تابع جديد المدونة عبر:

قاعدة جحا وحماره

خرج جحا يوماً مع ولده ومعهما حمار، دخل جحا قرية وهو راكب حماره وولده بجانبه، فقال أهل القرية: يا لؤم هذا الرجل، يركب الحمار ويترك ولده يمشي على قدميه.

 فخرج جحا من القرية، ونزل عن حماره وأركب ابنه ودخل على القرية الثانية، فقال أهل القرية: ما أعق هذا الولد، يريح نفسه بالركوب ويتعب والده بالمشي.

خرج جحا من هذه القرية، وركب هو وابنه على الحمار ودخلا قرية ثالثة، فقال أهل القرية: ما أقسى هؤلاء، يركب الاثنان على الحمار المسكين حتى يهلكانه.

 خرج جحا من هذه القرية، ونزل هو وولده عن الحمار ومشيا بجانبه، ودخلا قرية رابعة. ضحك عليهما أهل القرية وقالوا: يا لغبائهما، يمشيان على قدميهما ومعهما حمار لا يركبانه!

إذن قاعدة جحا تقول (رضا الناس غاية يجب أن تدرك).

فإن كنت من أتباع جحا فأعانك الله على (التحميل والتنزيل والتغيير والتبديل) ففي كل ساعة سيكون لك رأي وهدف، وفي كل يوم ستكون لك شخصية مختلفة، وفي كل سنة ستنسلخ من جلدك وترتدي جلدا آخر فإن أصبت بانفصام الشخصية فلا تلومن إلا نفسك!


 وذلك لأنك متيم برضا الناس مهووس بإعجابهم، حريص على اتباع آرائهم، فإن أثنى عليك الآخرون ومدحوك شعرت بالسعادة والفخر بنفسك، وإن انتقدوك ووجهوا لك ملاحظة قاسية شعرت أن العالم يتهاوى من حولك، وبأنك إنسان تافه لا قيمة له لذلك أنت ينطبق عليك المثل الذي يقول "كلمة توديه وكلمة تجيبه"، وأنك ممن يطيرون "بالعجة"

لأنك ببساطة تسمح للناس بالتدخل في قراراتك المصيرية وحياتك الزوجية والأسرية والمشاركة في تقييم أهدافك وتطلعاتك، فأنت جعلت من حياتك مجرد بوصلة تشير لرضا الناس وإعجابهم، وهذا الاتجاه غير معترف به في خريطة العقلاء، الذين يرفضون التبعية والانقياد حتى وإن صنفوا عالمياً ضمن رعايا العالم الثالث!

أما إن كنت غير معترف بهذه القاعدة بها فأبشر (بسعة الصدر) والنجاح والفلاح وتحقيق الأهداف في حياتك - بإذن الله - لا لأنك تضرب بالآراء السلبية للآخرين عرض الحائط.


إنما لأنك ترفض أن يكون عقلك "مجرد عارية" يقترضونها منك متى شاءوا ويعيدونها إليك متى شاءوا.. لأنك ترفض أن تكون حياتك مسرحية هزلية تتعالى فيها ضحكات الجمهور وقهقهاته ثم يمضي الوقت ويسدل الستار ويتفرق الجمع وينسون ما شاهدوه مثلما نسوا أكداس نفاياتهم خلفهم حين انتهى العرض.. لأنك ترفض أن تكون دمية خشبية يحركونها بأسلاك مشدودة فتتحرك أطرافها بكل اتجاه لتفعل ما يريدونها أن تفعله دونما إرادة أو تفكير.. أنت ترفض كل ذلك لأنك إنسان منحك الله عقلاً ورؤية وطريقاً واضحاً، وتعلم في داخلك جيداً أن قاعدة جحا لا تصنع ناجحين، بل تؤسّس فاشلين وبامتياز!

ولم أجد أصدق من هذه الأبيات تصور قاعدة جحا تصويراً مبدعاً:

ضحكت فقالوا ألا تحتشمْ

بكيت فقالوا ألا تبتسم

بسمت فقالوا يرائي بها

عبست فقالوا بدا ما كتم

صمتُّ فقالوا كليل اللسان

نطقتُ فقالوا كثير الكلمْ

حلمتُ فقالوا صنيع الجبان

ولو كان مقتدراً لانتقم

بسلتُ فقالوا لطيشٍ به

وما كان مجترئاً لو حكم

يقولون: شذَّ إذا قلت لا

وإمعة حين وافقتهم

فأيقنت أني مهما أردت

رضا الناس لا بد من أن أُذم

إن كل إنسان يطمح إلى النجاح في حياته يجب عليه أن يرمي قاعدة جحا وراء ظهره، ويمضي قدما نحو الأمام، لأنه يعلم أن القوافل لم تتوقف يوما بسبب نباح تعالت أصواته في سكون الليل!


الكاتب :- سلوى العضيدان

منقول للفائدة

0 التعليقات :

إرسال تعليق