كتب هذا المقال في العام 1998، لكنه أهميته تبرز اليوم أكثر من أي وقت مضى.
يعني مصطلح «رأس المال» ما تشتمل عليه المصانع والمعدات المستخدمة فيها.
وعندما تستدعي الحاجة إلى قطع قضيب من الفولاذ إلى نصفين، أو حفر نفق عبر جبل، لا يمكن لصناديق التحوط والديون السيادية ومحافظي البنوك المركزية ومقالات الصحف في العالم كله أن تفعل شيئاً من ذلك.
وقبل أن نتمكن من مقايضة العملات الورقية والمشتقات المالية، ينبغي على شخص ما أن يتناول مطرقة رأس المال ليضرب بها رأس المال بشكل دقيق، حتى يتمكن من إنجاز العمل المطلوب.
وسواء كان رأس المال في هذا السيناريو هو عبارة فرشاة للصبغ، أو مصنع للبتروكيماويات، أو منصة نفطية، أو روبوتات للحام الأنابيب، أو مصانع للصلب التي تجعل من الممكن استغلال المواد الخام الخطيرة وعديمة الفائدة والوصول إليها لتحويلها إلى منتجات مفيدة، فإن الطاقة الإنتاجية للاستثمارات الملموسة التي تكون على شكل مصنع أو معدات صناعية، هي أساس الرأسمالية بالمعنى الحرفي، لكن هذا المفهوم طواه النسيان إلى حد كبير.
وقبل أن تتمكن من الحصول على السوق، يتعين عليك أن توفر السلع. ولا يمكن التعامل مع قطع الورق والضرائب على أنها سلع، بل هي مجرد مطالبات للحصول على السلع. وعندما نتحدث عن السلع المادية الفعلية، يمكننا حصرها في قائمة تشتمل على الغذاء والكساء والمأوى والطاقة، التي تساعدنا على الدفء في فصل الشتاء والبرودة في فصل الصيف، إضافة إلى المياه النظيفة والنقل والطب والصرف الصحي. إن هذه هي السلع المادية اللازمة لدعم الحياة، والتي تتمتع المجتمعات الحرة بوفرتها.
ويتعين علينا النظر إلى الرأسمالية من منظور بروليتاري بسيط، انطلاقاً من الصواميل والمسامير وبذور الحبوب. وتنظر المشاريع الحرة بعين التقدير إلى الدراسة والتصرف بحكمة والتدبير والإخلاص والذكاء وروح المبادرة والاستعداد لخوض التجارب، وتعمل كل يوم، وتكون مستعدة للعمل سواء كانت الظروف متاحة أو غير ذلك.
إن هذا هو الواقع الفعلي للعمل، سواء كان هذا العمل ماهراً أو غير ماهر، وسواء تطلب قدرات جسدية أو إمكانات عقلية.
وتقوم شركات العمل الخاص بتكريم ومكافأة الإنتاجية، ويكون من مصلحتها توظيف القادرين على العمل بجد واجتهاد، والحرص على بقائهم لديها. ولا يمكن لأي رب عمل أن يعمد إلى توظيف الكسالى والمتملقين وغير الجادين.
لكن هذا الأمر لا ينطبق على الحكومة، إذ نرى أن المسؤولين السياسيين يكافئون الطرق التقليدية والأقدمية والكثير من الطقوس عديمة المعنى واللفتات الرمزية وأنصاف الحقائق والتهرب والتأخير المتعمد والأنشطة غير المجدية والمصافحات والابتسامات وعبارات الثناء الفارغة، والقلق المختلق، والولاء المطلق لخط الحزب وزعيم الحزب، والصفقات السرية والغيبة وجنون العظمة، والمشاركة في حفلات الكوكتيل من أجل تسول المال وإسداء الخدمات.
ويعد رأس المال المتمثل في المصانع والمعدات شريان الحياة وعصب مؤسسات القطاع الخاص.
