كما يعرف الجميع يحتل الخليج العربي و الوطن العربي بشكل عام موقعاً جغرافياً استراتيجياً في خارطة العالم، فهو يربط الشرق بالغرب فضلاً عن دوره التاريخي باعتباره مركز الحضارات الإنسانية خلال التاريخ ومهبط الديانات السماوية، وتزداد خطورة هذا الموقع إذا أدركنا اليوم دوره في الصراع العالمي وثقله الاقتصادي فهو يحتل أعلى نسبة بترول في العالم طاقة القرن العشرين وربما القرون التالية.
وإذا كانت النظرة الغربية تجاه الوطن العربي تحكمه أسباب عدة أبرزها الجانب الاقتصادي والسياسي وما بات يمثل اليوم في نظر الغرب وتيرة تهديد للغرب كما يرى الغرب ذلك في أحيانٍ كثيرة.
وإذا كانت إسرائيل الموجودة في قلب العالم العربي جاءت كتحدي لهذا الموقع التاريخي والاستراتيجي فإن نظرة الغرب أيضاً تبلور مستقبلاً تجاه الوطن العربي من خلال مسميات عدة أبرزها (الشرق الأوسط الكبير) و(الشرق أوسطية) وسيناريو (قناة البحرين) في اسرائيل والتي تربط البحر الأحمر بالبحر الميت، وغيرها من السيناريوهات التي أعدها الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية الغرض منها إخضاع الوطن العربي
وجعله تحت السيطرة الغربية.
يكشف لنا التاريخ ان الأمة العربية هي أمة واحدة بدايتها ونواتها الجزيرة العربية وامتداداتها البلدان المجاورة للموطن الأصلي النواة متمثلة بحضارات بلاد الرافدين وحضارة وادي النيل وحضارة وادي الأردن والشام، ويؤكد تاريخ البشرية وقصة الحضارات بأن الأمة العربية متمثلة بحضارتها القديمة قد قدمت للبشرية أساسيات التقدم الحضاري في مجال العلوم والتقانة وفنون الحياة المختلفة في الزراعة والتجارة وأنظمة الحكم والشرائع والآداب والفلسفة. فقد كان لفن الكتابة واختراع الحروف الأبجدية وإنشاء المدارس الأثر الكبير في تغيير مجرى الحياة البشرية نحو التقدم والارتقاء.
وبعد سقوط مؤسسات وامبراطوريات هذه الحضارات العريقة انكفأت القبائل وانحسرت في الجزيرة العربية ثم جاء الإسلام ليوحدها مرة ثانية حتى صار العرب سادة العالم فارتفع شأنهم وامتد نفوذهم في ارجاء المعمورة فكونوا امبراطوريات واسعة ودول ذات حضارة إنسانية خالدة استمرت حتى الاحتلال الاجنبي المتمثل بغزو التتار والمغول بغداد وسقوطها عام 1258، ثم جاء العثمانيون الذين استطاعوا إقامة الخلافة
وبعد سقوط مؤسسات وامبراطوريات هذه الحضارات العريقة انكفأت القبائل وانحسرت في الجزيرة العربية ثم جاء الإسلام ليوحدها مرة ثانية حتى صار العرب سادة العالم فارتفع شأنهم وامتد نفوذهم في ارجاء المعمورة فكونوا امبراطوريات واسعة ودول ذات حضارة إنسانية خالدة استمرت حتى الاحتلال الاجنبي المتمثل بغزو التتار والمغول بغداد وسقوطها عام 1258، ثم جاء العثمانيون الذين استطاعوا إقامة الخلافة
العثمانية التي دامت قروناً عديدة امتد نفوذها إلى بقاع العالم حتى أوربا
وازدادت الهجمات الاستعمارية في تلك الحقبة على كل بلدان الوطن العربي من استعمار فرنسي وإيطالي واسباني وبرتغالي ليطال أغلب البلدان العربية ويخضعها تحت السيطرة الاستعمارية. ومن ثم ظهرت حركات قومية عربية تطالب بالتحرير والاستقلال وتحالفت بعض هذه الحركات القومية مع الإنكليز لنيل حريتها خصوصاً من العثمانيين إلا أن الحلفاء الانكليز بعد انتصارهم خالفوا العهود ولم يفوا بالوعود فاحتلوا البلاد العربية وقسموها حسب معاهدة سايكس- بيكو إلى دويلات وأقطار متعددة. ولما لم يقبل العرب بالحكم الأجنبي أخذوا يطالبون بالاستقلال والتحرر وكانت حصيلة نضالهم استبدال الاحتلال الأجنبي بالاستقلال الشكلي المسير من قوى الاستعمار
وحديثاً وكما أسلفنا سابقاً فإن الوطن العربي يحتل موقعاً جيواستراتيجي مميز عند ملتقى ثلاث قارات هي آسيا وأفريقيا وأوربا بما فيه مرور خط التجارة الدولي الرئيسي تجارة الطاقة من ممرات تساحلها البلاد العربية – هي البحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي - بالإضافة إلى تحكم البلاد العربية كلاً وجزءاً في أهم المضائق والخلجان على هذا الخط المائي الممتد من جبل طارق إلى مضيق هرمز، مروراً بقناة السويس وخليج العقبة وباب المندب، بالإضافة إلى وجود أكبر احتياطي عالمي للنفط في البلاد العربية - الخليجية خاصة - وقيام الكيان الصهيوني في قلب الجغرافيا العربية.
فمن أجل ضمان مصالح الغرب وخصوصاً امريكا، ممثلة في ضمان تدفق النفط وضمان أمن إسرائيل وتأمين خط التجارة البترولية - خاضت الادارات الأمريكية المتعاقبة والدول الغربية الأخرى - منذ خمسينيات القرن الماضي معارك شرسة ضد القوى التي اعتبرتها معادية وموطن خطر على مصالحها ضد الحركة القومية العربية – ممثلة بقواها في السلطة والمجتمع- ثم ضد الحركة الإسلامية في حقبة مابعد كامب ديفيد- فقد قامت أمريكا ومعها بعض دول الغرب بعقد العديد من التحالفات لضمان سيطرتها على الوطن العربي منها حلف بغداد وإنزال المارينز مرتين على لبنان وتخريب الوحدة المصرية-السورية ودعم الانفصال في مناطق عدة من الوطن العربي أو من حروب مباشرة على العراق عامي 1991 و1998 وكذلك حرب 1967 وحرب 1982. وآخرها احتلال العراق عام 2003. وهذه كلها محاولات يحاول الغرب من خلالها اسقاط كل محاولات النهوض والاعتراض في الوطن العربي.
