تابع جديد المدونة عبر:

2013 عاماً مأساوياً لا مثيل له

في أيامنا هذه لا نعاني من أي نقص في الخبراء الاقتصاديين وغيرهم الذين يحذروننا ليلاً ونهاراً من كارثة وشيكة، وإذا صحت تحذيراتهم فإننا لا نبخل عليهم بالإشادة ببصيرتهم الثاقبة، أما إذا جانب الصواب توقعاتهم فإن الاحتمال الأكبر أن لا يتذكر أحد إليكم إذن هذه النبوءة، لن تستشعروا أي نقص في التكهنات بأن 2012 سوف يكون عاماً مأساوياً.

الواقع أن وجهة نظري مختلفة، لن يكون 2012 العام أزمة، ولكنه لن يجلب معه أيضاً النهاية لمتاعبنا الاقتصادية الحالية، بل سيكون على الأرجح عاماً من التخبط في محاولة للخروج من الأزمة.

يعتقد العديد من الناس أن العام 2012 سوف يكون حاسماً بالنسبة لأوروبا، فإما أن تحدث قفزة نوعية في التكامل الأوروبي بإنشاء اتحاد مالي وإصدار سندات اليورو، وإما أن تتفتت منطقة اليورو، فتندلع كل الأزمات المالية.

الواقع أن أياً من السيناريوهيين ليس محتملاً، لا شك أن انهيار منطقة اليورو سوف يكون بمثابة كارثة اقتصادية ومالية، ولكن هذا على وجه التحديد هو السبب الكفيل بدفع «البنك المركزي الأوروبي» إلى التغلب على تردده، والتدخل في أسواق السندات الإيطالية والإسبانية، وهو السبب الكفيل أيضاً بدفع الحكومتين الإيطالية والإسبانية في نهاية المطاف إلى استغلال هذه الفسحة من الوقت لاستكمال الإصلاحات التي يطالب بها «المركزي الأوروبي» في المقابل.

لا شك أن أوروبا لن تسلم من آلام الركود، ذلك أن الخطة غير المتقنة لإعادة رسملة البنوك وسحابة عدم اليقين التي تخيم على اليورو، تعنيان أن الركود قد اختمر بالفعل، ويكاد يكون من المؤكد فضلاً عن ذلك أن تؤدي الإصلاحات المؤيدة للنمو والمطلوبة في بلدان، مثل إيطاليا إلى تفاقم الأمور سوءاً، قبل أن تنجح في تحسينها، على سبيل المثال، سوف ينعكس التأثير الأولي لخفض تكاليف توظيف العمالة وفصلها في تسريح العمالة الزائدة، ولكن المستثمرين ينظرون إلى ما هو أبعد من هذا، لذا فإن الإصلاحات التي تعد بالعودة إلى النمو في نهاية المطاف، لابد وأن تبث في أنفسهم الطمأنينة.

وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن تنهار منطقة اليورو في العام 2012، فلن يتمكن أحد من التوصل إلى إجابة حاسمة للسؤال حول ما إذا كان اليورو قد يتمكن من البقاء، لأن التكامل الأوروبي لن يشهد قفزة كمية، فضلاً عن ذلك، فإن تنقيح المعاهدات يستغرق بعض الوقت، والمزيد من الوقت للتصديق عليها، على سبيل المثال، سوف تتخذ الجهود الرامية إلى تعزيز القواعد المالية في أوروبا هيئة اتفاقات ثنائية بين الحكومات، بدلاً من إدخال تعديلات على «معاهدة لشبونة».

إنه لأمر محزن أن يكون الركود مؤهلاً للتخبط، ولكن هذه هي حال أوروبا اليوم.

