يعد التنظيم المالي واحداً من الالتزامات الأساسية التي تقع على كاهل أي حكومة، ولا يمكن لأي كائن من كان على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية تجريد الحكومة من هذا الحق، ومن المتوقع أن يتحول تعزيز الرقابة على البنوك الأمريكية إلى قانون نافذ في المستقبل القريب.
أما السياسة النقدية على الجانب الآخر، فهي شيء قد يحلو لنا نسيانه أو تجاهله، وإذا ما أقدم مجلس الاحتياطي الفيدرالي على رفع أسعار الفائدة في أي وقت، فإنه سيصيب الانتعاش الاقتصادي الوليد في مقتل، وإذا ما قام مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشراء الأصول البنكية عديمة القيمة أو التلاعب «بأسعار فائدة سلبية»، عندئذٍ سنشهد تعثر الدولار وغرقه بسرعة مثل رمي حجر في بئر.
وأخيراً، هناك مشكلة السياسة المالية، وينقسم رأي الاقتصاديين الأمريكيين في المعسكرات المتحاربة بشكل واضح، فهناك فئة تطالب بزيادة الإنفاق العام، بينما يرى البعض الآخر أنه يجب على الحكومة خفض مخلفات الإسراف والدين العام غير المدفوع.
وقد لا يكون لرأيي أي أهمية في هذا الوقت، لكنني أعتقد أن إصلاح «الصناعة المالية» في الولايات المتحدة قد بات ضرباً من ضروب المستحيل، لأنها ببساطة ليست صناعة بالمعنى الحقيقي، ومثلما هي حال الحكومة نفسها، فإن البنوك لا توفر للمتعاملين معها سلعاً مادية ملموسة، أي أنه لا يوجد لديها أفران أو مصانع أو آبار نفط أو مخزون من السلع للبيع أو حتى أموال ثابتة تحتفظ بها في مكان ما، لكن ما تمتلكه هذه البنوك لا يعدو كونه استحقاقات للتدفقات النقدية المستقبلية ووعوداً تلزم نفسها بها من خلالها بإعادة الأموال التي تحصل عليها من المودعين.
وتبدو تلك الاستحقاقات والوعود أبعد ما تكون عن الصفة الحقيقية في الوقت الراهن وأكثر من أي وقت سابق، ويرجع ذلك بشكل جزئي إلى أن البنوك لم تعد تمارس نشاط الإقراض، «وهو ما يخلق الائتمان»، ويستمر انخفاض قيمة المنازل الأمريكية والتدفقات النقدية من العقارات التجارية، في حين نرى البطالة وقت وصلت إلى مستويات مرتفعة، كما استنفذت إعانات البطالة على مستوى الولايات، وأصبح تسريح عمال القطاع العام في الدولة وتعثر صناديق المعاشات أمراً محتملاً، وعمدت البنوك التي لم تعد قادرة على تحقيق أرباح من خلال عملها التقليدي بالإقراض ودفع الفائدة للمودعين والمستثمرين إلى ابتكار منتج جديد يمكنها بيعه لبعضها بعضاً، ليبدو ذلك قريباً من رهانات الكازينوهات إزاء احتمال العجز عن السداد.
ودخلنا عالماً من الخدمات المصرفية الخيالية قد يكون من الصعب علينا الفكاك من براثنه، وللدلالة على ذلك، سنقدم تالياً مجموعة من التعليقات التي وردت على ألسنة مجموعة من الخبراء.