ولقد نادى الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الأب، عقب نهاية حرب الخليج الأولى، التي أسقطت شبه النظام الاقليمي العربي، وقد سمح والنظام العالمي الجديد للولايات المتحدة الأمريكية القطب الذي كسب الحرب الباردة الإنفراد بالسياسة العالمية وتطويعها وفقاً لمصالحها ورغباتها وفرض رؤيتها على الدول والتدخل في شؤونها وصار العالم يتشكل وفقاً للنمط الأمريكي من التعددية الحزبية إلى التجارة الحرة والحدود المفتوحة دون مراعاة لأية خصوصية دينية أو ثقافية لقد انتقل العالم مع انتهاء الحرب الباردة والتقلص السريع في وزن روسيا العالمي،
من ثنائية القطب إلى أحاديته، وانهار الاتحاد السوفيتي ولم تنشأ بعد في العالم قوة تنافس القطب الأمريكي أو تجاريه، وفي هذا السياق وخصوصاً في منظومة توزيع القوة فإن الوطن العربي قد تأثر بهذه الأحادية،
فلو كانت المنطقة العربية في النظام العالمي، فلا هي على موقعها نقطة التقاء قارات ثلاث ولا هي على المخزون الهائل للنفط المتوفر تحت صحاريها ولا هي على الجيرة المباشرة مع الكيان الإسرائيلي، لما كان تأثيرها بالتحولات العالمية ليكون على المدى والعمق اللذين نعرف، لأن القوى الفاعلة ماكانت بذلت جهداً لاستقطابها ولا كانت سعت للسيطرة عليها أو في الأقل للتأثير على أهل الحكم فيها، وبالمقابل لو كان العرب من الوحدة والقوة والمناعة بما يسمح لهم بمجاراة الدول القومية الكبيرة لكانوا تمكنوا من التأثير الحتمي للتحولات الدولية عليهم نسبياً،
ولكانت قوتهم قد حملتهم على التأثير في النظام الدولي مبادرة، وعلى الحد من تأثرهم بتحولاته دفاعاً، لكن محنة العرب هي تماماً في تلك الإشكالية المستمرة القائمة من جانب، على تواجدهم في موقع حساس ومن جانب آخر على تواضع عناصر القوة والتي بحوزتهم للدفاع عن ذلك الموقع ولتعظيم الفوائد منها، لذلك كان تأثرهم بالحرب الباردة كبيراً، ونرى تأثرهم بالتحول الجاري نحو أحادية القطب كبيراً أيضاً. والموقع الحساس الذي يكون بحوزة اللاعب الضعيف يتحول بالضرورة من مصدر محتمل للنفوذ إلى عبء سياسي حافظ. وهذا مايجعلنا نعتبر التشرذم الذي يمنعنا من تحويل هذه الحساسية إلى مصدر قوة بدلاً من ان تكون مغناطيسياً يستثير رغبة الاقوياء بمد نفوذهم إليها.
بالإضافة إلى ان أحادية القطب الراهنة هي حليفة إسرائيل الاولى وتتشابه الدولتان في اعتمادها المطلق على الوسيلة العسكرية للدفاع عن الذات كما للتأثير على الآخرين، والآخرون هم العرب احياناً كثيرة ، لذلك لم يتوانَ الأمريكان من التدخل في شؤوننا الداخلية وفي محاولة تغيير أحوالنا ويحاولون تغيير الأنظمة العربية وتبديل الحكام واحتلال العراق خير مثال على التدخل الامريكي والغربي في الشؤون الداخلية للعرب.
العرب وأطروحات الغرب الجديدة هنا يثار التساؤل الآتي
كيف يفهم الغرب العرب، وماهي أبرز الطروحات الغربية الجديدة بشأن الدول العربية؟
من أبرز الطروحات التي صاغها الغرب هو التقرير الذي حددته الأمم المتحدة حول التنمية البشرية عبر تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح وبناء مجتمع معرفي وتوسيع الفرص الاقتصادية. وتمثل اولويات الاصلاح هذه السبيل إلى تنمية المنطقة فالديمقراطية والحكم الصالح يشكلان الإطار الذي تتحقق داخله التنمية، والأفراد الذين يتمتعون بتعليم جيد هم أدوات التنمية، والمبادرة في مجال الاعمال هي ماكنة التنمية. (وجاء في
تقرير التنمية البشرية لعام 2002) بأنه توجد فجوة كبيرة بين البلدان العربية والمناطق الأخرى على صعيد الحكم القائم على المشاركة
ويضعف هذا النقص في الحرية التنموية البشرية، وهو أحد التجليات الأكثر إيلاماً للتخلف في التنمية السياسية، إن الديمقراطية والحرية
ضروريتان لازدهار المبادرة الفردية، لكنهما مفقودتان إلى حد بعيد في أرجاء الشرق الأوسط الكبير (أي الوطن العربي). وفي تقرير (فريدوم هاوس لعام 2003) كانت إسرائيل البلد الوحيد في الشرق الأوسط الكبير الذي صنف بأنه (حر) ووصفت اربعة دول أخرى فقط بأنها (حرة جزئياً(.
ولفت تقرير التنمية البشرية العربية إلى انه من بين سبع مناطق في العالم، حصلت البلدان العربية على أدنى درجة في الحرية في أواخر التسعينيات، وأدرجت قواعد البيانات التي تقيس التعبير عن الرأي والمساءلة المنطقة العربية في المرتبة الأدنى في العالم.
ولفت تقرير التنمية البشرية العربية إلى انه من بين سبع مناطق في العالم، حصلت البلدان العربية على أدنى درجة في الحرية في أواخر التسعينيات، وأدرجت قواعد البيانات التي تقيس التعبير عن الرأي والمساءلة المنطقة العربية في المرتبة الأدنى في العالم.
الوطن العربي واستراتيجيات الغرب المستقبلية:
كثيرة هي المحاولات الاستراتيجية التي يحاول الغرب صياغتها هادفاً من ورائها ضمان مصالحة وضمان أمن إسرائيل واستقرارها. فقد باتت الدول العربية، بالنسبة لأجندة السياسات الدولية، موضوعاً لعملية التأهيل أو التغيير،
كثيرة هي المحاولات الاستراتيجية التي يحاول الغرب صياغتها هادفاً من ورائها ضمان مصالحة وضمان أمن إسرائيل واستقرارها. فقد باتت الدول العربية، بالنسبة لأجندة السياسات الدولية، موضوعاً لعملية التأهيل أو التغيير،
منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين، أي منذ انتهاء حقبة عالم القطبين بانهيار الاتحاد السوفيتي (السابق) وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على النظام العالمي الجديد. ولكن هذه العملية لم تتموضع على رأس أولويات الفاعلين الدوليين، ولاسيما الولايات المتحدة، إلا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، أي في مناخات الحرب على الإرهاب وكانت (الشرق أوسطية) أو فكرة "نظام اقليمي" جديد يضم الدول العربية إلى جانب إسرائيل وعدد من الدول الشرق أوسطية، انطلقت في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، كمشروع للولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة الرئيس جورج بوش (الأب) بدفع من المتغيرات والتطورات التالية:
-1 التحولات السياسية الدولية الناجمة عن أنهيار الاتحاد السوفيتي (السابق)، وانتهاء توازن القوى الذي كان سائداً أبان الحرب الباردة وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على النظامين الدولي والإقليمي.
