تابع جديد المدونة عبر:

محافظ المستثمرين وصناديق التحوُّط

نظرياً، من المفترض أن تشكل استمرارية اضطراب الاقتصاد العالمي سبباً وجيهاً للاستثمار في صناديق التحوط، إذ إنها تسعى في المحصِّلة النهائية لتحقيق عائدات جيدة بغض النظر عن أحوال الأسواق، ولابد بالتالي من أن تكون جذابة في ظل البيئة الاقتصادية المتذبذبة والتي ينتابها الشك، إلا أن الكثير من المستثمرين مازالوا مترددين حول إضافة صناديق التحوط إلى محافظهم الاستثمارية، إما بسبب عدم تأكدهم من طبيعة نشاطها وأهدافها، أو لأنهم ببساطة لا يثقون بقدرتها على الوفاء بوعودها.
 
فهل هذا التردد مبرَّر؟

للإجابة عن هذا السؤال لابد أولاً من معرفة أهداف صناديق التحوط. فالصندوق لا يعدو عن كونه أداة استثمارية تستخدم شتى الاستراتيجيات لتحقيق أهداف محددة.

وتشمل صناديق التحوط تشكيلة كبيرة من أنماط الاستثمار، إلا أن الأهداف الرئيسة لمعظمها تتمثل في تحقيق عائدات استثمارية جيدة على المدى البعيد، وتقليص معدل التذبذب الإجمالي للمحفظة الاستثمارية والمحافظة على رأس المال.

إلا أنه لا توجد أي استراتيجية قادرة على تحقيق عائدات جيدة وثابتة كل شهر بمفردها، ولابد من وجود فترات تشهد فيها العائدات ضعفاً في الأداء.

ويدرك معظم المستثمرين هذه الحقيقة، إلا أن ذلك لا يمنعهم من الشعور بخيبة أمل حين يفشلون في تحقيق عائدات جيدة.

الأسهم

على الرغم من أن مؤشرات صناديق التحوط تخضع لبعض الانحياز والتشويه، ولذلك لابد من التعامل معها بحذر، إلا أننا نستطيع من خلالها مقارنة أداء صناديق التحوط مع أداء صناديق الأصول الأخرى.

وتعد الآن هذه المزايا ذات قيمة عالية للمستثمرين خصوصاً حين يكون التذبذب هو السائد.

ويواجه المستثمرون في فئات الأصول التقليدية معضلة شراء أصول تتميز بمعدلات تذبذب منخفضة نسبياً، ولكنها توفر عائدات أدنى على الأصول من تلك التي توفر عائدات أعلى ولكنها تمتاز بمعدلات تذبذب أكبر.

ومما لا شك فيه أن صناديق التحوط القادرة على تحسين العائدات وتنويع المخاطر وتقليص احتمالات الخسائر، تبدو جذابة للكثير من المستثمرين.

إلا أن الفجوة بين أداء الفئتين في صناديق التحوط، يبدو أكبر مما هو في فئات الأصول التقليدية، وهذا يعزز أهمية اختيار مدير المحافظ في اختيار الاستثمارات.

ومن المستبعد أن يكون الاستثمار في صندوق تحوط يقوم بأداء عادي اقتراحاً رابحاً، لأنه من الضروري التعرف إلى الصناديق التي تعتبر الأفضل ضمن فئتها.

ولسوء الحظ، فهذا ليس سهلاً في ظل وجود نحو 80 ألف صندوق تحوط وتشكيلة واسعة من الأنماط والاستراتيجيات.

ويواجه المستثمرون لدى اختيارهم كيفية تخصيص الأصول للاستثمار في صناديق التحوط ثلاثة خيارات رئيسة، يتمثل أولها بالاستثمار من خلال الاستعانة بصندوق يشمل صناديق التحوط، بينما يتمثل الخيار الثاني باستثمار جزء من خلال العمل مع مزود حلول استثمار لتصميم صناديق تحوط حسب احتياجات وظروف المستثمرين، في حين يتمثل الخيار الثالث بالاستثمار في صناديق تحوط من خلال مصادر وموارد خاصة بها.

إلا أن الهدف الرئيس لأي تخصيص لاستثمار في صناديق التحوط يجب أن يتمثل في معرفة الأفضل في فئتها والقادرة على تحقيق أقصى المكاسب للمحفظة الاستثمارية.