«لقد فشلت المنهجية الكاملة للإصلاح المالي في التعامل مع المشكلات الأساسية التي أدت إلى ظهور الأزمة في المقام الأول، ويجب علينا إدراك أن مقايضة العجز عن سداد الائتمان والتزامات الدين المضمون، وما إلى ذلك، كلها تعد مكونات أساسية لنظام متكامل، وهو ما يسمى (نظام الظل للخدمات المصرفية) الذي كان يقع في قلب الأزمة، وإذا كان يتعين علينا تطبيق نهج مثالي، يجب علينا قبل كل شيء التخلص تماماً من المنتجات التي تحمل خطورة ممنهجة، ومنها عمليات مقايضة العجز عن سداد الائتمان، لأنها لا تخدم أي مصلحة عامة، لكن تطبيق نهج من هذا النوع يعد مستحيلاً في العالم الواقعي، فقد فتح (صندق باندورا) الممتلئ بكافة أنواع شرور البشرية من جشع وطمع وغرور وكذب، ولا يمكن لأي شخص أن يقوم بإغلاقه مرة أخرى». (مارشال أورباك)
«إن المشكلة الأساسية في مشروع قانون الإصلاح المالي أنه لم يمنع ظهور تبعات الأزمة الحالية، ولن يحول دون ظهور أزمات مماثلة في المستقبل، لأنه لا يعالج السبب الذي عانى منه العالم مرات عدة، وهو ما يؤدي إلى زيادة الأزمات، وأسهم شراب الساحرات الذي كان يشمل التحرر من القيود ورفع المراقبة والثقوب السود التنظيمية والمسؤولين التنفيذيين السيئين والتعويض المهني، في خلق بيئة إجرامية على نطاق واسع، وينتج عنها أوبئة الاحتيال في السيطرة على المحاسبة التي تفرط في تضخيم الفقاعات المالية، وتكون سبباً في خلق الأزمات الاقتصادية». (بيل بلاك)
«إن الصناعة المالية بالشكل الذي تتكون منه في الوقت الراهن تفرض تهديداً على الجمهور من عامة الناس، وإذا ما تبين أن هناك خللاً غريباً مشتركاً يعني أن جميع السيارات المصنعة ستنفجر وتتحول إلى كتل من اللهب كل سبع سنوات، فلن يكون من المقبول بالنسبة إلى شركات السيارات أن تقول (حسناً، لو طلبتم منا حل المشكلة، فإن العائد على الأسهم لن يكون مقبولاً)، وعند ذلك سيرى الجميع أن الحجة التي قدمها هذا الطرف للدفاع عن نفسه غريبة تماماً، لكن صناعة الخدمات المالية التي تتبع المنطق ذاته تحصل على الضوء الأخضر لإقرار رغباتها». (إيف سميث)
«تعاني الولايات من مشكلات مريعة في موازناتها، ما يؤدي إلى تبعات قاتلة بالنسبة إلى النمو، في وقت تحاول فيه الحكومة الفيدرالية تقليص اعتماد الاقتصاد على سنتين من الدعم غير العادي. وفي مطلع شهر يناير، ستجف أموال برنامج التحفيز الاقتصادي الفيدرالي الذي رصد له 787 مليار دولار، وساعدت هذه الأموال القادمة من واشنطن العاصمة على توفير الدعم لموازنات الولايات لتعويضها عن جانب من الخسائر التي لحقت بها بسبب انخفاض الإيرادات الضريبية، ولن يتمكن قادة الولايات من اجتياز تلك الدورة بالطريقة نفسها التي كانت تحدث في الماضي، لأن الثقوب الموجودة في هيكل الموازنة كبيرة جداً. وللمرة الأولى منذ العام 1962، تنخفض إيرادات ضريبة المبيعات والدخل على مدى عام وربع العام بشكل متواصل، بداية من شهر ديسمبر من العام 2009». مؤسسة «بلومبيرغ»
«واشنطن - قامت الجهات التشريعية يوم الجمعة الماضي بإغلاق عدد من البنوك في ولايات فلوريدا وجورجيا ونيومكسيكو، وبذلك يرتفع عدد البنوك الأمريكية المتعثرة خلال هذا العام إلى 86 بنكاً». ( خبر منقول عن وكالة «أسوشييتد برس»)
«في ظل المشكلات التي ظهرت في القطاع العقاري التجاري، والصعوبات التي تواجه قروض المنازل المستمرة، بات من المتوقع أن يواجه العديد من البنوك الأخرى ضغوطاً متزايدة قد تؤدي إلى انهيارها». (ووتر جيه ميكس)