-2 التداعيات الناجمة عن أزمة وحرب الخليج الثانية 1990-1991 التي أدت إلى انحسار التضامن بين مكونات النظام العربي.
-3 انطلاق مسارات العولمة الناتجة عن التطورات التكنولوجية والاقتصادية، ولاسيما مايتعلق منها بثورة الاتصالات والمعلومات، وانهيار الحواجز امام حرية التجارة وتدفق رؤوس الأموال، وسيادة الليبرالية الاقتصادية على المستويين الوطني والدولي، ونشوء الحاجة إلى التكتلات الاقتصادية والدولية الكبرى بحكم تزايد تآكل سيادة الدول على نطاقها الاقليمي.
-4 بدء عملية التسوية للصراع العربي –الإسرائيلي (بانعقاد مؤتمر مدريد للسلام في أواخر عام 1991) والتي ركزت أيضاً على التعاون الشرق أوسطي، عبر عقد المفاوضات المتعددة الأطراف ومؤتمرات "القمة الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا".
هكذا حاولت الولايات المتحدة الأمريكية استغلال هذه التطورات والتحولات، باعتبارها فرصة سانحة لها لتعزيز هيمنتها على المنطقة العربية
. ولكن ماهي الحدود الجغرافية لهذا المشورع، وماهي مضامينه ودلالاته.
تشير الدراسات المختلفة المنشورة منذ بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي إلى ان الشرق الأوسط ليس له ملامح جغرافية محددة المعالم، لكن البعض يشير إلى انها المنطقة الجغرافية الواقعة ماحول وشرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط. وتمتد إلى الخليج العربي، ويستعمل هذا المصطلح للإشارة إلى الدول والحضارات الموجودة في هذه المنطقة الجغرافية.
وقد سميت هذه المنطقة في عهد الاكتشافات الجغرافية من قبل المكتشفين الجغرافيين بالعالم القديم، وهي مهد الحضارات الإنسانية وكذلك مهد جميع الديانات السماوية.
إنّ الكيانات السياسية في هذه المنطقة تتمثل بالدول التالية:- العراق، السعودية، فلسطين، الكويت، الأردن، لبنان، البحرين، قطر، الامارات، اليمن، سوريا، مصر، سلطنة عمان، السودان، إيران، أرمينيا، تركيا وقبرص. ويعتبر الشرق الأوسط من أكثر مناطق العالم توتراً أمنياً حيث شهد أكثر من احدى عشرة حرباً.
طرح الرئيس الأمريكي جورج بوش (الابن) مشروع الشرق الأوسط الكبير في 6 شباط/فبراير 2004 أي بعد عام تقريباً من احتلال العراق، وبعد سلسلة مبادرات ومواقف كانت الإدارة الامريكية قد طرحتها بعد أحداث سبتمبر/ايلول 2001 وذلك بغية التعامل مع مشكلات المنطقة العربية والتحديات المنبثقة عنها.
ومشروع الشرق الأوسط الكبير يؤكد ضرورة التغيير في المنطقة عوضاً عن استراتيجية الحفاظ على الوضع القائم التي كانت معتمدة سابقاً بعد أن بات هذا التغيير وفق الرؤى الأمريكية ضرورة ملحة لأمنها ومصالحها الاستراتيجية والتي تقوم على ضمان انسياب النفط العربي باتجاه السوق الامريكي بأسعار معقولة، فضلاً عن الحفاظ على أمن إسرائيل وتفوقها النوعي في الشرق الأوسط.
وقد يعتقد البعض ان (مشروع الشرق الأوسط الكبير) أو (الشرق أوسطية) هو مشروع حديث العهد بصياغته وأفكاره وهو من لبنة أفكار جورج بوش الابن
. ان مشروع الشرق الأوسط استخدم كمفهوم من قبل القوى الاستعمارية الاوربية أبان الحرب العالمية الأولى بصفة أساسية، وذلك في مواجهة تصاعد تجليات ومظاهر انبعاث الوعي القومي العربي الذي شهد مده وانتشاره لمواجهة نفوذ المشروع القومي الطوراني مع بدء أفول الدولة العثمانية. وماعرف بسياسة التتريك التي أرادت الحركة القومية التركية فرضها على المجتمعات العربية بقيادة حركة "تركيا الفتاة" منذ بدايات القرن العشرين
وفي نفس الوقت، برزت مشروعات مناطق النفوذ البريطانية والفرنسية الاستعمارية واتفاقات ومعاهدات تقسيمها في الوطن العربي بين الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية مثل معاهدة سايكس-بيكو 1916، ولم يكن مفهوم "الشرق الأوسط" يشير في الواقع إلى حيز جغرافي معين ولا إلى تاريخ محدد مشترك لشعوب المنطقة، بل استند بالأساس إلى نظرة السياسات الاستعمارية الاوربية إلى أوربا كمركز أو قطب جاذب للعالم يقع خارج "الشرق الأوسط" ومن ثم شاع هذا المصطلح في السياسة البريطانية
وفكرة الشرق في أدبيات السياسة الفرنسية. وكلاهما مفاهيم جيوسياسية واستراتيجية دلت على طبيعة مخططات القوى الاستعمارية الاوربية ازاء (شرقها) هي بالمعنى الجغرافي وعكست استراتيجيات تقاسم مناطق النفوذ بينها وخصوصاً مع اكتشاف البترول في كل من إيران والعراق وشبه الجزيرة العربية.
لكن هذا المشروع لم يعد أمريكياً محضاً، بل دخل الاتحاد الأوربي على الخط وتحول إلى (شراكة أوربية) مع المبادرة الألمانية التي أقرها الاتحاد(10). واكتسى هذا المشروع بطابعٍ دولي لدى إقراره في اجتماع القمة لقادة الدول الثماني الصناعية الكبرى في حزيران/يونيو 2004، حيث تمخضت هذه القمة عن تفاهم دولي بهذا الشأن.