ولنتأمل الآن حال الولايات المتحدة. على الرغم من أن البيانات الأخيرة تشير إلى أن الاقتصاد في تحسن، حيث تشير كل الدلائل إلى أن الناتج المحلي الإجمالي سوف يتوسع بمعدل سنوي 3 بالمئة في الربع الأخير من العام 2011، فمن الأهمية بمكان إلا ننجرف وراء الآمال، فسوف يستمر سحب الدعم المالي لهذا التوسع، وعلى الرغم من أن سوق الإسكان تظهر بعض دلائل الاستقرار، فإن الأسعار سوف تظل منخفضة تحت وطأة المخزون الشكلي من المساكن الخاضعة لحبس الرهن والمساكن التي تتحفظ عليها البنوك.

وتوحي هذه الاعتبارات بأن تسارع النمو في الولايات المتحدة، والذي بدأ في الربع الثالث من العام 2011، من غير المرجح أن يكون مستداماً، ومن جهة أخرى، إذا تباطأ النمو بشكل ملحوظ، فإن «بنك الاحتياط الفيدرالي» الأمريكي سوف يستجيب بلا أدنى شك بجولة أخرى من التيسير الكمي، لذا، ففي حين من المرجح أن يقل النمو في العام المقبل بشكل ملحوظ عن 3 بالمئة، فإن الولايات المتحدة لابد وأن تكون قادرة على تجنب الركود المزدوج.

وأخيراً، لابد وأن تنمو الصين بنسبة لا تقل عن 7.5 بالمئة إلى 8 بالمئة في العام 2012، وهذا يتطلب بعض التخبط على الطريقة الصينية، فهو معدل أبطأ كثيراً من مستويات الماضي، ولكنه ليس بالهبوط العنيف الذي يحذر المروجين للكارثة والهلاك من أنه حتمي ولا مفر منه.

والحق أنني أكثر تشاؤماً من مؤسسات مثل «البنك الدولي» و«صندوق النقد الدولي»، التي تتوقع نمو الصين بنسبة 8.5 بالمئة إلى 9 بالمئة في العام 2012، ذلك أن هذه التوقعات لا تأخذ بالاعتبار الهبوط الحاد في سوق الإسكان في الصين، وعلى الرغم من أن ضعف الطلب على المساكن لم يبدأ بعد في سوق المساكن الأدنى سعراً، فإن الحجم الإجمالي للمعاملات في سوق الإسكان هبط إلى حد كبير، وعندما يبدأ الأمر بأحجام المعاملات فمن المحتم أن تهبط الأسعار أيضاً في نهاية المطاف.

من حسن الحظ أن اقتصاد الصين لا يزال موجهاً بالقدر الذي يسمح للمسؤولين بتعبئة السياسات الكفيلة بتخفيف أثر الصدمات، فإذا هبط النشاط في قطاع الإنشاءات على سبيل المثال، فسوف تبادر السلطات إلى خفض متطلبات الاحتياط، كما فعلت مؤخراً، فتشجع البنوك بالتالي على منح القروض لقطاعات أخرى، وإذا نجح الاقتصاد في أوروبا والولايات المتحدة في تجنب الأسوأ، فإن هذا من شأنه أن يمكن المصدرين الصينيين من الصمود.

وبالتالي، إذا قامت القطع الأكبر من الاقتصاد العالمي بالدور المطلوب منها، فلن يكون هناك من الأسباب ما قد يحتم وقوع الكارثة في العام 2012، ولكن من غير الممكن أن يستمر التخبط إلى الأبد، لذا، يتعين على أوروبا أن ترسم خطاً تحت أزمتها وأن تفكر في الوسيلة الأمثل لتحقيق النمو، ويتعين على الولايات المتحدة أن تتغلب على الاستقطاب السياسي والجمود الاستراتيجي، كما يتعين على الصين أن تعمل على إعادة التوازن إلى اقتصادها، بالتحول من الإنشاء والصادرات إلى الاستهلاك الأسري كمحرك رئيس للنمو، بينما لا تزال الفرصة سانحة.

بطبيعة الحال، إذا لم يحدث أي من هذا، أو إذا لم يحدث بالقدر الكافي، فمن المرجح أن يكون 2013 عاماً مأساوياً لا مثيل له في السوء حتى في أبشع كوابيسنا.

الكاتب:- باري آيكنغرين - أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا

0 التعليقات :

إرسال تعليق