ولا يتم تمويل القسم الأكبر من الاستثمارات المنتجة عن طريق ما يطلق عليه حالياً «أسواق رأس المال»، وليس من خلال العطايا الحكومية أو الإعفاءات الضريبية، لكن عن طريق الأرباح المحتجزة، أي الأرباح التي سبق لتلك الشركات أن حققتها.
وتلعب الصيانة السليمة للمصانع والمعدات أولوية حاسمة بالنسبة إلى كل مصنع أو وحدة إنتاجية أو سائق شاحنة كبيرة.
إن الحرية تعني المسؤولية، وإذا كان منافسوك يمتلكون تكنولوجيا أفضل منك، سيتمكنون حتماً من خفض تكاليفهم، وسيكون بمقدورهم كسب العملاء.
إن اقتصاد السوق الحرة هو بمثابة مدرسة في حال انعقاد دائم، يتم تعليم كل مشارك فيها فضيلة التعليم العملي.
إننا لا نستمتع دائماً عندما نتعلم طرق استخدام الأدوات الجديدة، لكن يتعين علينا اكتساب تلك المعارف حتى نبقى قادرين على البقاء في سوق العمل وخفض التكاليف.
وحتى وقت قريب جداً، كان الاتجاه العام في جميع الصناعات في مختلف حقب التاريخ الأمريكي يشهد حالة من تراجع الأسعار وارتفاع الإنتاجية. فسعر الكمبيوتر الذي أستخدمه على مكتبي حالياً يقل عن ألف دولار، لكنه يمكنه التفوق على جهاز كمبيوتر مركزي كان سعره يصل إلى مليون دولار قبل 50 عاماً.
لا شيء من هذه الأمور يمكن أن ينطبق على الحكومة، حيث نرى أن الجزء الأكبر من استثمارات الدولة لا يتم الحصول عليه من عائداتها التشغيلية أو الضرائب، ولا تكاد تغطي الرواتب ومعاشات التقاعد للعدد المتزايد باستمرار من موظفي الحكومة.
ويلاحظ أيضاً أن الاستثمارات الحكومية المتضخمة، التي غالباً ما تتم في أوقات غير مناسبة، سواء في المصانع أو المعدات التابعة لها، مثل (الأسلحة ومباني المكاتب والطرق)، يتم تمويلها فقط عن طريق سوق رأس المال التي تهتم به الحكومات، وهو مزادات السندات السيادية.
ولا يوجد هناك أي حافز أمام البيروقراطيين والمشرعين والمخططين العسكريين ومديريات التربية والتعليم في الولايات المتحدة للحفاظ على تلك المنشآت والمعدات، فالاعتماد على طرق التمويل تلك يعني انعدام المسؤولية.
وسواء كنت تنظر إلى الحكومة على أنها جهة متلقية لصدقاتنا التي ندفعها عن طيب خاطر، أو عصابة من اللصوص يجبرون دافعي الضرائب على دفع الأموال تحت تهديد السلاح، يبقى الجوهر الحقيقي لهذه الصفقة هو الاعتماد.
إن الحكومة لا تفعل شيئاً على الإطلاق، ولا تبيع أي شيء، ولا تكسب أي أموال، وتتمثل استراتيجيتها الكاملة في صياغة وتوسعة نطاق العمليات الحكومية، وتفضل القيام بالقليل مقابل الحصول على الكثير.
لقد خرجت نظم الأمن الاجتماعي والرعاية الطبية عن نطاق السيطرة، وبات هذان القطاعان يواجهان مصير القطاع الصحي الوطني نفسه في بريطانيا للأسباب الديموغرافية والتقنية ذاتها. ولا يمكننا التخلص من «هرم بونزي» لتحل مكانه أنظمة خادعة أخرى تقوم على السرقة من جيب «زيد» حتى ندفع الديون التي يستحقها «عمرو»، خصوصاًَ مع وجود طوابير من أمثال «عمرو»، وانحسار أعداد الأشخاص الذين يبدون استعداداً للعب دور «زيد» من دافعي الضرائب.