وعلى الرغم من ان إدارة بوش (الابن) هي التي تقف في مركز التحريض على تغيير الشرق الأوسط، فإنه يمكن ملاحظة أن ثمة توجهاً دولياً لإعادة هيكلة المنطقة وإصلاحها وتأهيلها، بدعوى مواءمتها مع التطورات والمتغيرات الدولية.
ولم يكن (مشروع الشرق الأوسط الكبير) هو المشروع المخطط له لإعادة هيكلة المنطقة العربية، وضمان مصالح الدول الغربية وأمن إسرائيل،
وإنما هنالك مشروع آخر ضمن المخططات الاستراتيجية للدول الغربية يهدف إلى حماية إسرائيل وهو مشروع (قناة البحرين) التي تربط بين البحر الأحمر والبحر الميت وتحلية البحر الميت من خلال فتح قناة بينه وبين البحر الأحمر، لتصب مياه البحر الأحمر بالبحر الميت وتحليه والغرض منه هو ليس لتحلية مياه البحر الميت فقط وإفادة إسرائيل وتزويدها بالمياه العذبة
وإنما هنالك أهدافاً منها معلنة ومنها خفية، تمثل كلها أهدافاً لزيادة المجتمعات الحضرية في إسرائيل وبالتالي جذب أعداد من المهاجرين إلى هذه المجتمعات الحضرية والذي يشكل زيادة عدد سكان إسرائيل، والسيطرة على المياه العذبة التي يتزود بها الأردن وفلسطين ولايدرك الكثيرون ان هذا المشروع كان أحد أحلام أو نبوءات الزعيم الصهيوني تيودور هرتزل التي طرحها وإن كان بشكل مختلف في كتابه "الأرض الموعودة" ونشره عام 1902 حين تحدث عن قناة لوصل البحر المتوسط من هاديرا بالبحر الميت،
وبعد ذلك بسنوات وضع عدد من المهندسين البريطانيين والألمان مشورعات لمد نفس القناة في البحر المتوسط إلى البحر الميت ولكن بغرض توليد الكهرباء.
وفي الخمسينيات من القرن الماضي، وبعد قيام اسرائيل عام 1948 قام د.والتر لودرميلك (الخبير في التربة) بتقديم اقتراح لإنشاء مسار ثان مختلف على البحر المتوسط يصل مابين حيفا والبحر الميت.
واستمر التخطيط لهذه القناة وإقامتها إلى أن أقرت المجموعة الخامسة –والمسماة- مجموعة العمل الإقليمية للتنمية الاقتصادية في اجتماعها بالرباط هذا المشروع، ثم أعلن رسمياً احياء هذا المشروع في القمة العالمية للتنمية المستديمة التي عقدت في جنوب أفريقيا عام 2002
كما إن شق (قناة البحرين) التي تربط البحر الأحمر بالبحر الميت يرتبط بمشروع استراتيجي اسرائيلي آخر يتمثل في ماأعلنه وزير المواصلات الاسرائيلية في فبراير 2007 لإنشاء خط سكة حديد يمتد من إسرائيل إلى العراق ودول الخليج،
وإنشاء منظومة للنقل الإقليمي يكون محورها الأساسي إسرائيل والهدف من هذا المشروع هو نقل البضائع الواردة من مختلف دول العالم في شمال البحر المتوسط إلى تلك المنطقة من موانئ إسرائيل على البحر المتوسط إلى العراق ودول الخليج العربي عبر الأردن. وهذا المشروع له مردوداته الاقتصادية على إسرائيل.
كل هذه المشاريع الاستراتيجية والمخطط لها من قبل الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تهدف إلى اختراق الأمة العربية والهيمنة عليها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
حاولنا القاء الضوء على أبرز التصورات الغربية المستقبلية للوطن العربي، فالغرب ممثلاً بأمريكا واسرائيل تعد المشاريع الاستراتيجية التي تهدف منها السيطرة على الاقتصاد العربي من خلال السيطرة على منابع الطاقة النفطية والذي يمثل أعلى احتياطي في العالم، وما احتلال العراق عام 2003 الأخير إلا دليل على المخططات الاستعمارية لأمريكا وحفاظها على أمن اسرائيل، كذلك هنالك من المشاريع الاستراتيجية المستقبلية التي يحاول الغرب تنفيذها وذلك من خلال ماطرحه بوش (الابن) من مشروع الشرق الأوسط الكبير، وماطرحه وزير المواصلات الاسرائيلي مشروع شق (قناة البحرين) وانشاء سكة حديد تربط اسرائيل بالعراق والخليج، بالإضافة إلى مشاريع أخرى مخفية ولم يتم الاعلان عنها، هذه المشاريع الاستراتيجية هي رؤى مستقبلية يخطط لها الغرب للسيطرة والهيمنة على الوطن العربي،
وفي نظرة اخرى فقد أشار أندرو شابيرو، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية خلال مؤتمره الصحافي، الذي تناول فيه مبيعات السلاح الأميركي للسعودية، أشار الى المنطقة باستخدام تعبير «الخليج العربي والشرق الأوسط ككل.
بعض المراقبين اعتبروا ذلك زلة لسان على الرغم من أن شابيرو كان يشير الى تصريح معد مسبقاً.
لكن اذا كان تعبير “الشرق الأوسط ككل” يشمل ضمناً ذلك الممر المائي المثير للجدل، فلماذا ذكره شابيرو باستخدام تعبير “الخليج العربي” لو لم يقصد هذا فعلا؟
لذا، ما إن أدلى شابيرو بذلك الاصطلاح الجديد حتى تحرك المجلس الوطني الأميركي – الإيراني للعمل. فقد كتب رسالة احتجاج ووجهها لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، كما كتب جمال عبدي مدير المجلس مقالاً حول هذه المسألة نشرته صحيفة “هافينغتون بوست”.
لذا، ما إن أدلى شابيرو بذلك الاصطلاح الجديد حتى تحرك المجلس الوطني الأميركي – الإيراني للعمل. فقد كتب رسالة احتجاج ووجهها لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، كما كتب جمال عبدي مدير المجلس مقالاً حول هذه المسألة نشرته صحيفة “هافينغتون بوست”.
وكان من المثير حقاً أن يستعمل كيرت كامبل – هو أيضاً أحد المساعدين العاملين في وزارة الخارجية الأميركية – نفس ذلك الاصطلاح عند تحدثه حول «مسائل القرصنة في الخليج العربي».
إذاً، من غير المعقول بالطبع أن يكون كل هذا مجرد مصادفة فهو يوحي أن هناك تغييراً في السياسة على الأرجح.