وهناك عدد من معايير الحد الأدنى التي يجب تحري وجودها في صناديق التحوط قبل أخذها جدياً في الاعتبار في محفظة استثمارية مؤسسية تدار بشكل مهني، ويعتبر المعياران التاليان أهمها:

1 - معرفة المستثمر بشكل واضح للمحفظة الاستثمارية لصندوق التحوط، بحيث يستطيع الفصل بين مقياس ألفا ومقياس بيتا من إجمالي العائدات.

2 - قدرة المستثمر على اتخاذ قرار رشيد بخصوص قدرة مدير صندوق التحوط على تحقيق عائد إيجابي حسب مقياس ألفا من الاستثمارات.

ويتضمن الخيار الأول تقدير وتفهم مكوِّنات المحفظة الاستثمارية العادية لصندوق التحوط، وفصل العائدات المرتبطة بالانكشافات المنهجية عن غيرها.

ويستطيع المستثمر من خلال التعرف إلى الانكشافات المنهجية، وتفهم تأثير تخصيص أصول للاستثمار في صندوق تحوط على إجمالي معدل مخاطر المحفظة الاستثمارية، عبر المخاطر التي يتعرض لها صندوق التحوط نفسه، وأيضاً عبر علاقته التبادلية مع سائر المخصصات للاستثمارات الأخرى.

ويتعلق المعيار التالي بالمهارة. حيث نعتقد أن هذا المعيار يشكل أهم سؤال لأن الهدف النهائي للاستثمار في صناديق التحوط يتمثل في اكتشاف إمكانية تحقيق عائد إيجابي متوقع بغض النظر عن حالة الأسواق التي يستثمر فيها الصندوق، وهو أمر ممكن فقط للمستثمرين الذين يتمتعون بمهارات تفوق المستوى المتوسط.

كما أن هذا المعيار مهم بصفة خاصة الآن، بسبب سرعة تدفق الأصول المؤسسية إلى أسواق صناديق التحوط، وتزايد التنافس على الكوادر الماهرة والأفكار المبتكرة.

الفرص المتنامية

ومهما كان الأسلوب الاستثماري الذي يقع عليه الاستثمار، سواء كان عبر مدير صندوق لصناديق التحوط أو عبر حلول مصممة حسب الحاجة أو الاستثمار المباشر، يواجه المستثمرون ساحة متقلبة الملامح بسرعة فائقة.

ويتمثل أحد التطورات المهمة التي شهدها هذا القطاع أخيراً، في هجرة الكفاءات التجارية والاستثمارية من البنوك وشركات التأمين بعد تزايد الأنظمة واللوائح التي تحكم الأنشطة الاستثمارية لهذا النوع من المؤسسات، مثل قانون «دود - فرانك» في الولايات المتحدة الأمريكية.

كما كان تدني رؤوس الأموال المتاحة لتلك المؤسسات لتخصيصها لأنشطتها الاستثمارية متدني في أعقاب الأزمة المالية العالمية للعام 2008.

وقلصت هذه التطورات قيمة ونوع المخاطر التي يرغب الكثير من البنوك بالمجازفة بتحملها، ووفرت فرصاً جيدة لصناديق التحوط لتصدر الساحة في بعض الاستراتيجيات.

ونتيجة لذلك تراجع تدفق رؤوس الأموال والتنافس متابعة الخلل في الأسواق منذ العام 2008 لاقتناص الفرص، والتي نعتقد أنها سلطت الضوء على خلل في الكفاءة وأصبحت أكثر انتشاراً، ما عزز الفرص المتاحة لصناديق التحوط.

ومن المجالات التي تستقطب الاهتمام حالياً، استراتيجيات الأصول المتعددة لأدوات الدخل الثابت.

فقد أدى نشاط الحكومات وطرحها لكميات كبيرة من سندات الخزينة، وتقلص الميزانية العمومية للبنوك بالتزامن مع اختلاف معدلات النمو والسياسات ومعدلات التضخم، إلى بيئة يسودها سوء تسعير للأوراق المالية في الكثير من الحالات، ما أسفر عن توافر فرص استثمار مربحة.

وتحدد الاستراتيجيات التي تنظر إلى السوق على النطاق العام الفرص المرتبطة بأسعار الفائدة وعائدات سندات الخزينة الحكومية في العالم، والتي تعتمد بدورها على اختلاف مكوِّنات ومؤشرات الانتعاش الاقتصادي في المناطق المختلفة (مثل الأسواق المتقدمة مقارنة بالأسواق الناشئة).

كما يؤدي اختلال الأسواق لخلق فرص للمستثمرين العالميين (كما في الولايات المتحدة الأمريكية مقارنة بأوروبا).

