات، تهدد عصابات المافيا إنتاج الألماس. فمع أن الأمم المتحدة قد وضعت قواعد صارمة للتعرف إلى كل قطعة ألماس ومراقبتها من المنجم إلى مكان عرضها لدى الصاغة، فإن العصابات تولد عدم استقرار في أفريقيا (بخاصة في ليبيريا، وسيراليون، والكونغو، وأنغولا). فأنغولا وحدها تنتج سنويًا ستة ملايين قيراط من الألماس تخسر فيها يوميًا حوالي مليون دولار بسبب التجارة غير الشرعية.
غسيل الأموال
تتيح تجارة الألماس غير المشروعة استعمال هذه الحجارة النفيسة كأداة لغسيل الأموال، فلا شيء أسهل من إخفاء قطعة الألماس في سيجارة أو في قاع جيب سترة أو حقيبة. وبما أن الجماعات المتخصصة تحاول إلغاء وجود الوسطاء قدر الإمكان، فإن سلاح هذه التجارة قد بات ذا حدين، فالأشخاص الذين لا يجدون وسيلة للشراء من مجموعة «دي بيرز» يلجؤون إلى العصابات ويشترون ما يريدون بأثمان بخسة وقابلة للتفاوض.
دائرة المفضلين
ولد «ليف» في «طشقند» وتقدر مجلة «فوربس» ثروته بملياري دولار، وهو من أصل روسي، لكنه يعيش في إسرائيل منذ عام 1971م، وقد بدأ «لوفياف» ببناء ثروته في مسقط رأسه متاجرًا بالألماس. في ذلك الوقت، كان الاتحاد السوفييتي ثاني منتج للألماس في العالم، وكان «ليف لوفياف» أحد المشترين المميزين لدى «دي بيرز»، حيث كان يشتري آلاف المجموعات من الأحجار الثمينة سنويًا. لكن طموح «ليف» ونجاحه في قطاع الألماس لم يعجب المسؤولين في مجموعة «دي بيرز» فما كان منهم إلا أن أقصوه من دائرة المفضلين لديهم في عام 1995م.
وكرد فعل رجل محنك لم يكن من «ليف» إلا أن دخل عقر دار منتج الألماس في جنوب أفريقيا وبالتحديد في «بوتسوانا». ومنذ ذلك الحين و«ليف» يشكل مجموعة مستقلة تبدأ أعمالها باستخراج الألماس الخام الذي يمتد جغرافيًا من أنغولا إلى نامبيا ومن روسيا إلى أرمينيا، وتنتهي ببيع الأحجار المصقولة في 250 محل صاغة في العالم. وتحولت مجموعة «ليف» إلى إمبراطورية تخشاها مجموعة «دي بيرز» العملاقة.
صناعة الزيف
يبدو الألماس المزيف أو الاصطناعي قد غزا عالم المجوهرات واحتل مكانة مرموقة فيه. فمنذ الستينيات والخبراء يسعون إلى تقليد الألماس الطبيعي في المختبرات، وذلك بابتكار أحجار اصطناعية تنافس الأحجار الطبيعية في كل خصائصها. وفي مطلع القرن الحادي والعشرين، كسب الخبراء الرهان عندما تمكن باحثون من روسيا وأمريكا من صنع أول ألماسة اصطناعية بعد عشرات السنين من الأبحاث والجهود الحثيثة للوصول إلى درجة مثالية في التطابق مع الألماس الطبيعي.
ويتميز الألماس الاصطناعي بأنه يملك خصائص كيميائية مشابهة للألماس الطبيعي، فهو عبارة عن كربون مضغوط على درجات حرارة تصل إلى 1500 درجة مئوية وضغط يبلغ ستين طنًا في السنتيمتر المربع الواحد. وقد ساعد نمو سوق العرض والطلب على تكاثر الألماس الاصطناعي الذي أصبح يستخدم في المجالات الإلكترونية والنووية والفضائية وحفر آبار النفط، كما أن مسحوق الألماس يستعمل في المجالات الطبية المختلفة، حيث تصنع منه مشارط الجراحين ومثاقب أطباء الأسنان.