لقد استخدمت أميركا رسمياً مصطلح «الخليج الفارسي» منذ عام 1917. لذا وفي غياب أي تفسير من وزارة الخارجية الأميركية لهذه المسألة، ليس هناك سبب منطقي لتفسير هذا التغيير المفاجئ سوى القول إنه جاء لمضايقة إيران.
لقد استخدمة السياسة الغربية مصطلح الخليج العربي او الخليج الفارسي في التفريق بين العرب والايرانيين وهي ورقة تحتاجها وتلوح بها دائماً لتشكيل وخرس عدم الاطمئنان بأوضاع المنطقة وهي من مصالح تواجدها في الخليج العربي .
وللسياسة الغربية العديد من الابعاد والنظرات المستقبلية المهم والتي تضمن بقائها كقوى عظما وفرض سيطرتها على العالم
أبعاد النظرة الإستراتيجية الأمريكية الكبرى
استخف رموز الإدارة الأميركية السابقة بالنظام الرسمي الدولي, خصوصا بعد امتلاكهم صهوة القوة, وانتهاكهم الشرعية الدولية في حروبهم المستعرة وأبرزها غزو واحتلال أفغانستان و العراق, ومحاولة قولبة العالم ضمن مشروعهم الكوني( القرن الأمريكي الجديد) ,والذي بناه وروج له اليمين المتشدد في أميركا, وكان نائب الرئيس الأمريكي السابق "ديك تشيني" ووزير الدفاع السابق المقال "دونالد رامسفيلد" يصفان الأمم المتحدة بأنها تقدم (حماية زائفة)؟, بالرغم من ذلك لجئوا إليها بعد غزو العراق لشرعنة تواجدهم , وإصدار منظومة تشريعات تجيز احتلال العراق ومنحهم الوصاية الشاملة, وتعتمد على مرتكزات الإسناد التقليدية من الاتحاد الأوروبي والدعم العسكرية من الناتو في العراق وأفغانستان ناهيك عن الاستخدام الغير مباشر لدول إقليمية تتقاطع معها في استهداف وإنهاء الدور العربي, وبالتأكيد أن القضايا(المصالح) هي التي تحدد التحالفات وليس العكس.
نشر البيت الأبيض"إستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة" في ختام سنة 2002 وقد دونت المبادئ الثلاث وهي:-الحروب الاستباقية – تغيير أنظمة الحكم بالقوة – إدامة التفوق العسكري الأمريكي, وتنبأت هذه الوثيقة ببداية عهد جديد لتغيير ديناميكية السياسة الأمريكية وانتهاج إستراتيجية الاقتراب العسكري المباشر, وباستخدام القوة الصلبة , والهيمنة على مصادر الطاقة وفتح أسواق جديدة , وتغير الأنظمة السياسية بالقوة التي لم تلتحق بالنظام الرأسمالي العالمي بعد, وبناء هياكل سياسية ملحقة في تلك الدول, لترتبط بشكل مباشر بالمركز كما تطلق على نفسها الولايات المتحدة(مركز النظام الرأسمالي الدولي), ويبدو أن الانهيار الاقتصادي والفشل السياسي والعسكري كان من ابرز نتائج هذه الاستراتيجيات ,والتي نفذها صقور الإدارة السابقة بعقيدة رئيس الحرب السابق "بوش", والذي حول العالم إلى شريعة الغاب تسوده الحروب والصراعات والنزاعات ,وخلف بؤر عنف هلامية في كل مكان تقتاد عليها رؤوس الأموال الجشعة وتفتح أسواق دموية للسلاح والمرتزقة وبقية الشركات.
حدد المجمع العسكري الصناعي في الولايات المتحدة ميادين الحرب المقبلة في البقع المطلوب الوصول أليها( النفط) ضمن إستراتيجية التواجد العسكري التي بدئت تطبيقاتها منذ عام 1980 مع بدء حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران, وتوسعت على اثر غزو العراق الكويت وتغيير خارطة التحالفات, وبعد حصار العراق ووصوله لدرجة الوهن الحربي برز رأس الرمح للعمل العسكري ,وهو إعلان "الحرب على الإرهاب(GWOT) " لتجعل من كافة بقع العالم مسارح حركات لجيوشهم النظامية والظهيرة كخيار حربي,وتم إنشاء شبكات من الأنظمة والوكالات الحكومية المتعاونة ( القدرة المكتسبة السياسية والأنظمة الملحقة) ويبدوان تلك الشبكات اشد حرصا على تطبيق سياسة الولايات المتحدة في المنطقة, لارتهان وجودها بوجود القوة الإمبريالية المتسلطة على مقدرات العالم العربي والإسلامي, وتتلاعب الولايات المتحدة الأمريكية برقع تواجدها الجغرافي والسياسي مثل لعبة الشطرنج ثلاثية الأبعاد , ولم تقوم الدول العربية المتحالفة مع أمريكا منذ سنين بعملية التقويم الاستراتيجي ومراجعة فوائد وتوازن التحالف وتداعياته على الأمن الوطني والقومي, ولعل خطيئة غزو العراق وإعادة تشكيل نظامه السياسي ودولته على أسس طائفية مذهبية وعرقية وبارتباطات مختلفة خارج الحدود تدل على انعدام القراءة في اللوحة الإستراتيجية العربية.
يعتقد الخبراء أن منهج السياسة الخارجية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية, أصبح يشابه التعامل مع لوحة الشطرنج بإبعادها الثلاث, والتي لا يمكن للمرء أن يفوز فيها من خلال اللعب بشكل رأسي وأفقي فقط, بل تحاول الولايات المتحدة الأمريكية استخدام بيادقها المرنة عبر حرق الكثير من الرقع باستخدام التراجع التكتيكي, وحرق البيادق المستهلكة للوصول إلى أفضل وجود آمن , يحقق لها تدفق الموارد والدعم العسكري واللوجستي لقواتها ما وراء البحار, ولعل اتساع شبكة القواعد والتسهيلات العسكرية خير دليل يؤيد هذه الفكرة, وأن تداعي انهيار فلسفة أحادية القطب الصلب , وتداعيات التواجد الحربي المباشر, قد اجبر الولايات المتحدة على التحول إلى القطب المرن المتحالف عبر التحالفات والحروب بالوكالة والنزاعات والحروب المحدودة, التي تدار من بعد, وهذا يشابه لما جرى بعد الهزيمة العسكرية للجيش الأمريكي في فيتنام.
