تابع جديد المدونة عبر:

المؤسسات الصغيرة والأفق المسدود

 
من نافلة القول أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هي النشاط الأغلب في كل دولة، وهي قطب الحراك الاقتصادي فيها، وإن كانت الدول تتباين في تفعيل دور هذه المؤسسات وجعلها عناقيد عمل تغذي البنية الصناعية والتقنية والخدمية، فضلاً عن أنها مجالات تشغيل القوى العاملة على نطاق واسع، واستثمار للثروة البشرية والمالية.


لكن هذه المؤسسات في بلادنا على الرغم من كثرة الحديث عنها والحفاوة النظرية بها في منتدياتنا وفي خطط التنمية، وعلى ألسنة المسؤولين والمختصين، إلا أن المسألة ما زالت تعاني انسدادًا في أفق تفعيلها في مراوحة للحديث عنها بين الدعم والسعودة إلى شروط فنية وإدارية ونظامية وما إلى ذلك.


لكن يبدو أن سحر ''الدعم'' من قبل الدولة يمثل الأكثر إغراء؛ لأنه يضع في تصرف هذه المؤسسات ما ليس ميسرًا، لا يحس معه أصحاب هذه المؤسسات بثقل استقطاعه من مالهم الخاص، إذ يوفر هذا الدعم إحساسًا بالأمان، من حيث إن هذا المال المخاطَر به لتشغيل المؤسسة لا يتحمل فيه أصحاب المؤسسات خسارة كلية مباشرة، بل ثمة دولة تحمل معهم هذه الخسارة، فيما لو لم يمضِ عمل المؤسسة على النحو المأمول، أما فيما لو كان كما يرغب صاحب المؤسسة أو أصحابها فهناك متسع من الوقت لرد الفضل لمصدره وإعادته لخزانة الدولة على فترات لا يكاد يحس بها صاحب أو أصحاب المؤسسة.


هذه الميزة السحرية للدعم بكل ما لها من إيجابيات لها سلبيات أيضًا؛ لأنها تحصر العلاج في الدعم ليس إلا، ومن ثَمَّ يحجب الدعم إمكانية البحث عن آليات أخرى أهم منه تتصل بمنظور تنويع القاعدة الاقتصادية الذي يفترض أن تقوده شركات ومؤسسات إنتاج كبرى واستراتيجية تنهض بها الدولة بالأساس، وتضع في حسابها الاعتماد على إشغال مؤسسات صغيرة وكبيرة تقوم بأعمال ثانوية، لكنها أساسية لهذه الشركات والمؤسسات الكبرى، بمعنى خلق شبكة عمل جذرية تتضافر معها، حيث لا تكون هذه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تحت رحمة طلب العموم الذي قد لا تكون أحجام طلبه لمنتجاتها أو خدماتها مما يكفل لها الاستمرار في سوق العمل، فضلاً عن تحقيق النمو والتطور.


هذا المنظور في التخطيط لعلاقة وطيدة بين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتنويع الاقتصادي الاستراتيجي الذي تروده الدولة يؤدي بالضرورة إلى التفكير في إيجاد آليات نوعية فنية لا بد أن تتوافر في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وإلى إيجاد مسار عملي ملزم لتوظيف القوى الوطنية والالتزام بتدريبها وتأهيلها في الوقت نفسه لتكون مسؤولة مباشرة عن إنقاذ الشغل، وتكون المؤسسات في غير حل، على الإطلاق، من التملص من هذه المسؤولية، كشرط للدعم وكشرط لإدماجها في شبكة العلاقات مع الشركات والمؤسسات الكبرى والاستراتيجية.. ففي دول عديدة تعتمد الشركات الكبرى والمؤسسات العملاقة في دوراتها الإنتاجية على مبادرات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في توفير كثير من جزئيات الإنتاج.


ولعل هذا المنحى في إحياء العمل في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والارتقاء به وتوسيع دوره وتعميقه يتطلب الاستفادة من تجارب الدول المميزة النجاح في هذا الشأن ومواءمة تلك التجارب مع واقعنا الاجتماعي والاقتصادي، سواء من حيث طبيعة الأعمال المطلوبة أو نسق العمل والأجور والامتيازات الأخرى..

وطالما أن دولاً لا تملك الموارد الطبيعية التي نملكها ولا الديموغرافيا الشابة بنسبتها العالية ولا الاستقرار والموقع الجغرافي، ومع ذلك حققت قفزات واختراقات مذهلة، فنحن أولى بأن تتحول مؤسساتنا الصغيرة والمتوسطة إلى عالم يضج بالحيوية والقوة الاقتصاديتين، وأن تصبح تلك الامتيازات روافع معنوية ومادية وعملية لمنشآت صغيرة وكبيرة لا يظل حديثها متشبثًا بـ ''الدعم''، وكأن لسان حالها يقول إنه دون هذا الدعم المادي فلا مقومات أخرى لديها كي تقوم، أي بلا رأسمال مجازف ولا ابتكار، ناهيك عن أن تعتبر عدم دعمها مدعاة للاستثمار في الخارج أو إبقاء المال مجمدًا في مدخرات نكتفي منها بقطرات الفوائد وتحرم نفسها والوطن خيرًا كثيرًا.


المصدر :- الاقتصادية الالكترونية

0 التعليقات :

إرسال تعليق