واحتل الألماس الاصطناعي مكانة في محلات الصاغة، إذ تمكن بعض الخبراء من إنتاج حجارة ألماس تضاهي في جمالها وتركيبها الحجارة الطبيعية لدرجة أنه لا يمكن بسهولة التمييز بين المزيف والحقيقي. ورغم تشابه الصفات، فإن هناك اختلافًا كبيرًا في السعر، فثمن الألماسة الطبيعية يساوي عشرة أضعاف ثمن الألماسة الاصطناعية من الشكل والحجم نفسيهما. والألماس الاصطناعي مهما بلغت درجة إتقانه لا يملك فرادة ولمعان وغموض الألماس الطبيعي المدهش.
ثمن الألماسة الطبيعية يساوي عشرة أضعاف ثمن الألماسة الاصطناعية من الشكل والحجم نفسيهما. والألماس الاصطناعي مهما بلغت درجة إتقانه لا يملك فرادة ولمعان وغموض الألماس الطبيعي المدهش
يتميز الألماس الاصطناعي بأنه يملك خصائص كيميائية مشابهة للألماس الطبيعي، فهو عبارة عن كربون مضغوط على درجات حرارة تصل إلى 1500 درجة مئوية وضغط يبلغ ستين طنًا في السنتيمتر المربع الواحد
الكاتب:- حسام فتحي أبو جبارة
يولد الألماس الطبيعي، وهو أغلى الأحجار الكريمة في العالم، من حادث عرضي ينشأ تحت الأرض، فهو عبارة عن نوع من الكربون الطبيعي يسمى «الجرافيت» ويتميز بليونته، وهشاشته، لكن قسوته أتت من سلسلة من العوامل الطبيعية المثيرة. ولاكتشاف سر تكوّن الألماس لابد من الوصول إلى عمق يبلغ مئات الكيلو مترات في جوف الأرض، ففي ذلك المكان يتعرض الكربون لضغط هائل ودرجة حرارة شديدة الارتفاع فتتحد ذراته بروابط متينة حيث تتبادل كل ذرة مع جارتها أربعة من إلكتروناتها الخارجية، ما يؤدي إلى استقرارها الغريب والنادر وتكّون حجر الألماس البلوري. ثم (وبسبب النشاط البركاني) تخرج الصهارة الألماسية مجتازة طبقات أرضية مختلفة يصل عمرها إلى 2.5 مليار عام، ويظهر الألماس على سطح الأرض، ولا يعود إلى شكله الأصلي، بل تبقى تلك البلورات الساحرة إلى ما شاء الله.
ويبحث المنقبون عن الألماس إما بالقرب من حمم البراكين المتصلبة أو في مجاري الأنهار التي تمر في مناطق البراكين. وعلى الرغم من صعوبة التنقيب ترى الباحثين عن الحجارة منكبين على عملهم المرهق، فالعثور على 0.20 غرام من الألماس الخام يحتاج إلى حفر حوالي 250 طنًا من الصخور! أما بالنسبة للألماس المستخرج من المناجم، فإن عشرين في المئة منه فقط يصلح للصياغة، ويتم تحويل الباقي إلى مسحوق لاستعماله في الصناعة.
البيع بالمصافحة
لقد حطم عالم الألماس الحدود بين البلاد، والتاجر الذي يكون اليوم في الكونغو مثلاً، قد يصبح غدًا في إسرائيل أو في الهند. وربما تعود حرية التجارة بالألماس إلى القرون الغابرة، وهي تسير وفق إيقاع خاص لا يعرفه إلا أصحاب المهنة العريقون.