لقد باتت هذه المشكلات معروفة للقاصي والداني، ولا يوجد هناك أي حل يلوح في الأفق، سوى أن نواجه الحقائق، وأن نعترف جهاراً بأن الحكومة تقحم أنفها في كل جانب من جوانب حياتنا، وإلى درجة لم تبق لنا سوى النذر اليسير جداً من الحرية.
لقد باتت الحرية فكرة لا تحظى بالقبول الواسع، ففي شتى أنحاء العالم، نكاد نسمع أنّات المصرفيين وسماسرة الأوراق المالية المرتاعين، وهم يرددون بعبارات خافتة تحولهم إلى المعتقدات التي يؤمن بها أناتول كاليتسكي، الذي يعد أحد أهم المحللين الاقتصاديين في صحيفة «التايمز»، حيث يحاول كاليتسكي أن يؤكد لهم بثقة تامة، ونغمات أبوية حنونة، في مقال نشرته صحيفة «صنداي تايمز» فى العاشر من سبتمبر 1998، ويقول إن «الشيء المؤكد هو أن عصر أيديولوجية عدم التدخل في سلوك السوق قد يتلاشى، لكن الغريزة الكامنة في كنه الرأسمالية الخاصة وقدرة الحفاظ على ذاتها ستتعامل مع ذلك».
وهنا أرد على ذلك بالقول إن «مطرقتي ومسماري يتمتعان أيضاً بغريزة الحفاظ على الذات، حتى لو تركتهما في الخارج تحت المطر، أو لو قمت بمنحهما إلى هايتي التي تتضور جوعاً. إن هذا ما سيحدث عندما تقتبس عبارة من شخص مثل كاليتسكي، ثم تقوم بتمديدها إلى حدود التجسيم الآدمية الخارجية».
إن ما يطلق عليه كاليتسكي والكثيرون غيره من الناس عن طريق الخطأ مصطلح «الرأسمالية»، هو الخدمات المالية غير الملموسة التي يجريها الوسطاء ممن يتعاملون بالمطالبات على الثروة في تواريخ مختلفة مع شروط للدفع.
وكانت تسمى في عهد المصرفي الأمريكي الشهير جون بييربون مورغان الأنشطة المصرفية، وبسبب هذا الغبار العبثي ظنت أمريكا أنها تنساق نحو اقتصاد خدماتي أفضل صحة وأكثر سعادة. وبما أنه لا يوجد لديها أي أفران ولا مصانع ولا نفايات كيميائية سائلة، فقد أصبح اقتصادها صديقاً للبيئة بنسبة 100 بالمئة، ويخضع للديون بنسبة 2000 بالمئة.
ومثلما هو حال الحكومات التي تنظم الخدمات المالية، وتعمل على إنفاذ عقود الديون، فإن الخدمات المصرفية تعد كياناً جامداً من الطاقة الإنتاجية.
ولا يمكن لجميع البنوك والوسطاء في مؤسسة «مدينة لندن» إنتاج شطيرة من اللحم من دون الحصول على مساعدة من المزارع والمصانع وآبار النفط والمصافي ومحطات توليد الطاقة والنقل والجزارين والخبازين، وما إلى ذلك.
إنني لا أسعى هنا إلى تسجيل موقف مناوئ للأعمال المصرفية، لكن ينبغي علينا أن ننظر إلى تلك الخدمات في السياق الكامل، إذ إن مجرد التوقيع على مجموعة من الأوراق لا ينتج سلعاً نأكل منها ونشرب، كما إن الديون السيادية لا يمكنها أن تكون أفضل من دافعي الضرائب الذين ينتظر منهم إنتاج سلع مادية، في حين تزعم تلك الديون أنها قادرة على الوفاء بالتزاماتها في المستقبل.