النظرة الإستراتيجية السفلية
تمثل النظرة الإستراتيجية السفلية للسياسة الخارجية الأمريكية , أولوية القضايا الدولية ذات الاهتمام الاستراتيجي, موزعة فيها القوة بدرجة كبيرة ومنظمة بين المشاركين والتابعين أنظمة ومنظمات وأفراد, وتمكنت أمريكا أن تضع النظام الرسمي العالم اجمعه في قطارها السياسي , وإدارة الدفة بتسخير منظوماتها السياسية والقانونية, لتامين مقتربات ومحاور مصالحها وأهدافها المثيرة للجدل في العالم, دون الأخذ بنظر الاعتبار حجم الرفض المتعاظم للرأي العام العالمي لسلوكياتها ومارستها, مما جعل النظام الرسمي العالمي عاجز عن تحقيق الأهداف الديمقراطية ذات المنحى القانوني والإنساني, والتي أطرتها منظومة القوانين والتشريعات الدولية, لضمان الأمن والسلم الدوليين, مما يمكنها من الحصول على النتائج التي تتوخاها عندما يتعلق الأمر بقضايا التجارة أو منع الاحتكار أو القوانين المالية أو شن الحروب, بالاعتماد على دعم حلفائها من الاتحاد الأوروبي واليابان الظهير الاستراتيجي وكوريا الجنوبية لأميركا في أوربا واسيا. وهذا التوزيع للقوة الاقتصادية يمكن تسميته (هيمنة أمريكية عنكبوتيه- شبكة العنكبوت( بالاستناد على محوري الضغط الأوربي والآسيوي إضافة إلى توسيع رقعة المصالح الأمريكية الغربية الإمبريالية في الشرق العالم العربي عبر إسرائيل وما تشكله من شبكات تابعة وملحقة مرتبطة تحقق أهداف سياسية وعسكرية قطبية الأبعاد تضعف العرب وتخرق منظومة الأمن القومي العربي, وبات يستخدم ويسخر الموارد الاقتصادية العالمية ومنها العربية لنخر مصالح ورغبات وتطلعات شعوبها مستهدفا أمنها وسلامة أراضيها وثرواتها خصوصا بعد فقدان ثقة المواطن بنظامه السياسي وقدرته في تحقيق تطلعاته, وتجعلها بذلك جنود رخ مستهلك في رقعة الشطرنج الأمريكية الأحادية المصالح.
النظرة الإستراتيجية العليا
تمثل النظرة الإستراتيجية العليا للسياسة الأمريكية القضايا العسكرية التقليدية بين الدول, وضرورة الحفاظ على ديمومة القوة العسكرية النوعية الأمريكية الأولى في العالم, واحتكار ميادينها الذكية والنووية, فإن الولايات المتحدة كانت القوة العظمى الوحيدة للعقدين الماضيين, وهو أمر منطقي من الناحية التقليدية لمفهوم أحادية القطب, أو الهيمنة بمنظور القوة, ولكن الانهيار والتصدع في القدرة العسكرية الأمريكية, وترهلها من جراء منهجية الحروب العدوانية ,وحروب الاستنزاف التي تخوضها في العراق وأفغانستان, أدى الى تعاظم الإنفاق العسكري الذي خلف الانهيار الاقتصادي في أميركا والعالم, وجعل هذه القدرة تتراجع بشكل ملفت للنظر, مما حدا بالولايات المتحدة الأمريكية اللجوء إلى محاولات قطع التماس المباشر تدريجيا والابتعاد عن خوض العمليات العسكرية الكبرى, وتنفيذ عمليات خاصة محدودة وفق فلسفة الثعبان "أندوك", وكذلك استخدام القوة الناعمة, وتخفيف الزخم العسكري باستخدام مفاصل القدرة المكتسبة, والإيعاز إلى الأطراف الأخرى ومنهم إسرائيل وايران بلعب دور عسكري سياسي بديل في المنطقة الشرطي الشرير وبمحاور مختلف في محاولة لتحقيق إستراتيجية "الردع المتراكم" لتحقيق "نظرية اليأس" (الانهيار الإدراكي أو الميداني) ومن خلال اجترار إرهاب القوة الأمريكي في العراق وأفغانستان الى غزة على اثر تبادل الخبرات والموارد العسكرية والمعلوماتية والمخابراتيه الأمريكية الصهيونية في العراق وأفغانستان وبإسناد عدد من دوائر المخابرات العربية التي باتت تتسق بفلسفة عمل ومنهاج وكالة الاستخبارات المركزية.
صدرت تقارير في الصحافة الأمريكية والبريطانية منذ العام 2003 ولحد الآن، تشير أن القوات الأمريكية تستخدم تكتيكات الجيش الإسرائيلي وان مستشارين صهاينة يقدمون الاستشارات والتدريب للجيش الأمريكي لمواجهة- المقاومة في العراق, وفي مقالة نُشرت العام 2003 بعنوان "إسرائيل تُدرب فرق اغتيالات أمريكية في العراق assassination squads " ذكرت صحيفة "الغارديان البريطانية" بأن قوة الدفاع الإسرائيليةIsraeli Defense Force-IDF أرسلت عناصر حرب عصابات مدنية urban warfare إلى حصن براغ- Fort Bragg- كارولينا الشمالية- مقر القوات الخاصة الأمريكية، وأشار المصدر إن "المستشارين" العسكريين الإسرائيليين قاموا أيضا بزيارة العراق والعمل في التحقيق وتعذيب المعتقلين العراقيين في سجن أبي غريب,
إضافة إلى المشاركة في العمليات العسكرية, وكان المراسل الصحفي "سيمور هرش "Seymour Hershفي مجلة "النيويوركي الجديد New Yorker Magazine " الصحفي الأوربي الأول في إصدار تقاريره عن "فرق الاغتيالات" التي أُنشئت من قِبَل وبرعاية القوات الأمريكية في العراق, بمساعدة عناصر من الجيش/ المخابرات الإسرائيلية في العراق والولايات المتحدة، وذلك في مقالة معروفة جيداً، نُشرت في مجلة "النيويوركر" بعنوان (تحريك/ إزالة أهداف" moving targets ) في ديسمبر العام 2003, وكانت إستراتيجية "فرق الاغتيالات" هذه، في الغالب، نسخة مطابقة لحملات الاغتيالات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، صيغت في عهد "دونالد رامسفيلد" وزير الدفاع الأمريكي السابق المقال- ودفع بنائبه لشئون المخابرات "ستيفن كامبون Stephen Cambone" ليصبح مشاركاً بعمق في تطوير أسلوب جديد للقوات الخاصة (فرق الاغتيالات)، حسبما أورده "سيمور هرش "Seymour Hershفي النيويوركر في عام 2003, ولعل التوغل الإيراني السياسي والعسكري والشبحي في العراق منذ عام 2003 ولحد الآن قد حقق دعم لوجستي وحربي ومعلوماتي لأمريكا في العراق وحقق بقاء واقعي ذكي مفترض لتلاعبها بأضلاع المشهد السياسي العراقي وسعيها المحموم الى لبننة العراق أو تقطيبه طائفيا.