«هناك 775 بنكاً تمتلك أصولاً يصل حجمها إلى 431 مليار دولار، وتقع ضمن القائمة السرية لمؤسسة التأمين الفيدرالية لأبرز الدائنين الذين يعانون مشكلات في نهاية الربع الأول من العام الجاري». (بلومبيرغ)
«يستمر تراجع الائتمان البنكي، وتتجه القيمة العادلة نحو الجنوب (أي نحو الأسفل). وهذه هي علامات الانكماش، لكنها تحكي بشكل جماعي قصة فشل جهود الإنعاش التي يبذلها محافظو البنوك المركزية في العالم، وتكاد جميع الظروف التي يمكن للشخص أن يتوقع رؤيتها في ظل الانكماش تظهر مرة أخرى، ولا يزال الناتج المحلي الإجمالي إيجابياً، لكن ذلك يعود فقط إلى القدر الكبير من الإنفاق الحكومي الذي يظهر الآن بشكل واضح للغاية. ويعاني القطاع الخاص من حالة فوضى فعلية، ويلاحظ تقهقر النشاط في قطاع الإسكان بصورة جلية». (مايكل شيدلوك)
«لا يوجد أدنى احتمال يرجح عودة 8 ملايين وظيفة فقدتها السوق في الولايات خلال فترة الكساد العظيم التي ضربت الأسواق». (جو بايدن)
«لقد أعرب الاقتصاديون والخبراء الاستراتيجيون في منتدى (فورتشون) العالمي عن قلقهم من أن الأسواق أظهرت إشارات تحذيرية واضحة من اتساع وعمق الأزمة الأخيرة. ويقول كين كورتيس من مؤسسة (ثيمس إنفستمنت مانيجمنت)، إنه سيندهش جداً إذا لم تنخفض الأسواق بشكل كبير على مدى عام واحد من الآن، ويأتي هذا في الوقت الذي حذر فيه عالم الاقتصاد البيروفي هيرناندو دي سوتو من أن الغموض الذي يعتري الأدوات المالية المشتقة يجعل من المستحيل تقييم الخطورة التي تسببها للاستقرار الاقتصادي». (سيكينغ ألفا)
«أعتقد أن الركود الذي حدث في العامين 2008 و2009 ومعدلات البطالة المرتفعة، قد ألحق الشلل بصندوق الضمان الاجتماعي، وإذا كان هناك أي تقصير في الإصلاح الشامل، سيكون من المتعذر الوصول بالنظام إلى المستوى الذي نرغب فيه، لا سيما أن الضرر كان كبيراً جداً». (بروس كاستنغ)
«تتجه الرعاية الصحية والرفاهية الاجتماعية إلى الإعسار بشكل أسرع مما كان متوقعاً من قبل، فقد بدأت 50 تريليون دولار من الالتزامات غير الممولة تظهر في الأفق. وفي الوقت نفسه، يناقش الكونغرس الأمريكي توسعة نطاق نظام الرعاية الصحية ليشمل أولئك الذين لا تطالهم تغطية النظام». (سايمون سميلت)
«يتوقع لهذا الاتجاه أن يقود إلى المزيد من التدهور، ولن تسير الأمور نحو الأفضل. وتمثل الموافقة الوشيكة على قانون إصلاح نظام الرعاية الصحية استمراراً لسلسلة من التشريعات التي ستزيد العجز المستقبلي والالتزامات غير الممولة تعقيداً، ولن تحد منها على الإطلاق». (بيل غروس)
«علينا أن نتخلص أولاً من الطرق المحاسبية التي تحدد قيمة المراكز بموجب السوق قبل أن تفترسنا أحياءً، كما يجب علينا أن ننقذ أنفسنا من خلال تجميد هذا النوع من الممارسات المحاسبية بشكل تام، كي نتمكن من إنقاذ ما يمكننا إنقاذه». (مارك سانشاين)
«لقد ثبت أن السوق كانت على خطأ، لذلك فإن تصحيح الأمور حسب وجهة نظر السوق هو الخطأ بعينه». (ويستكوستر)
«يريد مجلس معايير المحاسبة المالية وضع الموازنة العمومية الكاملة للبنوك وفق المعايير التي يجري اتباعها دائماً، لكنني لا أعلم كيف يمكن حدوث ذلك. إن ما أعلمه حقاً أن الدهشة تسيطر على المصرفيين، والاقتصادات الجيدة ليست معقدة للغاية مثل علم الصواريخ، كما أنها ليست بصعوبة إجراء عملية جراحية في الدماغ، وربما يكون كافياً الاعتماد على الاقتصاد حتى لو كان مرتبطاً بالخرافات، وإذا كان هناك من درس يمكننا تعلمه، يجب ألا يفرض علينا قتل الدجاجة التي تبيض ذهباً. إن الأمر بهذه البساطة». (بوب ماكتير)
