تابع جديد المدونة عبر:

خصخصة العالم ‏..‏ لعبة الأغنياء وكنز الفاسدين


كان من المفارقات اللافتة في أزمة الديون السيادية التي مازالت تعصف باليونان أنه جرت مطالبة الحكومة اليونانية بأن تخصخص بعض جزرها عبر بيعها لمن يود شراءها.
علي أن يستخدم العائد في سداد جانب من تلال الديون المتراكمة عليها والبالغة قيمتها أكثر من أربعمائة وثمانين مليار دولار‏.‏
هذه الواقعة كانت تعني أن بلدوزر الخصخصة لم يعد يكتسح فقط شركات القطاع العام ويتسبب في صعود عدد العاطلين في العالم إلي أكثر من مائتي مليون شخص في شتي أرجاء الدنيا‏,‏ وإنما صار يهدد بانتزاع التراب الوطني للدول خاصة الفقيرة منها‏.‏
بل وصار هناك من يطالب بخصخصة مياه الأنهار والبحيرات في واحدة من أشرس هجمات أصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبري المتعددة الجنسيات علي أصول الدول حتي الموارد الطبيعية منها‏.‏
هل هناك علاقة بين الخصخصة والفساد؟ وإذا كانت هناك علاقة بين الاثنين‏..‏ فما هي طبيعة تلك العلاقة؟ فهل هي علاقة ارتباطية بمعني أنه من الممكن أن تشوب الخصخصة ممارسات فاسدة علي ألا يعني ذلك أن يؤدي تبني استراتيجية الخصخصة بالضرورة إلي استشراء الفساد؟ أم أن العلاقة بين الاثنين سببية لكون الفساد كما يري البعض سمة بنيوية متأصلة في الخصخصة كممارسة اقتصادية؟
سؤال آخر ربما يسلط الضوء أكثر علي طبيعة الموضوع وهو‏:‏ إذا كان البعض يعتقد أن هيمنة الدولة علي الموارد الاقتصادية يسهم في استشراء الفساد فهل هذا يعني منطقيا أن الخصخصة هي الحل الأمثل الضروري للحد من مشكلة الفساد؟
لسنا هنا بالطبع في معرض الدفاع عن الملكية العامة لوسائل الإنتاج أو تفنيد مثالب النمط الرأسمالي في الإنتاج خاصة أن نمط الإنتاج الاشتراكي له أيضا مشكلات مع الفساد‏,‏ وإنما فقط رصد العلاقة المحتملة بين الخصخصة والفساد‏.‏
جذور الخصخصة
مصطلح الخصخصة مصطلح فضفاض بشكل كبير وهو ما يجعل عملية تحديده مسألة صعبة للغاية‏.‏ فأبسط تعريف للخصخصة ـ وهو التعريف الشائع لها والذي من الخطورة بمكان الترويج له باعتباره التعريف الأمثل ـ هذا التعريف يقول‏:‏ إن الخصخصة هي نقل أصول عامة أو خدمات عامة من الحكومة إلي القطاع الخاص‏,‏ أي بمعني آخر تحول إنتاج سلعة أو تقديم خدمة من الحكومة إلي القطاع الخاص وذلك غالبا من خلال بيع أصول مملوكة للدولة‏,‏ وباختصار فإن القاسم المشترك الأعظم لتعريفات الخصخصة تذهب إلي أنها إجراء يستلزم ضمنيا اخضاع أنشطة حكومية لقوي السوق مهما كانت تلك الأنشطة فتعاقد الحكومة مع شركة خاصة صغيرة لتتولي حراسة مبني حكومي صغير يدخل ضمن بند الخصخصة مثله في ذلك بيع منشأة حكومية عملاقة لشركة خاصة أو مجموعة شركات‏.‏
هذا المصطلح شاع استخدامه بدءا من حقبة الثمانينيات من القرن الماضي مع تنامي مايعرف بالسياسات الليبرالية الجديدة‏.‏
