تابع جديد المدونة عبر:

تعبت في مرادها - تنمية ذاتية

حين تسمو النفس وتعز عند صاحبها، لا يعود شيء في الحياة قابلاً للمساومة، وليس صحيحاً ما يردده الناس عادة من أن لكل شخص ثمناً، يرتفع عند البعض وينخفض عند غيرهم، فثمة أنفس غير قابلة للشراء ولا معروضة للبيع، ولو بقيت مدى الحياة تدفع ثمن مواقفها بؤساً وتهميشاً وإقصاءً.

 وهي ذاتها النفوس التي تجعلها مبادئها تزهد في كل ما تراه في أيدي الآخرين، شهرة كان أو مالاً أو جاهاً، ذاك أنها اشترت ذواتها وعرفت الثمن، ووافقت عليه طائعة في أقسى ظروفها وحاجتها، فكم من كاتب أو شاعر أو فنان أو عالم عظيم في إنتاجه لا يعرفه الكثيرون، مات مهمشاً لأنه لم يشأ أن يلوّث قلمه أو علمه أو إبداعه في خدمة من لا يمثله في مبادئه وقناعاته، وكم من طامح باع الغالي رخيصاً، فكان له ما أرادت نفسه الصغيرة!

يتداول الناس قصة الثري الذي أعجب بزوجة رجل فقير، فعرض عليها أن تطلب الطلاق ليتزوجها فأبت، وحين قابلها مع زوجها، عرض عليه أن يطلقها له مقابل مبلغ ضخم ذكره، فأطرق الرجل دقائق قبل أن يجيب، ونظر إلى زوجته نظرة من يستشير حائراً، فأجابته من فورها «ما دام جوابك تأخر وفكرتَ في الأمر جاداً، فأنا التي لا تريد البقاء معك»، لقد أدركت لتوها أنها كانت تضحي من أجل من لا يستحق، فاختارت ألا تكون سلعة قابلة للتفاوض، ما أقسى ذلك الامتحان على نفس لم تحسم أمرها مع قيمها! وما أسهله حين تسمو النفس!

إن ما أثار هذا الأمر في نفسي، هو خبر وكالة الأنباء الروسية الأسبوع الجاري، عن تلك المرأة في شرق سيبيريا، التي سلمت للشرطة 500 قطعة من ألماس عثرت عليها في مصعد، بعد أن فحصتها في مكان متخصص، وتأكدت أنها من ألماس الحقيقي، ومع أن لغة الوجدان الجمعي عادة ما تربط بين الغنى والدفء، فيقولون عن الغني «إن جيبه دافئ»، وعلى الرغم من برودة ثلج سيبيريا وامتداده، فإن دفء تلك النفس الكبيرة كان كفيلاً بهزيمة كل الثلوج، وما تبعثه في الأجساد من برد، إنه المعدن الحقيقي للإنسان، الذي لا يحتكره عرق ولا لون ولا دين.

هذا هو دأب النفوس حين تكون كبيرة، إذ دائماً ما تتعب في مرادها الأجسام، كما لخص ذلك المتنبي يوماً، في أحد أكثر أبياته خلوداً.

الكاتب :-عاطف الفراية

0 التعليقات :

إرسال تعليق