الكاتب:- آلان فون ألتيندورف
يعني مصطلح «رأس المال» ما تشتمل عليه المصانع والمعدات المستخدمة فيها.
وعندما تستدعي الحاجة إلى قطع قضيب من الفولاذ إلى نصفين، أو حفر نفق عبر جبل، لا يمكن لصناديق التحوط والديون السيادية ومحافظي البنوك المركزية ومقالات الصحف في العالم كله أن تفعل شيئاً من ذلك.
وقبل أن نتمكن من مقايضة العملات الورقية والمشتقات المالية، ينبغي على شخص ما أن يتناول مطرقة رأس المال ليضرب بها رأس المال بشكل دقيق، حتى يتمكن من إنجاز العمل المطلوب.
وسواء كان رأس المال في هذا السيناريو هو عبارة فرشاة للصبغ، أو مصنع للبتروكيماويات، أو منصة نفطية، أو روبوتات للحام الأنابيب، أو مصانع للصلب التي تجعل من الممكن استغلال المواد الخام الخطيرة وعديمة الفائدة والوصول إليها لتحويلها إلى منتجات مفيدة، فإن الطاقة الإنتاجية للاستثمارات الملموسة التي تكون على شكل مصنع أو معدات صناعية، هي أساس الرأسمالية بالمعنى الحرفي، لكن هذا المفهوم طواه النسيان إلى حد كبير.
وقبل أن تتمكن من الحصول على السوق، يتعين عليك أن توفر السلع. ولا يمكن التعامل مع قطع الورق والضرائب على أنها سلع، بل هي مجرد مطالبات للحصول على السلع. وعندما نتحدث عن السلع المادية الفعلية، يمكننا حصرها في قائمة تشتمل على الغذاء والكساء والمأوى والطاقة، التي تساعدنا على الدفء في فصل الشتاء والبرودة في فصل الصيف، إضافة إلى المياه النظيفة والنقل والطب والصرف الصحي. إن هذه هي السلع المادية اللازمة لدعم الحياة، والتي تتمتع المجتمعات الحرة بوفرتها.
ويتعين علينا النظر إلى الرأسمالية من منظور بروليتاري بسيط، انطلاقاً من الصواميل والمسامير وبذور الحبوب. وتنظر المشاريع الحرة بعين التقدير إلى الدراسة والتصرف بحكمة والتدبير والإخلاص والذكاء وروح المبادرة والاستعداد لخوض التجارب، وتعمل كل يوم، وتكون مستعدة للعمل سواء كانت الظروف متاحة أو غير ذلك.
إن هذا هو الواقع الفعلي للعمل، سواء كان هذا العمل ماهراً أو غير ماهر، وسواء تطلب قدرات جسدية أو إمكانات عقلية.
وتقوم شركات العمل الخاص بتكريم ومكافأة الإنتاجية، ويكون من مصلحتها توظيف القادرين على العمل بجد واجتهاد، والحرص على بقائهم لديها. ولا يمكن لأي رب عمل أن يعمد إلى توظيف الكسالى والمتملقين وغير الجادين.
لكن هذا الأمر لا ينطبق على الحكومة، إذ نرى أن المسؤولين السياسيين يكافئون الطرق التقليدية والأقدمية والكثير من الطقوس عديمة المعنى واللفتات الرمزية وأنصاف الحقائق والتهرب والتأخير المتعمد والأنشطة غير المجدية والمصافحات والابتسامات وعبارات الثناء الفارغة، والقلق المختلق، والولاء المطلق لخط الحزب وزعيم الحزب، والصفقات السرية والغيبة وجنون العظمة، والمشاركة في حفلات الكوكتيل من أجل تسول المال وإسداء الخدمات.
ويعد رأس المال المتمثل في المصانع والمعدات شريان الحياة وعصب مؤسسات القطاع الخاص.