ففي تلك الفترة لاحت في الأفق بوادر نهاية الحرب الباردة بين القوتين الأعظم في ذلك الوقت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق‏,‏ وذلك مع تنامي مظاهر انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية‏.‏
وكانت تلك الفترة البداية الحقيقية لانقضاض الرأسمالية علي نظام دولة الرفاهية في المجتمعات الغربية‏,‏ وهو النظام الذي كان القطاع العام أحد أهم ركائزه الجوهرية‏,‏ فقد كانت الرأسمالية تعتبر نظام دولة الرفاهية صمام أمان ضد أي اضطرابات اجتماعية يمكن أن تعرقل معركة الغرب ضد الشيوعية‏,‏ أما وقد انتهت تلك المعركة أو كادت فما هو الداعي لصبر الرأسمالية علي القطاع العام والضمان الاجتماعي والرعاية الصحية؟ هكذا كان السؤال الذي طرحه منظرو الليبرالية الجديدة‏.‏
ومن هنا انطلق قطار الخصخصة في الغرب بقيادة في أعتي معقلين للرأسمالية في العالم وهما الولايات المتحدة بزعامة رونالد ريجان وفي بريطانيا بقيادة مارجريت تاتشر‏..‏ وسقطت قلاع القطاع العام في الغرب الواحد تلو الآخر تحت ضربات الشركات متعددة الجنسيات تحت دعاوي من قبيل أن الخصخصة تعني كفاءة التشغيل والمنافسة الحرة والأسعار الرخيصة والجودة الأفضل‏.‏
وبسرعة انتقلت حمي الخصخصة لدول الجنوب وصارت ركنا أساسيا في مضمون أي التزامات تفرضها المؤسسات الدولية خاصة صندوق النقد والبنك الدوليين علي الدول النامية كشرط لمساندة إصلاحاتها الاقتصادية‏.‏
أنواع الخصخصة
ورغم أن الشائع عن الخصخصة هو أنها تعني بيع القطاع العام إلا أن هذا الأمر يشكل أحد أطياف تلك النوعية من الممارسات الاقتصادية إذ أن هناك أطيافا أخري للخصخصة تتخذ أساليب متنوعة منها‏:‏
‏1‏ ـ التعاقد التنافسي
بمقتضي هذا الأسلوب تقوم الحكومة بإبرام عقد مع شركة خاصة أو منظمة غير هادفة للربح لتقديم خدمة عامة أو جانبا من خدمة عامة‏.‏
‏2‏ ـ خصخصة الإدارة
تقوم الحكومة في إطار هذا الأسلوب بالتعاقد مع شركة خاصة من أجل إدارة منشأة عامة مثل إدارة المطارات أو الموانيء أو محطات الصرف الصحي أو مياه الشرب‏.‏
‏3‏ ـ المنافسة بين القطاعين العام والخاص
يتم في إطار هذا الأسلوب إجراء منافسة بين إدارة المنشأة العامة وبين القطاع الخاص علي أن يتولي صاحب العرض الأكثر كفاءة تشغيل المنشأة العامة‏.‏
‏4‏ ـ حقوق الامتياز
ويقضي هذا الأسلوب بمنح شركة خاصة حقا احتكاريا لتقديم خدمة في منطقة جغرافية بعينها‏.‏
‏5‏ ـ الأسواق الداخلية
يقضي هذا الأسلوب بالسماح للمنشآت العامة بمنح إدارات داخلها مثل إدارة التوريدات والصيانة والتدريب استقلالية علي أن تقدم خدماتها للإدارة المركزية في منافسة علي قدم المساواة مع القطاع الخاص بمعني أن هذه الأقسام أو الإدارات الفرعية تعمل كما لو كانت وحدات أعمال مستقلة تعمل بحسابات الربح والخسارة‏.‏
‏6‏ ـ الكوبونات
ويقضي هذا الأسلوب بأن تقوم الحكومة بشراء خدمة ما من القطاع الخاص‏(‏ مثل خدمة المياه أو الكهرباء من شركات‏)‏ ثم تمنح المواطنين شهادات قابلة للتحصيل لشراء تلك الخدمة علي نحو يتيح للمستهلك الاختيار بين أكثر من شركة علي أساس الكفاءة والجودة والسعر‏.‏