«لماذا أخذت بعض المؤسسات المالية الكبيرة، مثل (جي بيه مورغان تشيس) و(غولدمان ساكس) و(سيتي غروب) وغيرها من البنوك مئات المليارات، وربما تريليونات الدولارات، لإدراجها في سجلاتها الخاصة، من أجل التعامل مع الأسهم المدعومة بالرهون العقارية من خلال قروض فقاعة الإسكان؟ لأنها تعتقد يقيناً أنه يمكنها تحميل كلفة انهيار قطاع الإسكان على الحكومة الفيدرالية ودافعي الضرائب». (جون إف ماكغوان)
«انضمت الأرجنتين في الآونة الأخيرة إلى الطائفة الموالية لمبادئ كينيز الاقتصادية التي تقول إن تركيز أوروبا على خفض العجز هو خطأ بشكل كامل، ولو كانت هناك أي جهة تعرف أي شيء عن السياسة الاقتصادية عالية المستوى، فستكون الأرجنتين بالتأكيد». (زيرو هيدج)
«إن ما تقوم به أوروبا حالياً هو انتحار مالي». (مايكل هادسون)
«في الوقت الراهن، كل دولة تعاني من معدلات الديون المرتفعة بشكل كبير ترغب في كسر الزجاج وإضعاف العملة واستخدام الصادرات لتوفير بعض الدعم لتلك الدول من أجل تعويض التأثير الانكماشي الناجم عن تخفيض التعرض للديون، ويبدو من غير المرجح أن الولايات المتحدة ستكون قادرة على ممارسة تلك اللعبة، وتزداد فرصنا في أن يتحول هذا البلد إلى مستورد صافٍ، لذلك فقد قررنا جمع الفوائض الحكومية حالياً، وتكاد تكون النتيجة الوقوع في انكماش مؤكد، وفي أحسن الأحوال إصابة الاقتصاد الياباني بالركود مع ارتفاع معدل البطالة (علماً أن الولايات المتحدة تعاني من تدني تماسك اجتماعي مقارنة باليابان) في أسوأ حالات الدوامة الانكماشية، لكن في كلتا الحالتين، تحمل سياسة التقشف بذور الفشل داخلها، وترتفع قيمة الديون المستحقة مع انخفاض الأسعار وانكماش الناتج المحلي الإجمالي، وأصبح التعثر محتملاً بشكل كبير، ومع ظهور حالات التعثر، أصبحت البنوك أكثر ضعفاً والمستثمرون أكثر حذراً، ومن الممكن أن يتسارع الركود بسهولة ويعزز قوته بشكل ذاتي». (وارين موسلر)
«بالنسبة إلى الحكومة، لا توجد خطورة العجز عن الدفع، فالحكومة تنفق الأموال وتدفع الفائدة ببساطة من خلال طبع الأرقام عبر أجهزة الكمبيوتر، عكس المدينيين في القطاع الخاص، حيث لا تكون الحكومة بحاجة إلى امتلاك السيولة النقدية في يدها، ذلك أنها تعد مصدر العملة، ولا يمكن أن تتعرض الأموال الحكومية إلى الاستنزاف». جيمس كي غالبريث
«عند إمعان النظر بهذا الجدل من جوانبه، قد يكون من الغريب حقاً أن ترى نصف العاملين في الاقتصاد ينادون بأعلى أصواتهم (أنفقوا وخذوا مزيداً من الدين، وإلا سنخسر كل شيء)، في حين أن النصف الآخر ينادي بالتقشف. وأعتقد أنه من المعقول بالنسبة إلى أي شخص خارج نطاق هذه اللعبة أن يستنتج أن النمو الاقتصادي قد انتهى بالنسبة إلى الكثيرين منا، لأنه من الواضح أن المديونية الهائلة خطيرة، وأن خفض الإنفاق الحكومي سيحد من النمو، وذلك هو الركود». (إتش دبليو رايدر)
«ربما يكون من المستحيل تحديد الآثار التي قد تترتب على جميع التشريعات الجديدة والضرائب وأسعار الفائدة وعمليات الإنقاذ الممكنة، لذلك فإن الفوضى تسود ولا يمكن لأي أحد أن يخطط أو يستثمر بثقة تامة». (ماركت آس)
«إذا قدر لك أن تقضي بعض الوقت في قسم الأدب الإنجليزي بجامعة هارفارد، سترى هناك درجة السوء التي وصلت إليها الجامعة الحديثة في التعامل مع هذا الهراء. كما يمكنك استنتاج أن هذه المعضلة تتفشى أيضاً في قسم الاقتصاد، علماً أن هؤلاء الرجال هم الذين يديرون البلاد. إننا نتخبط في هذه الأزمة منذ عامين، ولا تزال الآلية الأساسية للإقراض في البنوك غامضة حتى بالنسبة إلى رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي».
