تابع جديد المدونة عبر:

الصراع الإداري في الشركات أسبابه وآثاره

لا شيء يعوق ويؤخر المنشآت في القطاع الخاص من تحقيق أهدافها الاستراتيجية المرسومة وتطلعات مساهميها في الربحية والنمو ورغبة المستفيدين والمستخدمين لها في جودة الخدمات والمنتجات المقدمة، مثل الصراع الإداري الداخلي في المنشأة.

 فهذه الآفة ما إن تدخل في المنشأة إلا وتتسبب في تآكل داخلي تتشتت معه وحدة جهود العاملين في المنشأة في تحقيق النبوغ والتفوق الإداري. كما ويبث هذا الصراع الإداري متى ما وجد روح العداوة والبغضاء في المنشأة يصل في كثير من الأحيان إلى حد المقاطعة بين المنسوبين، وقد يصل الأمر إلى تكوين تكتلات وأجنحة ومراكز قوى لا تسعى إلى تحقيق أهداف المنشأة بقدر ما تسعى إلى تحقيق مصالح المنتمين لها من هذا الجناح أو ذلك.

وقد يصل الأمر في أقصى حالاته و- العياذ بالله - إلى حد ممارسة التآمر والتضليل بين أطراف الصراع تتدمر معه وحدة مشاعر العاملين وتتحطم بسببه تناغم الجهود وتتشتت معه الأفكار والأعمال، وبذلك تفشل المنشأة في تحقيق التقدم والنبوغ والازدهار. وقد يتعدى الأمر ذلك فيتراجع الأداء بحدة يصل في محصلته إلى خسائر مادية وتشويه في السمعة، وقد يبلغ في أقصاه إلى قضايا قانونية وحقوقية معقدة.

وتتعدد أسباب نشوء مثل هذه الصراعات، ويأتي في مقدمتها ضعف الإدارة العليا في المنشأة (الرئيس التنفيذي)، يتنافس بسبب ضعفه العاملون لمحاولة التأثير والاستحواذ على قراراته بما يخدم مصالح الأطراف المتنافسة. وهذا النوع من الصراع يتولد نتيجة تولي الشخص غير الكفؤ للمنصب المهم في المنِشأة.


 ويتحمل مجلس الإدارة عادة مسؤولية نشوء مثل هذا الصراع لكونه اعتمد الشخص غير المؤهل للإدارة التنفيذية للشركة. وفي بعض الأحيان تطلق الإدارة العليا عن عمد شرارة المنافسة بين الإدارات المختلفة داخل المنشأة كنوع من أنواع تحفيز الأداء العام الكلي للشركة، إلا أن الدراسات تشير إلى خطورة اعتماد مثل هذه السياسات الإدارية لما تخلفه من مشاعر عدم الثقة بين المنسوبين ومشاعر سلبية أخرى قد تؤدي إلى وضع عام يصعب تداركه على المدى البعيد.

فالأولى والأجدر اتباع سياسة التناغم والتوافق الداخلي وليس سياسة تحفيز منافسة داخلية بين الإدارات. وفي مثل هذه الحالات يتحمل الرئيس التنفيذي في المنشأة مسؤولية نشوء وعواقب مثل هذا الصراع كونه أطلق شرارتها الأولى.

وفي بعض الحالات تتولد الصراعات في المنشأة نتيجة تغيير مفاجئ في الإدارة العليا وتغيير مفاجئ في استراتيجية المنشأة دون أخذ آراء الأطراف المعنية في المنشأة (رؤساء الأقسام، المديرين، رؤساء مصانع وفروع الشركة وغيرهم)، يشعر من خلاله الأطراف بالإقصاء والخطر من التغيير، فيقاومون التغيير ولا يتفاعلون معه إيجابيا.

 ويتولد من هذه المقاومة صراع قد يؤدي إلى فشل التغيير الذي تم إحداثه وفشل الإدارة الجديدة في مهمتها. وهنا أيضا تتحمل الإدارة العليا المسؤولية لفشلها في التطمين والتواصل وأخذ الآراء من الأطراف المعنية بالتغيير.

وقد تؤدي الصراعات الإدارية في المنشأة إلى فقدان كفاءات مهمة وفعالة.


فمعظم الكفاءات لا تحبذ ولا ترغب في التواجد في منشآت ترزح تحت آفة الصراع الإداري الداخلي، وتنأى بنفسها عن الانسياق في كل ما هو سلبي وهدام وغير مهني. فالكفاءات تحبذ العمل في منشآت تتبنى التفاهم والود والنظام الواضح الملامح، كما تحبذ الكفاءات المهنية العمل تحت إدارات تنفيذية تتسم بالقوة والوضوح في فرض النظام وتتبنى المهنية في العمل والإدارة.

 فمنسوبو المنشآت التي ترزح تحت الصراعات الإدارية غالبا ما يعانون فقدان روح المبادرة، وروح التفاني، وروح الانتماء للمنشأة، وروح التفاؤل، كما يفتقدون مشاعر الثقة مع إخوانهم منسوبي المنشأة. كما أن طاقة المنسوبين الإيجابية في المنشآت التي تعاني صراعا داخليا تتحول مع الوقت إلى طاقة سلبية تتسم بالإحباط والكسل والإهمال.

إن تفادي وقوع المنشأة في خضم صراع إداري داخلي، أمر مهم وأساسي لسلامة موقفها ووضعها التنافسي العام، كما أنه أساسي لاستقطاب الكفاءات المهنية التي من خلالها يمكن تحقيق أهدافها الاستراتيجية.


 ومسؤولية ذلك تقع في الأساس على عاتق الإدارة العليا في المنشأة (مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية).

فتبني سياسة الصدق في التعامل والقوة في الحق وإيجاد قنوات للتواصل مع جميع الأطراف وتفادي تحفيز التنافس الداخلي ضمن المنشأة وغيرها من الأساليب الإدارية الاستراتيجية التي لا يسع المقام لسردها مهمة جدا في تفادي الوقوع في صراع لا تحمد عواقبه أبدا. إن تفادي مثل هذه الصراعات ليس مطلبا إداريا يحقق مصالح تجارية فقط بل هو مطلب شرعي أمر به الله ـــ سبحانه وتعالى ــــ في كتابه الكريم (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) والامتثال له منجاة في الدنيا والآخرة.


الكاتب :- زياد محمد الغامدي

0 التعليقات :

إرسال تعليق