‏7‏ ـ الاتجارية أو إضفاء الطابع التجاري علي النشاط العام
وتعني توقف الحكومة نهائيا عن تقديم الخدمة وتركها للقطاع الخاص‏.‏
‏8‏ ـ المساعدة الذاتية
وتعني طرح الخدمة العامة علي منظمة غير هادفة للربح مثل نقل الإشراف علي قطاعات مثل الحدائق العامة وحدائق الحيوان والمتاحف من الدولة إلي منظمات غير هادفة للربح‏.‏
‏9‏ ـ إضفاء طابع الشركات علي المنشآت العامة‏,‏ وذلك بجعل منشآت الدولة تعمل وفقا لمنطق السوق والربح والخسارة وتتصرف بوصفها منظمة أعمال تستطيع زيادة رأسمالها وتجبر علي دفع ضرائب وتركز علي تعظيم الأرباح وتحقق عائدا علي استثماراتها‏.‏
‏10‏ ـ بيع الأصول
وهو أشهر أنواع الخصخصة‏,‏ والبيع قد يكون لشركة أو عدة شركات أو لشخص واحد يعرف بالمستثمر الاستراتيجي أو للعمال وإدارة المنشأة من خلال ما يعرف بخطة تمليك الأسهم للعاملين‏.‏
‏11‏ ـ التأجير لمدة طويلة
تقوم الحكومة في هذا الأسلوب بتأجير منشآت مثل المطارات لفترات طويلة للقطاع الخاص أو ببيع المنشأة للقطاع الخاص ثم بتأجيرها منه لفترات طويلة‏.‏
‏12‏ ـ بناء وتشغيل مشروعات البنية الأساسية من جانب القطاع الخاص وهناك ثلاثة أنواع فرعية لذلك الأسلوب‏:‏
أ ـ البناء والتشغيل ونقل الملكية وهو النظام الشهير باسم نظام حق الانتفاع وتقوم فيه الحكومة بالتعاقد مع القطاع الخاص لبناء والتشغيل لحساب القطاع الخاص لفترة بعينها ثم نقل ملكية المنشأة المعنية إلي الحكومة في نهاية الأمر‏.‏
ب ـ البناء ونقل الملكية ثم التشغيل وفيه يقوم القطاع الخاص بالبناء ثم يتم نقل الملكية إلي الحكومة عند اكتمال البناء ثم يقوم القطاع الخاص بالتشغيل علي أساس عقد مع الحكومة‏.‏
ج ـ البناء والاحتفاظ بالملكية والتشغيل وفيه يحتفظ القطاع الخاص بملكية المشروع بعد بنائه له علي أن يقوم بتشغيله علي أساس عقد مع الحكومة‏.‏
بالطبع فاته يمكن الجمع بين أكثر من أسلوب حسب طبيعة النشاط الاقتصادي للمنشأة العامة وبما يتفق مع ما تعتبره الحكومة أمرا يصب في المصلحة العامة‏.‏
الفساد الفساد
أشهر تعريف للفساد هو ذلك الذي تتبناه منظمة الشفافية العالمية وهي منظمة تأخذ من مدينة برلين مقرا لها وتعني بقضايا الفساد والشفافية في العالم‏,‏ ويتولي البنك الدولي تمويل جانب من نشاطها‏.‏
هذا التعريف يقول إن الفساد هو إساءة استغلال سلطة عامة من أجل تحقيق مصلحة شخصية وهناك من يحدد ستة مظاهر للفساد وهي‏:‏
‏1‏ ـ الرشوة
‏2‏ ـ الاختلاس
‏3‏ ـ الاحتيال
‏4‏ ـ الابتزاز
‏5‏ ـ المحسوبية
‏6‏ ـ محاباة الأقارب
وهناك ما يمكن أن نسميه جذورا نظرية للعلاقة بين الفساد والخصخصة‏.‏ فدعاة الخصخصة في الشرق والغرب خصوصا منظري الليبرالية الجديدة يؤكدون أن السبب الرئيسي للفساد في المؤسسات العامة لأي دولة هو هيمنة الدولة علي النشاط الإنتاجي بالتالي علي موارد المجتمع الاقتصادية الرئيسية وأنه لو قلصنا تلك الهيمنة إلي أدني حد لها فإن هذا الأمر كفيل بالحد من الفساد ومن ثم فإن خصخصة القطاع العام تحد ـ في رأيهم ـ من الفساد وذلك للاعتبارين التاليين‏:‏