نظرا للتراجع المباشر, وفشل مسالك العمل في اللوحة العليا للولايات المتحدة, مارست إسرائيل مؤخرا خطة خداع استراتيجي عبر موافقتها على مبادرة السلام وممارسة التهدئة وتحويل الأنظار لعمل عسكري ضد إيران في المنطقة, لنقل مناخ الحرب بعيد عن العراق وأفغانستان, وشد دول الخليج العربي ضمن فلسفة الإرهاب السياسي , وفرض واقع الخوف من الوهن العسكري وعدم توازن القدرات العسكرية , وساهمت الولايات المتحدة الأمريكية على تزويد حليفها الاستراتيجي(إسرائيل) بأنظمة رادار متطورة, وطائرات اف35 المتطور, وأنواع من الذخائر الذكية الحديثة المتطورة ,
على سبيل المثال الذخائر المعدنية المكثفة(الذخائر المميتة الدايم), وكذلك ألف قنبلة مصممة خصيصا لتدمير الدشم الخراسانية لتعزيز قدراتها الجوية في ضرب الأنفاق والأبنية المحصنة كونكريتيا, وعززتها مؤخرا بصرف مبالغ لتطوير القبة الصاروخية الحديدية, والغاية تحويل رقعة الصراع إلى إسرائيل وهي الوعاء الرسمي للمصالح الأمريكية والغربية في قلب العالم العربي, وبوشاح صهيوني راديكالي متشدد وقح يعربد سياسيا وعسكريا متى يشاء بحماية دولية رسمية,
وتشكل إسرائيل رقعة دموية ملتهبة متقدمة ,تحقق المناورة والتغيير الاستراتيجي الناعم, وباستخدام الردع المتراكم أو باستعراض العنف والإرهاب الدموي الصهيوني في المنطقة, لتغيير بوصلة الاستهداف, وصرف الأنظار عن الوهن العسكري الأمريكي , والفشل السياسي والعسكري في أفغانستان الذي تشكل المعبر الجغرافي الرئيسي لشركات النفط الكبرى المتصارعة على نفط وغاز أسيا,
وكسر شبكة أنابيب النفط والغاز الروسية المهيمنة على عمليات نقل وتسويق نفط وغاز أسيا الوسطى, منذ ظهور الاتحاد السوفيتي وحتى ما بعد انهياره, تحت يافطة الحرب على الإرهاب,
وبعد حرب ضروس تسع سنوات في أفغانستان تسيطر حاليا طالبان على70% من أفغانستان ليظهر مدى الفشل العسكري المتراكم الذي يلاحق قوات الاحتلال الأمريكي, وقوات الناتو الظهير الساند لها هناك, وكذلك (العراق) الحوض والاحتياط النفطي الأول في العالم , ودولة الارتكاز الاستراتيجي العسكري في العالم والوطن العربي , والذي خططت الولايات المتحدة لمحاصرته منذ حرب الخليج الأولى وحتى غزوه, استطاعت الولايات المتحدة من تحقيق بعض الخطوات السياسية الشبحية,
حيث تمكنت من تغير البني التحتية الماسكة بالقرار السياسي في العراق عبر الورش ذوي الأصول العراقية, والتي تم أعدادها لهذا الغرض, وتعزيزها بمنظومة قوانين وتشريعات تحقق الاستقرار العسكري لقواتها على الأرض, والحفاظ على المكاسب الهشة التي تحققت وابرز تلك القوانين, الدستور, قانون مكافحة الإرهاب ليكون وسيلة لممارسة الإرهاب السياسي والقمع المجتمعي وانتهاكات حقوق الإنسان بحق المواطنين والمعتقلين منهم , وعززته بتحرير الاتفاقية الأمنية( للحفاظ على المكتسبات الهشة وإيقاف الاستنزاف ), وقطع التماس المباشر مع المقاومة العراقية وتطبيق "فلسفة التنظيف" قبل تشكيل الحكومة, مع أقصى استخدام لمفاصل القدرة المكتسبة التي انفق عليها مليارات الدولارات خلال السنوات الماضية لتحل محلها, وللقيام بهذا الدور القذر في إذلال الشعب العراقي,
وكذلك أشغال الرأي العام العراقي بلعبة المارثون الانتخابي المتعاقب ونتائجه وصراع الأدوات السياسية, والنزاع الدموي الفئوي على السلطة وترليونات العراق من المال المبذول السائب , في محاولة للترقيق والترقيع والمناورة بالموارد العسكرية بين مفاصل القيادة المركزية الوسطى لتعزيز القوات الأمريكية المستنزفة في أفغانستان بشكل سري وعلني , واجترار تجربة العراق التي نجحت نسبيا إلى أفغانستان وفلسطين, والتقاط الأنفاس سياسيا وعسكريا, والتمويه عن المحور الإفريقي القادم ,وحوض المتوسط والأحمر .