الكاتب :- مدير عام سي دبليو إس إكس للاستشارات
أما السياسة النقدية على الجانب الآخر، فهي شيء قد يحلو لنا نسيانه أو تجاهله، وإذا ما أقدم مجلس الاحتياطي الفيدرالي على رفع أسعار الفائدة في أي وقت، فإنه سيصيب الانتعاش الاقتصادي الوليد في مقتل، وإذا ما قام مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشراء الأصول البنكية عديمة القيمة أو التلاعب «بأسعار فائدة سلبية»، عندئذٍ سنشهد تعثر الدولار وغرقه بسرعة مثل رمي حجر في بئر.
وأخيراً، هناك مشكلة السياسة المالية، وينقسم رأي الاقتصاديين الأمريكيين في المعسكرات المتحاربة بشكل واضح، فهناك فئة تطالب بزيادة الإنفاق العام، بينما يرى البعض الآخر أنه يجب على الحكومة خفض مخلفات الإسراف والدين العام غير المدفوع.
وقد لا يكون لرأيي أي أهمية في هذا الوقت، لكنني أعتقد أن إصلاح «الصناعة المالية» في الولايات المتحدة قد بات ضرباً من ضروب المستحيل، لأنها ببساطة ليست صناعة بالمعنى الحقيقي، ومثلما هي حال الحكومة نفسها، فإن البنوك لا توفر للمتعاملين معها سلعاً مادية ملموسة، أي أنه لا يوجد لديها أفران أو مصانع أو آبار نفط أو مخزون من السلع للبيع أو حتى أموال ثابتة تحتفظ بها في مكان ما، لكن ما تمتلكه هذه البنوك لا يعدو كونه استحقاقات للتدفقات النقدية المستقبلية ووعوداً تلزم نفسها بها من خلالها بإعادة الأموال التي تحصل عليها من المودعين.
وتبدو تلك الاستحقاقات والوعود أبعد ما تكون عن الصفة الحقيقية في الوقت الراهن وأكثر من أي وقت سابق، ويرجع ذلك بشكل جزئي إلى أن البنوك لم تعد تمارس نشاط الإقراض، «وهو ما يخلق الائتمان»، ويستمر انخفاض قيمة المنازل الأمريكية والتدفقات النقدية من العقارات التجارية، في حين نرى البطالة وقت وصلت إلى مستويات مرتفعة، كما استنفذت إعانات البطالة على مستوى الولايات، وأصبح تسريح عمال القطاع العام في الدولة وتعثر صناديق المعاشات أمراً محتملاً، وعمدت البنوك التي لم تعد قادرة على تحقيق أرباح من خلال عملها التقليدي بالإقراض ودفع الفائدة للمودعين والمستثمرين إلى ابتكار منتج جديد يمكنها بيعه لبعضها بعضاً، ليبدو ذلك قريباً من رهانات الكازينوهات إزاء احتمال العجز عن السداد.
ودخلنا عالماً من الخدمات المصرفية الخيالية قد يكون من الصعب علينا الفكاك من براثنه، وللدلالة على ذلك، سنقدم تالياً مجموعة من التعليقات التي وردت على ألسنة مجموعة من الخبراء.