ولا يتم تمويل القسم الأكبر من الاستثمارات المنتجة عن طريق ما يطلق عليه حالياً «أسواق رأس المال»، وليس من خلال العطايا الحكومية أو الإعفاءات الضريبية، لكن عن طريق الأرباح المحتجزة، أي الأرباح التي سبق لتلك الشركات أن حققتها.
وتلعب الصيانة السليمة للمصانع والمعدات أولوية حاسمة بالنسبة إلى كل مصنع أو وحدة إنتاجية أو سائق شاحنة كبيرة.
إن الحرية تعني المسؤولية، وإذا كان منافسوك يمتلكون تكنولوجيا أفضل منك، سيتمكنون حتماً من خفض تكاليفهم، وسيكون بمقدورهم كسب العملاء.
إن اقتصاد السوق الحرة هو بمثابة مدرسة في حال انعقاد دائم، يتم تعليم كل مشارك فيها فضيلة التعليم العملي.
إننا لا نستمتع دائماً عندما نتعلم طرق استخدام الأدوات الجديدة، لكن يتعين علينا اكتساب تلك المعارف حتى نبقى قادرين على البقاء في سوق العمل وخفض التكاليف.
وحتى وقت قريب جداً، كان الاتجاه العام في جميع الصناعات في مختلف حقب التاريخ الأمريكي يشهد حالة من تراجع الأسعار وارتفاع الإنتاجية. فسعر الكمبيوتر الذي أستخدمه على مكتبي حالياً يقل عن ألف دولار، لكنه يمكنه التفوق على جهاز كمبيوتر مركزي كان سعره يصل إلى مليون دولار قبل 50 عاماً.
لا شيء من هذه الأمور يمكن أن ينطبق على الحكومة، حيث نرى أن الجزء الأكبر من استثمارات الدولة لا يتم الحصول عليه من عائداتها التشغيلية أو الضرائب، ولا تكاد تغطي الرواتب ومعاشات التقاعد للعدد المتزايد باستمرار من موظفي الحكومة.
ويلاحظ أيضاً أن الاستثمارات الحكومية المتضخمة، التي غالباً ما تتم في أوقات غير مناسبة، سواء في المصانع أو المعدات التابعة لها، مثل (الأسلحة ومباني المكاتب والطرق)، يتم تمويلها فقط عن طريق سوق رأس المال التي تهتم به الحكومات، وهو مزادات السندات السيادية.
ولا يوجد هناك أي حافز أمام البيروقراطيين والمشرعين والمخططين العسكريين ومديريات التربية والتعليم في الولايات المتحدة للحفاظ على تلك المنشآت والمعدات، فالاعتماد على طرق التمويل تلك يعني انعدام المسؤولية.
وسواء كنت تنظر إلى الحكومة على أنها جهة متلقية لصدقاتنا التي ندفعها عن طيب خاطر، أو عصابة من اللصوص يجبرون دافعي الضرائب على دفع الأموال تحت تهديد السلاح، يبقى الجوهر الحقيقي لهذه الصفقة هو الاعتماد.
إن الحكومة لا تفعل شيئاً على الإطلاق، ولا تبيع أي شيء، ولا تكسب أي أموال، وتتمثل استراتيجيتها الكاملة في صياغة وتوسعة نطاق العمليات الحكومية، وتفضل القيام بالقليل مقابل الحصول على الكثير.
لقد خرجت نظم الأمن الاجتماعي والرعاية الطبية عن نطاق السيطرة، وبات هذان القطاعان يواجهان مصير القطاع الصحي الوطني نفسه في بريطانيا للأسباب الديموغرافية والتقنية ذاتها. ولا يمكننا التخلص من «هرم بونزي» لتحل مكانه أنظمة خادعة أخرى تقوم على السرقة من جيب «زيد» حتى ندفع الديون التي يستحقها «عمرو»، خصوصاًَ مع وجود طوابير من أمثال «عمرو»، وانحسار أعداد الأشخاص الذين يبدون استعداداً للعب دور «زيد» من دافعي الضرائب.