‏1‏ ـ لأن الخصخصة تقلص من حجم الموارد الاقتصادية المتاحة لدي الحكومة‏.‏
‏2‏ ـ لأنها تفتح الباب أمام المنافسة والمنافسة تعني الجودة والسعر الأقل والوفرة‏.‏
فهؤلاء المنظرون يرون أن الخصخصة تحد من التدخلات السياسية في النشاط الاقتصادي وهي التدخلات التي عادة ما تعزي إليها أوجه القصور التي تعتري أداء منشآت القطاع العام‏.‏ وباختصار فإنه منذ الثمانينيات ويجري الترويج للخصخصة بوصفها مدخلا رئيسيا للحد من الفساد في القطاع العام ولزيادة كفاءة الإنتاج كما وكيفيا‏,‏ ففي الدول المتقدمة يتم الترويج للخصخصة بوصفها جزءا
مما يعرف بإصلاح الإدارة العامة أما في الدول النامية فإنها تفرض من قبيل كونها جزءا جوهريا مما يعرف ببرامج التعديل الهيكلية‏,‏ أو برامج التقشف الاقتصادي والمالي التي تفرضها المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين‏.‏
لكن هؤلاء الذين يتبنون هذه الرؤية ربما تغيب عنهم حقيقتان جوهريتان هما‏:‏
‏1‏ ـ العلاقة المعقدة خصوصا في الدول النامية بين السياسيين والمستثمرين‏.‏
‏2‏ ـ الطبيعة الإستراتيجية للعديد من القطاعات الاقتصادية التي تجري خصخصتها‏.‏
فبالنسبة للنقطة الأولي فإن ثمة حالات كثيرة يكون فيها السياسي الذي يتخذ قرار الخصخصة أو يمضي قدما في ترتيباتها والمستثمر الذي يقتنص الصفقة هو نفس الشخص أو علي الأقل له علاقة مصلحة أو شبكة مصالح من قريب أو من بعيد تتعلق بإنجاز الصفقة بثمن يمكن المساومة عليه وهذا ما قد يفتح الباب علي مصراعيه أمام الفساد‏,‏ كما يعطي هذا الأمر فرصا لجماعات المصالح للدخول في صفقات بناء علي معلومات غير متاحة للجميع‏.‏
أما بالنسبة للنقطة الثانية‏,‏ فإن خصخصة القطاعات الإستراتيجية مثل الماء والكهرباء يغري القطاع الخاص بالتورط في ممارسات فاسدة لضمان أقصي احتكار ممكن للسوق من خلال تخفيف حدة اللوائح التي تحكم أداء القطاع بعد خصخصته‏.‏
الخصخصة وبذور الفساد
وبمعني آخر فإن الخصخصة بحكم طبيعتها البنيوية تفتح باب الفساد أمام نوعين من التواطؤ الفاسد وهما‏:‏
‏1‏ ـ التواطؤ الرأسي بين السياسيين والبيروقراطيين من ناحية والقطاع الخاص الفاسد من ناحية أخري‏.‏
‏2‏ ـ التواطؤ الأفقي بين الشركات الخاصة التي تود اقتناص صفقات من عمليات الخصخصة والتي قد تتحالف فيما بينها للتأثير علي أسعار المزادات أو المناقصات لتفادي ضخامة التكلفة أو لتعظيم الأرباح أو لتحقيق مزايا علي حساب آخرين أو لاحتكار السوق‏.‏
وهذا كله يعني أن الخصخصة تفتح الباب أمام تنامي ظاهرة الفساد وأن استخدام الخصخصة كآلية للحد من الفساد يعد أمرا مشكوكا فيه‏.‏
ولعل هذا ما دفع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام سبعة وتسعين إلي طرح تساؤلات عن دور الفساد في تقويض الأساس المنطقي الذي تستند إليه فلسفة الخصخصة وهو الأساس المتمثل في تحقيق كفاءة الأداء للوحدات الانتاجية‏.‏