«لقد فشلت المنهجية الكاملة للإصلاح المالي في التعامل مع المشكلات الأساسية التي أدت إلى ظهور الأزمة في المقام الأول، ويجب علينا إدراك أن مقايضة العجز عن سداد الائتمان والتزامات الدين المضمون، وما إلى ذلك، كلها تعد مكونات أساسية لنظام متكامل، وهو ما يسمى (نظام الظل للخدمات المصرفية) الذي كان يقع في قلب الأزمة، وإذا كان يتعين علينا تطبيق نهج مثالي، يجب علينا قبل كل شيء التخلص تماماً من المنتجات التي تحمل خطورة ممنهجة، ومنها عمليات مقايضة العجز عن سداد الائتمان، لأنها لا تخدم أي مصلحة عامة، لكن تطبيق نهج من هذا النوع يعد مستحيلاً في العالم الواقعي، فقد فتح (صندق باندورا) الممتلئ بكافة أنواع شرور البشرية من جشع وطمع وغرور وكذب، ولا يمكن لأي شخص أن يقوم بإغلاقه مرة أخرى». (مارشال أورباك)
«إن المشكلة الأساسية في مشروع قانون الإصلاح المالي أنه لم يمنع ظهور تبعات الأزمة الحالية، ولن يحول دون ظهور أزمات مماثلة في المستقبل، لأنه لا يعالج السبب الذي عانى منه العالم مرات عدة، وهو ما يؤدي إلى زيادة الأزمات، وأسهم شراب الساحرات الذي كان يشمل التحرر من القيود ورفع المراقبة والثقوب السود التنظيمية والمسؤولين التنفيذيين السيئين والتعويض المهني، في خلق بيئة إجرامية على نطاق واسع، وينتج عنها أوبئة الاحتيال في السيطرة على المحاسبة التي تفرط في تضخيم الفقاعات المالية، وتكون سبباً في خلق الأزمات الاقتصادية». (بيل بلاك)
«إن الصناعة المالية بالشكل الذي تتكون منه في الوقت الراهن تفرض تهديداً على الجمهور من عامة الناس، وإذا ما تبين أن هناك خللاً غريباً مشتركاً يعني أن جميع السيارات المصنعة ستنفجر وتتحول إلى كتل من اللهب كل سبع سنوات، فلن يكون من المقبول بالنسبة إلى شركات السيارات أن تقول (حسناً، لو طلبتم منا حل المشكلة، فإن العائد على الأسهم لن يكون مقبولاً)، وعند ذلك سيرى الجميع أن الحجة التي قدمها هذا الطرف للدفاع عن نفسه غريبة تماماً، لكن صناعة الخدمات المالية التي تتبع المنطق ذاته تحصل على الضوء الأخضر لإقرار رغباتها». (إيف سميث)
«تعاني الولايات من مشكلات مريعة في موازناتها، ما يؤدي إلى تبعات قاتلة بالنسبة إلى النمو، في وقت تحاول فيه الحكومة الفيدرالية تقليص اعتماد الاقتصاد على سنتين من الدعم غير العادي. وفي مطلع شهر يناير، ستجف أموال برنامج التحفيز الاقتصادي الفيدرالي الذي رصد له 787 مليار دولار، وساعدت هذه الأموال القادمة من واشنطن العاصمة على توفير الدعم لموازنات الولايات لتعويضها عن جانب من الخسائر التي لحقت بها بسبب انخفاض الإيرادات الضريبية، ولن يتمكن قادة الولايات من اجتياز تلك الدورة بالطريقة نفسها التي كانت تحدث في الماضي، لأن الثقوب الموجودة في هيكل الموازنة كبيرة جداً. وللمرة الأولى منذ العام 1962، تنخفض إيرادات ضريبة المبيعات والدخل على مدى عام وربع العام بشكل متواصل، بداية من شهر ديسمبر من العام 2009». مؤسسة «بلومبيرغ»
«واشنطن - قامت الجهات التشريعية يوم الجمعة الماضي بإغلاق عدد من البنوك في ولايات فلوريدا وجورجيا ونيومكسيكو، وبذلك يرتفع عدد البنوك الأمريكية المتعثرة خلال هذا العام إلى 86 بنكاً». ( خبر منقول عن وكالة «أسوشييتد برس»)
«في ظل المشكلات التي ظهرت في القطاع العقاري التجاري، والصعوبات التي تواجه قروض المنازل المستمرة، بات من المتوقع أن يواجه العديد من البنوك الأخرى ضغوطاً متزايدة قد تؤدي إلى انهيارها». (ووتر جيه ميكس)