نعتقد أن هناك فرصاً استثمارية لا يمكن تجاهلها، تحقق عائدات كبيرة في أسواق الائتمان الأوروبية.

وقد أدى استمرار حالة الغموض والشك حول مصير أزمة الديون السيادية الأوروبية إلى سوء تسعير الأصول في منطقة اليورو، كما تواجه أسواق الدخل الثابت مزيداً من التذبذب، في الوقت الذي يحاول فيه المستثمرون تفهم تبعات البيانات الاقتصادية المتدهورة ومخاطر السياسات الخاطئة التي ينتهجها البنك المركزي الأوروبي.

وتراجعت أسواق الائتمان بشكل ملحوظ لتصل في بعض الأحيان إلى المستويات التي حققتها في العام 2009، وهو ما سمح بظهور بعض الفرص الاستثمارية الجذابة لدى النظر لكل جهة مصدرة على حدة.

وبصورة عامة، قد لا نكون في الوقت الجاري عند مستويات الخلل نفسها التي شهدتها الأسواق العام 2008 أو العام 2009، إلا أن هناك عدداً متزايداً من الفرص الجوهرية التي لا يمكن تجاهلها، خصوصاً أن عائدات الأصول المنافسة تتراجع إلى أدنى مستوياتها تاريخياً.

وأدى انخفاض مستوى نشاط البنوك وشركات التأمين ومصادر الإقراض الأخرى، بالتزامن مع امتناع مديري الاستثمار من الاستثمار، إلى اختلال التوازن بين العرض والطلب.

ونعتقد أن هذه البيئة مواتية بصفة خاصة لبعض الاستراتيجيات الاستثمارية الأطول أجلاً (كالأصول المتعثرة واستراتيجيات الاستثمار المباشر والائتمان الطويل والقصير الأجل)، ويعتبر هذا النوع من الاستراتيجيات أقل ارتباطاً بالأسواق الأخرى، كما يضيف مجموعة متنوعة من مصادر العائدات إلى المحافظ الاستثمارية المتنوعة.

وأخيراً وليس آخراً، تشهد أوساط المستثمرين الأكثر دراية تغيراً واضحاً في طريقة توزيعهم لرؤوس أموالهم، إذ إنه على الرغم من استمرار وجود اهتمام قوي بالاستراتيجيات الاستثمارية التقليدية (مثل الاستثمار الطويل/ القصير الأمد في الأسهم والائتمان الطويل/ القصير الأمد)، إلا أننا نلاحظ وجود اهتمام بالاستراتيجيات المرتبطة بالأوضاع الاقتصادية وحالات عدم التوازن الاقتصادية، أمثال الاستثمارات المتعثرة وموازنة المخاطر والسندات القابلة للتحويل.

توزيع الاستثمارات

لفت انتباهنا أخيراً لجوء عدد من المؤسسات إلى دمج استثماراتها في صناديق التحوط مع أخرى أكبر حجماً والتي تشمل الأصول التقليدية، بدل المحافظة على فئة متميزة من الاستثمارات البديلة، من خلال استخدام مدير استثمارات الأسهم الطويلة/ القصيرة الأجل ضمن إطار الصناديق في الأسهم في محفظة الاستثمار، ويظهر أن بعض المستثمرين لم يعودوا ينظرون لصناديق التحوط كفئة مستقلة من الأصول التي يجب تخصيص استثمارات ثابتة لها، وباتوا يعتبرونها أداة مرنة تتيح لهم تخفيض المخاطر الإجمالية التي تتعرض لها محافظهم.

وقد يمهد هذا التطور لبداية حقبة جديدة لصناديق التحوط، وأصبح المستثمرون يعتبرونها استثماراً أساسياً يساعدهم على الوفاء بالتزاماتهم، بعد أن كانوا ينظرون إليها كبديل يحتفظون به ضمن المحفظة على أمل تحقيق بعض العائدات الإضافية.

وتستطيع مخصصات الاستثمار في صناديق التحوط، والتي تتمتع بمواهب استثمارية، وقدرات قوية في البحث والتحليل، وبنية تحتية تشغيلية صلبة، وقدرة على توخي الدرجة المناسبة من الحذر من خلال فحص مالي وفني وقانوني، وإدارة مخاطر حذرة، وتحقيق مكاسب كبيرة للمستثمرين.

ومن المهم أن يدرك المستثمرون ذلك وهم يجهزون محافظهم لمواجهة تحديات المستقبل.



الكاتب :- فيسِنت بيريز كامارا - مدير مجموعة بلاك روك

0 التعليقات :

إرسال تعليق