تابع جديد المدونة عبر:

التعامل مع انحراف أسعار أسهم الإدراج المزدوج

الإدراج المزدوج هو تسجيل أسهم شركة في أكثر من سوق مالية، ما يتيح للمتداولين بيع وشراء أسهم الشركة في أكثر من سوق باستخدام عملات مختلفة وحسب أوقات تداول مختلفة.

كما أن الإدراج المزدوج يعزز سمعة الشركة المدرجة ويجعلها في متناول قاعدة أكبر من المتداولين، الأمر الذي له انعكاسات على رفع رأسمال الشركة واستقرار أسعار أسهمها.

 وأعلنت السوق المالية السعودية ''تداول'' الأسبوع الماضي جاهزيتها لاستقبال طلبات الإدراج المزدوج، وبالفعل تلقت ''تداول'' طلب إدراج شركة إشراق العقارية الإماراتية المدرجة حالياً في سوق أبو ظبي المالي، وربما نشاهد قريباً أول حالة إدراج مزدوج في السوق السعودية. فكيف يتم التداول في مثل هذه الأسهم، وكيف يتم تحديد سعر السهم؟ ما دور المضاربين في ذلك، وهل من ثغرات سعرية يمكن استغلالها؟

على الرغم من أن المضاربة اكتسبت سمعة سيئة في السوق السعودية بسبب بعض الممارسات الخاطئة، إلا أن المضاربة عنصر رئيس وجزء لا يتجزأ من أي سوق مالية، وكما سنرى هنا أن للمضاربين دوراً مهما في عملية إعادة التوازن عند انحراف الأسعار لشركات الإدراج المزدوج.

تصور أن شركة مدرجة أسهمها في كل من السوق السعودية وسوق أبو ظبي المالي، ويتم تداول أسهمها في الإمارات في هذه اللحظة بسعر 15 درهماً، وفي السعودية بما يعادل 14 درهماً، فهل ممكن لهذا الأمر أن يستمر؟

 هل من المفترض أن ينخفض السعر في الإمارات أم يرتفع في السعودية؟

أي السعرين هو الصحيح؟

الجواب أنه إذا كانت السوق المالية تتمتع بكفاءة عالية (راجع مقال سابق عن كفاءة السوق في هذه الصحيفة)، فإن الحالة المذكورة أعلاه لا يمكن أن تحدث إطلاقاً، وإن حدثت فلا تستمر لأكثر من ثوانِ معدودة، والسبب أن المضاربين سرعان ما يشترون الأسهم من السعودية ويبيعونها في الإمارات، فترتفع الأسهم في السعودية بسبب عمليات الشراء، وتنخفض في الإمارات بسبب عمليات البيع، إلى أن تكون الأسعار مطابقة بعضها لبعض. تسمى هذه الظاهرة بالمراجحة (أو آربيتراج) وينشأ عنها ما يسمى الربح الخالي من المخاطرة، أي الربح المضمون؛ لأن عملية الشراء والبيع تتم في وقت واحد بسعر محدد ومعلوم. من المهم ملاحظة أن عملية انحراف السعر هنا لا تعني انحراف السعر عن القيمة ''الحقيقية'' للسهم، بل انحرافه عن نفسه، حيث من المفروض أن يكون السعر واحدا في السعودية والإمارات، وإن لم يكن فعندها تنشأ فرصة لتحقيق ذلك الربح المضمون.

أما انحراف السعر عن القيمة الحقيقية فهو أمر آخر يعتمد على كفاءة السوق، التي بلا شك أنها تزداد في وجود إدراج مزدوج بسبب اتساع قاعدة المتداولين وارتفاع مستوى الإفصاح والشفافية.

هناك دراسات تمت للشركات المدرجة أسهمها بشكل مزدوج في الأسواق الأوروبية والأمريكية تبين من خلالها أن المتداولين يميلون إلى أسعار معينة عند إدخالهم لطلبات البيع والشراء، حيث يلاحظ تفضيل الأسعار المنتهية بصفر أو خمسة، فيكون الطلب للشراء بسعر 18.50 دولار أكثر حدوثاً من سعر 18.47 دولار. وهذا كذلك أمر مشاهد في السوق السعودية، حيث يوجد تمركز لأسعار الأوامر عند ريال كامل أو نصف ريال، فتجد مثلاً أسعار 20 ريالا و35.50 ريال، أكثر من غيرها.