«هناك 775 بنكاً تمتلك أصولاً يصل حجمها إلى 431 مليار دولار، وتقع ضمن القائمة السرية لمؤسسة التأمين الفيدرالية لأبرز الدائنين الذين يعانون مشكلات في نهاية الربع الأول من العام الجاري». (بلومبيرغ)
«يستمر تراجع الائتمان البنكي، وتتجه القيمة العادلة نحو الجنوب (أي نحو الأسفل). وهذه هي علامات الانكماش، لكنها تحكي بشكل جماعي قصة فشل جهود الإنعاش التي يبذلها محافظو البنوك المركزية في العالم، وتكاد جميع الظروف التي يمكن للشخص أن يتوقع رؤيتها في ظل الانكماش تظهر مرة أخرى، ولا يزال الناتج المحلي الإجمالي إيجابياً، لكن ذلك يعود فقط إلى القدر الكبير من الإنفاق الحكومي الذي يظهر الآن بشكل واضح للغاية. ويعاني القطاع الخاص من حالة فوضى فعلية، ويلاحظ تقهقر النشاط في قطاع الإسكان بصورة جلية». (مايكل شيدلوك)
«لا يوجد أدنى احتمال يرجح عودة 8 ملايين وظيفة فقدتها السوق في الولايات خلال فترة الكساد العظيم التي ضربت الأسواق». (جو بايدن)
«لقد أعرب الاقتصاديون والخبراء الاستراتيجيون في منتدى (فورتشون) العالمي عن قلقهم من أن الأسواق أظهرت إشارات تحذيرية واضحة من اتساع وعمق الأزمة الأخيرة. ويقول كين كورتيس من مؤسسة (ثيمس إنفستمنت مانيجمنت)، إنه سيندهش جداً إذا لم تنخفض الأسواق بشكل كبير على مدى عام واحد من الآن، ويأتي هذا في الوقت الذي حذر فيه عالم الاقتصاد البيروفي هيرناندو دي سوتو من أن الغموض الذي يعتري الأدوات المالية المشتقة يجعل من المستحيل تقييم الخطورة التي تسببها للاستقرار الاقتصادي». (سيكينغ ألفا)
«أعتقد أن الركود الذي حدث في العامين 2008 و2009 ومعدلات البطالة المرتفعة، قد ألحق الشلل بصندوق الضمان الاجتماعي، وإذا كان هناك أي تقصير في الإصلاح الشامل، سيكون من المتعذر الوصول بالنظام إلى المستوى الذي نرغب فيه، لا سيما أن الضرر كان كبيراً جداً». (بروس كاستنغ)
«تتجه الرعاية الصحية والرفاهية الاجتماعية إلى الإعسار بشكل أسرع مما كان متوقعاً من قبل، فقد بدأت 50 تريليون دولار من الالتزامات غير الممولة تظهر في الأفق. وفي الوقت نفسه، يناقش الكونغرس الأمريكي توسعة نطاق نظام الرعاية الصحية ليشمل أولئك الذين لا تطالهم تغطية النظام». (سايمون سميلت)
«يتوقع لهذا الاتجاه أن يقود إلى المزيد من التدهور، ولن تسير الأمور نحو الأفضل. وتمثل الموافقة الوشيكة على قانون إصلاح نظام الرعاية الصحية استمراراً لسلسلة من التشريعات التي ستزيد العجز المستقبلي والالتزامات غير الممولة تعقيداً، ولن تحد منها على الإطلاق». (بيل غروس)
«علينا أن نتخلص أولاً من الطرق المحاسبية التي تحدد قيمة المراكز بموجب السوق قبل أن تفترسنا أحياءً، كما يجب علينا أن ننقذ أنفسنا من خلال تجميد هذا النوع من الممارسات المحاسبية بشكل تام، كي نتمكن من إنقاذ ما يمكننا إنقاذه». (مارك سانشاين)
«لقد ثبت أن السوق كانت على خطأ، لذلك فإن تصحيح الأمور حسب وجهة نظر السوق هو الخطأ بعينه». (ويستكوستر)
«يريد مجلس معايير المحاسبة المالية وضع الموازنة العمومية الكاملة للبنوك وفق المعايير التي يجري اتباعها دائماً، لكنني لا أعلم كيف يمكن حدوث ذلك. إن ما أعلمه حقاً أن الدهشة تسيطر على المصرفيين، والاقتصادات الجيدة ليست معقدة للغاية مثل علم الصواريخ، كما أنها ليست بصعوبة إجراء عملية جراحية في الدماغ، وربما يكون كافياً الاعتماد على الاقتصاد حتى لو كان مرتبطاً بالخرافات، وإذا كان هناك من درس يمكننا تعلمه، يجب ألا يفرض علينا قتل الدجاجة التي تبيض ذهباً. إن الأمر بهذه البساطة». (بوب ماكتير)