النظرة الإستراتيجية الوسطى
تمثل النظرة الإستراتيجية الوسطى استثمار التحالفات والمعاهدات وإذكاء الحروب بالإنابة, وتلوح بالأفق حرب مقبلة بين الهند والباكستان وبأصابع أميركية, مستهدفا بذلك الباكستان ضمن "حرب المائة عام" وهذا ما أشارت إليه مجلة "إكزكتف إنتلجنس ريفيو" تقريراً حول اجتماع عقد في واشنطن لمناقشة "الحرب العالمية الرابعة" حضره وتحدث فيه أبرز منظري اليمين المتشدد وأكثرهم نفوذاً داخل الإدارة الأمريكية وفي مراكز صنع السياسة في واشنطن’ و شارك ثلاثة من كبار مسئولي إدارة بوش السابقة - نائب وزير الدفاع الأسبق "بول وولفويتز" واثنان من دعاة الحرب من المحافظين الجدد في مجلس سياسات الدفاع (Defense Policy Board) "جيمس وولزي", و"إليوت كوهين"، شاركوا جميعاً في الاجتماع الذي عقد برعاية إحدى أكثر الجماعات الراديكالية تطرفاً، وهي "لجنة الخطر الداهم" (Committee on Present Danger)، ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (Foundation for the Defense of Democracies). وكلا المنظمتان أعلنتا من قبل أن "الإسلام هو العدو العالمي الجديد" الذي يجب أن تتم هزيمته من خلال ما يسمونه الحرب "العالمية الرابعة" وهذا ما طرحه "صموئيل هنتنغون" في كتابه"صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي" عام1996, والمسألة التي تم عرضها خلال هذا الاجتماع هي أن يتم القضاء على جميع "الدول الراعية (للإرهاب) وفق المفهوم الشاذ لليمين المتطرف في أمريكا,
وتفسير الإرهاب وفق المنظور السياسي والعسكري الأمريكي" إما عن طريق الحروب أو الانقلابات أو الأشكال الأخرى من تغيير الأنظمة أو باستخدام (إستراتيجية الحرب القذرة-Dirty War Strategy)، وبذلك فان الولايات المتحدة ستكون في حرب أبدية خصوصا لو تم مقاربة توصيات مؤسسة راند مع إستراتيجية وزارة الدفاع لعام 2010-2014 وسلوك الإدارة المالي والسياسي، وأهم عامل في هذه المرحلة هي ادامة"الإرادة لخوض القتال",وفي خطابات عديدة سابقة وصف كل من (جيمس وولزي) الذي شغل منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية لفترة قصيرة و(إليوت كوهين) وصفا هذه الحرب بوصف "حرب المائة عام"؟؟,
وفي اللوحة حديثا صيغة غزل للعالم الإسلامي على لسان الرئيس الحالي "أوباما" محاولا ترميم وإيقاف الانهيار والزلزال الاقتصادي في أمريكا والعالم والدول المرتبطة بها اقتصاديا,
والتي بلغت مديونيتها وعجزها أرقام فلكية يصعب تسديدها أو تعويضها، وشكل الانهيار الاقتصادي رقعة حرجة تتطلب حرق بعض البيادق وأشغال رقع سوداء, وبالفعل أصبح بيدق الاقتصاد العربي هنا "كش مات", لحاجة الولايات المتحدة لاستخدام شعوبها وأراضينا سوق وميدان الصراع الدموي ,
والاستنزاف اللوجستي في الإستراتيجية الكبرى, كما وربطت النظام الرسمي العربي ومؤسساته الاقتصادية والعسكرية وهياكل صنع القرار السياسي بالمركز ( النظام الرأسمالي الأمريكي),
وهناك معضلة حقيقة يقف عندها صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية هو الإنفاق العسكري وصعوبة ديمومته عبر تحريك سوق النفط والسلاح والمرتزقة وتقنية المعلومات والسيارات والتي تشكل عناصر الضغط في السياسة الأمريكية, ولكن أين مناورة النظام الرسمي العربي لتحقيق الأمن القومي وديمومة حضوره.
التقويم الاستراتيجي واستعادة المبادأة عربيا يسعى اليوم عدد كبير من المفكرين والسياسيين العرب لمعرفة منهجية وإستراتيجية الإدارة الأمريكية, وفلسفة رئيسها أوباما, وهي تتخبط من رقعة الى أخرى وتتسم بالتردد في الإصلاح السياسي,لقد حاول الساسة العرب موائمة مواقفهم واستراتيجياتهما طبقا للتغير الامريكي المنشود والذي ارتبط بتغيير الإدارة ورموزها والرئاسة وطاقمها,
وقد تأمل البعض حصول أصلاح متوازن على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العرب والمنطقة من الرئيس الأمريكي أوباما, وحقيقة الأمر أن الرئيس الأمريكي منتخب من شعبه وليس من الشعوب العربية,
أي انه ينفذ ويحقق إرادة شعبه ومصالح بلده, ويطبق إستراتيجية شاملة وفق عقيدته أي فلسفته في تطبيقها وان تعددت العصي في الدواليب, من خلال موائمة الموارد لتحقيقها أي لا تغيير في الإستراتيجية الشاملة بل تغيير في الأولويات والتكتيك وبرز هذا جليا في العراق وانزلاقه الى أحضان الطامع الإقليمي إيران وهواجس حرب الإبادة الطائفية المرتقبة, وأفغانستان وإصرار السير نحو الحسم العسكري المستحيل التحقيق,
وهنا يكمن الخطأ في التفكير والتدبير الاستراتيجي العربي, الذي يعتمد دوما على رد الفعل المقابل وليس على منهجية إستراتيجية عربية ثابتة, قابلة للتعامل مع المتغيرات والتهديدات المحتملة بشكل منطقي وموضوعي وبمرونة لا تخرق الهيكل الاستراتيجي العام, و أن غياب التقويم الاستراتيجي واستعادة المبادة جعل من الإرادة العربية مختلفة ومترهلة وغير موحدة في أدارة الصراع , وقد ألقى بظلاله على وحدة الموقف العربي وخصوصيته, وبات أمرا واضحا وارتضى لنفسه الموقع السطحي بين معسكرات وتحالفات وأنفاق إستراتيجية غالبيتها تنخر الأمن القومي العربي,
حيث لم يتمكنوا من إيقاف احتلال العراق وتدميره, وفقدوا زخم أهميته كدولة ارتكاز ضمن البعد الجيوبولتيكي للعالم العربي, وغاب عن تفكيرهم موقع العراق ومكانته وقدرته على التوازن الجيوعسكري والاستراصاروخي للمنطقة,
وكذلك دور العراق كدولة رصينة تجيد الحراك التكتيكي والاستراتيجي في المواقف السياسية الحرجة والأزمات خصوصا بعد الخطيئة السياسية الكبرى( خصخصة المشهد السياسي طائفيا وعرقيا), ويبدو أن الخاسر الوحيد هم العرب وأصبحوا أسم يذكر في كتب التاريخ لا في المحافل الدولية وصنع القرار السياسي, لقد استنزفت الدول العربية الكثير من مواردها البشرية والعلمية والاقتصادية,
وسخرت بشكل مباشر وغير مباشر لإضعاف وقتل وتدمير وتسطيح هذه الأمة, وجعلها تتهاوى بشكل مريع ومخزي, لا تزال الفرصة سانحة أمام الأمة العربية والإسلامية لاستعادة المبادأة , وتحقيق التوازن السياسي والعسكري وفقا للمصالح المتبادلة وإعادة النظر بنتائج التحالفات , وتوحيد الصف ونبذ الاختلافات , ومعالجة التداعيات والتهديدات والاخطارالإستراتيجية التي تنهش بجسد الأمة وتحويلها من ارض رخوة الى ارض صلبة .
وبالختام هل نعرف الان ماهي نظرة الغرب للعرب وماهي علاقة الوطن العربي بشكل عام مع الولايات المتحدة الامريكية .
بماذا يفكرون وبماذا نفكر ؟
(مجموعة مقالات وبحوث منقولة من العديد من المصادر )
اعددتها ورتبتها لكي نفهم
0 التعليقات :
إرسال تعليق