وفي أي عصر كان، يرمز الألماس ــ أكثر من الذهب ــ إلى الثراء والعظمة، فهو ترجمة للأحلام والآمال الطموحة، رغم أنه ليس سوى نوع من الكربون الذي تحول بطرق كيميائية غريبة إلى حجر شديد القساوة لا تحرقه نار ولا يقطعه حديد! ويحفل تاريخ الألماس بمغامرات واكتشافات مثيرة استمرت حتى تطويره في مطلع القرن العشرين ودخوله أبواب تجارة عالمية خاصة. وتجدر الإشارة إلى أن التغيرات التي تطرأ على إنتاج الألماس، لا تؤثر إلا بشكل طفيف في ثمنه.
ففي بورصة الألماس العالمية، لا يوجد مكان للمتفرجين، وقد تصل أرباح هذا الحجر في السوق إلى سبعين مليار دولار سنويًا، وعلى من يدخل هذا السوق أن يعرف كيف يفرض نفسه، ليجلس دائمًا على طاولة المفاوضات حول مجموعات من الألماس قد يصل ثمن الواحدة منها إلى عشرات ملايين الدولارات!
ولكل ألماسة خصائصها، فهناك الوزن، واللون، والنوعية، ومدى الصقل، ودرجة النقاوة، والمصدر.. وتسجل كل هذه المعطيات في لائحة خاصة إلى أن يرسو الاختيار على أفضل مجموعة، ويتم الشراء من دون توقيع عقد أو وجود شهود أو قوانين صارمة، والمصافحة وحدها تكفي، والويل لمن لا يفي بوعده فصورته سوف تمثل على جدار البورصة. هذا بعد إقصائه ومنعه من دخول كل بورصات الألماس العالمية.
وعلى الرغم من تلك القوانين الصارمة، لا يخلو عالم تجارة الألماس من التصرفات الانتهازية، فقد عرف السوق ثورة حقيقية أمام تطور الألماس الاصطناعي وازدهار البلدان المنتجة له. ولفهم الطفرات التي تحدث في سوق الألماس لابد من العودة إلى نهاية القرن التاسع عشر وإلى تلك الأرض التي بدأت فيها المغامرات وهي جنوب أفريقيا.
ففي الثاني عشر من شهر مارس 1888م، أسس «سيسيل رود» شركة «دي بيرز» للتنقيب عن أول مناجم الألماس في البلاد، وقد تطورت الشركة على يدي «إرنست أوبنهايمر» وهو ابن تاجر يهودي ألماني كان قد قدم إلى أفريقيا لتكوين ثروة. وفي غضون بضع عشرات السنين تحولت «دي بيرز» إلى شركة عالمية تسيطر على سوق الألماس من دون منازع. وكي يفرض هيمنته على السوق، أسس «أوبنهايمر» مجموعة تجارية أطلق عليها اسم «منظمة البيع المركزية» وكان كل الألماس الخام تقريبًا يمر فيها.
كان مخزن الألماس التابع للشركة موجودًا في لندن، حيث كانت تباع منه مجموعات صغيرة كل عام لمشترين مميزين معروفين في السوق. واليوم لا يزيد عدد مشتري الألماس المتعاملين مع الشركة في العالم على المئة. علمًا أن أسماءهم تبقى طي الكتمان، وتدعوهم الشركة لمشاهدة ما لديها عشر مرات في العام، وهي تقدم لكل مشتر القطع التي حفظتها له. ويمكن للمشتري أن يناقش نوعية الألماس، لكن إن لم يشتر القطع المخصصة شطب اسمه من اللائحة التي تتضمن أسماء المميزين، وبات عليه أن يدفع عشرات الملايين من الدولارات كغرامة!
وبقيت مجموعة شركات «دي بيرز» حاضرة منذ استخراج الألماس الخام إلى لحظة بيعه على شكل مجوهرات، من دون أن تمنع شركات أخرى من دخول السوق لكي تبقى العين الرقيبة والمهيمنة. مع ذلك، تراجعت حصص «دي بيرز» في السوق العالمية بشكل كبير، ولم تعد تسيطر إلا على 55٪ من مصادر الألماس الخام.