لقد باتت هذه المشكلات معروفة للقاصي والداني، ولا يوجد هناك أي حل يلوح في الأفق، سوى أن نواجه الحقائق، وأن نعترف جهاراً بأن الحكومة تقحم أنفها في كل جانب من جوانب حياتنا، وإلى درجة لم تبق لنا سوى النذر اليسير جداً من الحرية.
لقد باتت الحرية فكرة لا تحظى بالقبول الواسع، ففي شتى أنحاء العالم، نكاد نسمع أنّات المصرفيين وسماسرة الأوراق المالية المرتاعين، وهم يرددون بعبارات خافتة تحولهم إلى المعتقدات التي يؤمن بها أناتول كاليتسكي، الذي يعد أحد أهم المحللين الاقتصاديين في صحيفة «التايمز»، حيث يحاول كاليتسكي أن يؤكد لهم بثقة تامة، ونغمات أبوية حنونة، في مقال نشرته صحيفة «صنداي تايمز» فى العاشر من سبتمبر 1998، ويقول إن «الشيء المؤكد هو أن عصر أيديولوجية عدم التدخل في سلوك السوق قد يتلاشى، لكن الغريزة الكامنة في كنه الرأسمالية الخاصة وقدرة الحفاظ على ذاتها ستتعامل مع ذلك».
وهنا أرد على ذلك بالقول إن «مطرقتي ومسماري يتمتعان أيضاً بغريزة الحفاظ على الذات، حتى لو تركتهما في الخارج تحت المطر، أو لو قمت بمنحهما إلى هايتي التي تتضور جوعاً. إن هذا ما سيحدث عندما تقتبس عبارة من شخص مثل كاليتسكي، ثم تقوم بتمديدها إلى حدود التجسيم الآدمية الخارجية».
إن ما يطلق عليه كاليتسكي والكثيرون غيره من الناس عن طريق الخطأ مصطلح «الرأسمالية»، هو الخدمات المالية غير الملموسة التي يجريها الوسطاء ممن يتعاملون بالمطالبات على الثروة في تواريخ مختلفة مع شروط للدفع.
وكانت تسمى في عهد المصرفي الأمريكي الشهير جون بييربون مورغان الأنشطة المصرفية، وبسبب هذا الغبار العبثي ظنت أمريكا أنها تنساق نحو اقتصاد خدماتي أفضل صحة وأكثر سعادة. وبما أنه لا يوجد لديها أي أفران ولا مصانع ولا نفايات كيميائية سائلة، فقد أصبح اقتصادها صديقاً للبيئة بنسبة 100 بالمئة، ويخضع للديون بنسبة 2000 بالمئة.
ومثلما هو حال الحكومات التي تنظم الخدمات المالية، وتعمل على إنفاذ عقود الديون، فإن الخدمات المصرفية تعد كياناً جامداً من الطاقة الإنتاجية.
ولا يمكن لجميع البنوك والوسطاء في مؤسسة «مدينة لندن» إنتاج شطيرة من اللحم من دون الحصول على مساعدة من المزارع والمصانع وآبار النفط والمصافي ومحطات توليد الطاقة والنقل والجزارين والخبازين، وما إلى ذلك.
إنني لا أسعى هنا إلى تسجيل موقف مناوئ للأعمال المصرفية، لكن ينبغي علينا أن ننظر إلى تلك الخدمات في السياق الكامل، إذ إن مجرد التوقيع على مجموعة من الأوراق لا ينتج سلعاً نأكل منها ونشرب، كما إن الديون السيادية لا يمكنها أن تكون أفضل من دافعي الضرائب الذين ينتظر منهم إنتاج سلع مادية، في حين تزعم تلك الديون أنها قادرة على الوفاء بالتزاماتها في المستقبل.
الكاتب:- آلان فون ألتيندورف
0 التعليقات :
إرسال تعليق