 كما أن الوحدات السعرية المتبعة في السوق السعودية المحددة عشوائياً بـ(5 و10 و25 هللة، راجع مقال سابق بهذا الخصوص) مضرة بشكل عام وبشكل خاص مع الأسهم مزدوجة الإدراج؛ كون السوق الإماراتية تتعامل بالهللة. هذا يعني أنه في حالة أسعار الأسهم المدرجة في السعودية والإمارات، هذا الميول السعري نحو الأرقام الكاملة، إضافة إلى الخطأ في تحديد وحدات تغير أسعار الأسهم السعودية سيؤدي إلى انحراف السعر بشكل يمكن من خلاله تحقيق ربح مضمون وبشكل يخل بكفاءة السوق.

على سبيل المثال، قد يكون السهم معروضا للبيع في السعودية بسعر 15 ريالاً بينما هو مطلوب للشراء في الإمارات بسعر 15 درهماً.


هنا تجد أن المضارب أمامه شاشتان، واحدة للسوق السعودية والأخرى لسوق الإمارات، يستعرض من خلالهما الأسعار الفورية في كل سوق، ولديه حساب لدى وسيط يسمح له بالتداول في كلتا السوقين ويقدم له تخفيضات كبيرة على عمولة التداول بسبب عدد العمليات التي ينفذها بشكل يومي.

وبما أن 15 ريالا تساوي تقريباً 14.50 درهم؛ لذا يقوم المضارب بشراء السهم من السعودية بما يعادل 14.50 درهم ويبيعه فوراً في الإمارات بسعر 15 درهما، محققاً ربحاً ''مضموناً'' بنسبة 3 في المائة على الأقل في ثوان معدودة! لاحظ هنا أن المضارب لا يعنيه أي من السعرين هو الصحيح، بل أن دوره يقتصر على سد الخلل الناتج من انحراف السعر، فيعيد الاستقرار لسعر السهم ويحقق العدالة السعرية لمصلحة بقية المتعاملين.

لو لم يكن هناك مضاربين لربما جنح سعر السهم في إحدى السوقين لمناطق سعرية غير صحيحة وأوقع خسائر لبقية المتعاملين.

 لاحظ أنه لا حاجة هنا لوجود آلية البيع المسبق - أو البيع على المكشوف – التي من خلالها البيع أولاً ومن ثم الشراء فوراً؛ لأن السهم متاح في السوقين معاً للبيع والشراء، فلا فرق بين البيع أولاً أو البيع لاحقاً.

هنا أذكّر بأن المراجحة من المفترض أن تكون متاحة في السوق السعودية من خلال تداول أسهم صناديق المؤشرات (فالكوم وإتش إس بي سي أمانة)، إلا أن عملية تنظيم هذا النوع من الأسهم لم تكن موفقة حيث سمحت هيئة السوق المالية لصانع السوق بأن يجعل الفرق بين العرض والطلب يصل إلى 2 في المائة، وسمحت بانحراف يصل إلى 1 في المائة، ومنعت بشكل غير مباشر المضاربين من القيام بدورهم في استقرار السعر ورفع مستوى العدالة في تسعير هذه الصناديق، وهذه من أهم أسباب فشل هذا النوع من الأسهم في السعودية، بينما نجدها تتمتع بجاذبية عالية في الأسواق الأخرى.

ختاماً، خطوة جيدة ما تقوم به ''تداول'' من السماح بالإدراج المزدوج، الذي من فوائده أنه يضفي على الأسهم مزدوجة الإدراج عدالة أكثر وتسعيرا أفضل من الأسهم أحادية الإدراج بسبب اتساع قاعدة المشاركة في تداول السهم، بما في ذلك المستثمرون الأجانب الذين يأتون من الجانب الإماراتي.


 وقد يكون من المناسب تعديل وحدات تغير السعر في السوق السعودية إلى هللة واحدة لتتطابق مع ما هو معمول به في الأسواق الأخرى، وكذلك خفض عمولة التداول ليتمكن المضاربون من القيام بدورهم في رفع كفاءة السوق وتحقيق العدالة السعرية لجميع المتداولين.


الكاتب:- د.فهد بن عبد الله الحويماني

0 التعليقات :

إرسال تعليق