مخابئ الألماس
كانت ريح التمرد قد هبت من كندا، عندما تسبب اكتشاف منجمين للألماس في شمالي غرب البلاد خلال عامي 1998 و2003م بتحرك طريق ذلك الحجر الثمين إلى مقاطعة «كيبيك». وهكذا أصبحت كندا ثالث منتج للألماس في العالم في غضون بضع سنوات، ثم طورت البلاد صناعة صقل الألماس وراحت تغذي كل السوق الأمريكية. وكانت المسيرة الكندية مناهضة تمامًا للنظام العالمي الذي كانت قد وضعته مجموعة شركات «دي بيرز» والذي كان يقضي بنقل الحجارة من أفريقيا أو روسيا عبر بورصتها إلى لندن، وذلك لبيعها وصقلها.
وكان تاجران من إسرائيل أحدهما «ليفي لوفياف» وهو رجل أعمال من أصل روسي يتربع على ثروة مقدارها مليارا يورو، والثاني شاب لم يتجاوز الثلاثين من العمر وهو حفيد «موشي شينيتزر» الذي أسس بورصة الألماس في إسرائيل قد هاجما شركات «دي بيرز» في عقر دارها التاريخية في أفريقيا.
ومثل غالبية أسواق المواد الخام، يبقى استخراج الألماس الخام عملية صعبة تتداخل فيها أمور سياسية وهيمنة اقتصادية ومخاطر صناعية، وقد اهتز وضع «دي بيرز» بدنو الكنديين والإسرائيليين من أرض المناجم، وبإنشائهم مصانع صقل وقطع الألماس في مكان اكتشافه.
وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل تضم في مدينة «رامات جان» أكبر مخابئ للألماس في العالم، التي يمكن وصفها بـ«مركز تجارة عالمي في استيراد وتصدير الألماس». ومع أن السوق في «رامات جان» مشروعة لكن عمليات العرض والطلب تحدث وفق قوانين محددة تسنها مجموعات تحكم السوق.
و«رامات جان» مدينة داخل أخرى، وهي تخفي خلف مبانيها الزجاجية البسيطة كنوزًا من الحجارة الثمينة التي يصدر منها سنويًا عشرون في المئة من مخزون إسرائيل من الألماس. وقد بلغ ثمن ما باعته المحلات في «رامات جان» عام 2004م حوالي 6.5 مليار دولار.
وعلى الرغم من كل الاحتياطات، تهدد عصابات المافيا إنتاج الألماس. فمع أن الأمم المتحدة قد وضعت قواعد صارمة للتعرف إلى كل قطعة ألماس ومراقبتها من المنجم إلى مكان عرضها لدى الصاغة، فإن العصابات تولد عدم استقرار في أفريقيا (بخاصة في ليبيريا، وسيراليون، والكونغو، وأنغولا). فأنغولا وحدها تنتج سنويًا ستة ملايين قيراط من الألماس تخسر فيها يوميًا حوالي مليون دولار بسبب التجارة غير الشرعية.
غسيل الأموال
تتيح تجارة الألماس غير المشروعة استعمال هذه الحجارة النفيسة كأداة لغسيل الأموال، فلا شيء أسهل من إخفاء قطعة الألماس في سيجارة أو في قاع جيب سترة أو حقيبة. وبما أن الجماعات المتخصصة تحاول إلغاء وجود الوسطاء قدر الإمكان، فإن سلاح هذه التجارة قد بات ذا حدين، فالأشخاص الذين لا يجدون وسيلة للشراء من مجموعة «دي بيرز» يلجؤون إلى العصابات ويشترون ما يريدون بأثمان بخسة وقابلة للتفاوض.