«لماذا أخذت بعض المؤسسات المالية الكبيرة، مثل (جي بيه مورغان تشيس) و(غولدمان ساكس) و(سيتي غروب) وغيرها من البنوك مئات المليارات، وربما تريليونات الدولارات، لإدراجها في سجلاتها الخاصة، من أجل التعامل مع الأسهم المدعومة بالرهون العقارية من خلال قروض فقاعة الإسكان؟ لأنها تعتقد يقيناً أنه يمكنها تحميل كلفة انهيار قطاع الإسكان على الحكومة الفيدرالية ودافعي الضرائب». (جون إف ماكغوان)
«انضمت الأرجنتين في الآونة الأخيرة إلى الطائفة الموالية لمبادئ كينيز الاقتصادية التي تقول إن تركيز أوروبا على خفض العجز هو خطأ بشكل كامل، ولو كانت هناك أي جهة تعرف أي شيء عن السياسة الاقتصادية عالية المستوى، فستكون الأرجنتين بالتأكيد». (زيرو هيدج)
«إن ما تقوم به أوروبا حالياً هو انتحار مالي». (مايكل هادسون)
«في الوقت الراهن، كل دولة تعاني من معدلات الديون المرتفعة بشكل كبير ترغب في كسر الزجاج وإضعاف العملة واستخدام الصادرات لتوفير بعض الدعم لتلك الدول من أجل تعويض التأثير الانكماشي الناجم عن تخفيض التعرض للديون، ويبدو من غير المرجح أن الولايات المتحدة ستكون قادرة على ممارسة تلك اللعبة، وتزداد فرصنا في أن يتحول هذا البلد إلى مستورد صافٍ، لذلك فقد قررنا جمع الفوائض الحكومية حالياً، وتكاد تكون النتيجة الوقوع في انكماش مؤكد، وفي أحسن الأحوال إصابة الاقتصاد الياباني بالركود مع ارتفاع معدل البطالة (علماً أن الولايات المتحدة تعاني من تدني تماسك اجتماعي مقارنة باليابان) في أسوأ حالات الدوامة الانكماشية، لكن في كلتا الحالتين، تحمل سياسة التقشف بذور الفشل داخلها، وترتفع قيمة الديون المستحقة مع انخفاض الأسعار وانكماش الناتج المحلي الإجمالي، وأصبح التعثر محتملاً بشكل كبير، ومع ظهور حالات التعثر، أصبحت البنوك أكثر ضعفاً والمستثمرون أكثر حذراً، ومن الممكن أن يتسارع الركود بسهولة ويعزز قوته بشكل ذاتي». (وارين موسلر)
«بالنسبة إلى الحكومة، لا توجد خطورة العجز عن الدفع، فالحكومة تنفق الأموال وتدفع الفائدة ببساطة من خلال طبع الأرقام عبر أجهزة الكمبيوتر، عكس المدينيين في القطاع الخاص، حيث لا تكون الحكومة بحاجة إلى امتلاك السيولة النقدية في يدها، ذلك أنها تعد مصدر العملة، ولا يمكن أن تتعرض الأموال الحكومية إلى الاستنزاف». جيمس كي غالبريث
«عند إمعان النظر بهذا الجدل من جوانبه، قد يكون من الغريب حقاً أن ترى نصف العاملين في الاقتصاد ينادون بأعلى أصواتهم (أنفقوا وخذوا مزيداً من الدين، وإلا سنخسر كل شيء)، في حين أن النصف الآخر ينادي بالتقشف. وأعتقد أنه من المعقول بالنسبة إلى أي شخص خارج نطاق هذه اللعبة أن يستنتج أن النمو الاقتصادي قد انتهى بالنسبة إلى الكثيرين منا، لأنه من الواضح أن المديونية الهائلة خطيرة، وأن خفض الإنفاق الحكومي سيحد من النمو، وذلك هو الركود». (إتش دبليو رايدر)
«ربما يكون من المستحيل تحديد الآثار التي قد تترتب على جميع التشريعات الجديدة والضرائب وأسعار الفائدة وعمليات الإنقاذ الممكنة، لذلك فإن الفوضى تسود ولا يمكن لأي أحد أن يخطط أو يستثمر بثقة تامة». (ماركت آس)
«إذا قدر لك أن تقضي بعض الوقت في قسم الأدب الإنجليزي بجامعة هارفارد، سترى هناك درجة السوء التي وصلت إليها الجامعة الحديثة في التعامل مع هذا الهراء. كما يمكنك استنتاج أن هذه المعضلة تتفشى أيضاً في قسم الاقتصاد، علماً أن هؤلاء الرجال هم الذين يديرون البلاد. إننا نتخبط في هذه الأزمة منذ عامين، ولا تزال الآلية الأساسية للإقراض في البنوك غامضة حتى بالنسبة إلى رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي».
الكاتب :- مدير عام سي دبليو إس إكس للاستشارات
0 التعليقات :
إرسال تعليق