دائرة المفضلين
ولد «ليف» في «طشقند» وتقدر مجلة «فوربس» ثروته بملياري دولار، وهو من أصل روسي، لكنه يعيش في إسرائيل منذ عام 1971م، وقد بدأ «لوفياف» ببناء ثروته في مسقط رأسه متاجرًا بالألماس. في ذلك الوقت، كان الاتحاد السوفييتي ثاني منتج للألماس في العالم، وكان «ليف لوفياف» أحد المشترين المميزين لدى «دي بيرز»، حيث كان يشتري آلاف المجموعات من الأحجار الثمينة سنويًا. لكن طموح «ليف» ونجاحه في قطاع الألماس لم يعجب المسؤولين في مجموعة «دي بيرز» فما كان منهم إلا أن أقصوه من دائرة المفضلين لديهم في عام 1995م.
وكرد فعل رجل محنك لم يكن من «ليف» إلا أن دخل عقر دار منتج الألماس في جنوب أفريقيا وبالتحديد في «بوتسوانا». ومنذ ذلك الحين و«ليف» يشكل مجموعة مستقلة تبدأ أعمالها باستخراج الألماس الخام الذي يمتد جغرافيًا من أنغولا إلى نامبيا ومن روسيا إلى أرمينيا، وتنتهي ببيع الأحجار المصقولة في 250 محل صاغة في العالم. وتحولت مجموعة «ليف» إلى إمبراطورية تخشاها مجموعة «دي بيرز» العملاقة.
صناعة الزيف
يبدو الألماس المزيف أو الاصطناعي قد غزا عالم المجوهرات واحتل مكانة مرموقة فيه. فمنذ الستينيات والخبراء يسعون إلى تقليد الألماس الطبيعي في المختبرات، وذلك بابتكار أحجار اصطناعية تنافس الأحجار الطبيعية في كل خصائصها. وفي مطلع القرن الحادي والعشرين، كسب الخبراء الرهان عندما تمكن باحثون من روسيا وأمريكا من صنع أول ألماسة اصطناعية بعد عشرات السنين من الأبحاث والجهود الحثيثة للوصول إلى درجة مثالية في التطابق مع الألماس الطبيعي.
ويتميز الألماس الاصطناعي بأنه يملك خصائص كيميائية مشابهة للألماس الطبيعي، فهو عبارة عن كربون مضغوط على درجات حرارة تصل إلى 1500 درجة مئوية وضغط يبلغ ستين طنًا في السنتيمتر المربع الواحد. وقد ساعد نمو سوق العرض والطلب على تكاثر الألماس الاصطناعي الذي أصبح يستخدم في المجالات الإلكترونية والنووية والفضائية وحفر آبار النفط، كما أن مسحوق الألماس يستعمل في المجالات الطبية المختلفة، حيث تصنع منه مشارط الجراحين ومثاقب أطباء الأسنان.
واحتل الألماس الاصطناعي مكانة في محلات الصاغة، إذ تمكن بعض الخبراء من إنتاج حجارة ألماس تضاهي في جمالها وتركيبها الحجارة الطبيعية لدرجة أنه لا يمكن بسهولة التمييز بين المزيف والحقيقي. ورغم تشابه الصفات، فإن هناك اختلافًا كبيرًا في السعر، فثمن الألماسة الطبيعية يساوي عشرة أضعاف ثمن الألماسة الاصطناعية من الشكل والحجم نفسيهما. والألماس الاصطناعي مهما بلغت درجة إتقانه لا يملك فرادة ولمعان وغموض الألماس الطبيعي المدهش.
ثمن الألماسة الطبيعية يساوي عشرة أضعاف ثمن الألماسة الاصطناعية من الشكل والحجم نفسيهما. والألماس الاصطناعي مهما بلغت درجة إتقانه لا يملك فرادة ولمعان وغموض الألماس الطبيعي المدهش
يتميز الألماس الاصطناعي بأنه يملك خصائص كيميائية مشابهة للألماس الطبيعي، فهو عبارة عن كربون مضغوط على درجات حرارة تصل إلى 1500 درجة مئوية وضغط يبلغ ستين طنًا في السنتيمتر المربع الواحد
الكاتب:- حسام فتحي أبو جبارة
0 التعليقات :
إرسال تعليق