ولهذا لم يكن غريبا أن تعلن منظمة كورنر هاوس وهي منظمة بريطانية غير هادفة للربح في عام الفين في تقرير لها بعنوان‏:(‏ تصدير الفساد‏..‏ الخصخصة والشركات متعددة الجنسيات والرشاوي‏)‏ أن الشركات متعددة الجنسيات تدفع رشاوي قيمتها ثمانون مليار دولار سنويا لاتمام صفقاتها بما في ذلك صفقات الخصخصة‏.‏
فخصخصة الخدمات العامة كالماء والكهرباء غالبا ما تؤدي إلي ارتفاع اسعار تلك الخدمات مع خصخصة تلك القطاعات كما أن تصاعد الضغوط علي العمال في إطار عملية الخصخصة ـ من خلال خفض الأجور وتسريح بعضهم والعقود المؤقتة ـ تجعلهم أكثر عرضة للفساد خاصة وأن المقابل هذه المرة أكبر ويكون المستهلك في هذه الحالة هو دافع الرشوة الذي يغري العامل بالتحايل كي لا يدفع فاتورة الخدمة أو السلعة كاملة‏.‏
ولعل هذا الأمر ما يدعو البعض إلي التشديد علي أن تكون هناك معايير لقياس كفاءة عملية الخصخصة وتشمل هذه المعايير الجودة والسعر والوفرة‏.‏
وهذا يعني أيضا إنه إذا افترضنا ان التدخل السياسي في النشاط الاقتصادي يؤدي إلي الفساد فإن هذا لا يعني بالضرورة أن تكون الخصخصة هي الحل الحاسم للحد من الفساد‏.‏
ففي أحيان كثيرة علي سبيل المثال حل محل احتكار الدول لقطاع استراتيجي ما احتكار القطاع الخاص للقطاع علي نحو ارتفعت معه الأسعار وتراجعت معه جودة السلعة أو الخدمة‏.‏
ولعل هذا ما دفع حتي أشد مؤيدي الخصخصة علي التشديد علي ضرورة شفافية العملية ووجود لوائح واضحة تحكمها‏.‏
فرص الفساد في مراحل عملية الخصخصة
تقول منظمة الشفافية العالمية في هذا الصدد‏,‏ إن الملابسات التي تحيط بعملية اتخاذ القرارات السياسية المتعلقة بالاستثمار في الموارد العامة لها أهمية جوهرية علي صعيد الثقة في الطريقة التي تجري بها عملية التعاقد التي تلي اتخاذ القرار‏.‏ ففي أحيان كثيرة يكون للسياسيين مصلحة شخصية في عملية الخصخصة لأنها ستجعلهم مثلا شركاء في مشروعات أو أصحاب مشروعات‏.‏
وبالتالي فإنه في هذه الحالة قد يتم اتخاذ قرار بخصخصة هذه المنشأة أو تلك بدون الأخذ في الاعتبار المصلحة العامة‏.‏ ومما يساعد في ذلك أن هذا القرار عادة ما يتخذ بدون طرحه للتصويت ومن ثم فإن هناك مخاطرة باتخاذ قرار خاطئ يؤيد الخصخصة ويصب في صالح نخبة اقتصادية أو سياسية بعينها وليس في الصالح العام‏.‏ وعادة فإنه في مثل تلك الظروف لا يشغل السياسي نفسه ببحث بدائل الخصخصة الأخري التي يمكن الاعتماد عليها للتغلب علي مشكلات القطاع العام‏.‏
ومن بين تلك الخيارات أو البدائل‏:‏
‏1‏ ـ مشاركة المجتمع المدني في عملية الخصخصة‏.‏
‏2‏ ـ تطبيق التخطيط الاستراتيجي في المؤسسات العامة لتعزيز الكفاءة‏.‏
وهذا ما يدعو إلي التأكيد علي ضرورة دراسة وتقييم السيناريوهات المختلفة لتقليص احتمالات السلوك الفاسد في البدائل المختلفة‏.‏
وعادة يحدث أنه بمجرد الانتهاء من اتخاذ القرار بشأن الخصخصة تبدأ الحكومة في دعوة القطاع الخاص إلي تقديم العروض في مناقصة أو مزايدة‏.‏ وعادة ما تتضمن تلك المناقصة أو المزايدة أمورا تتعلق بثمن الوحدات المقررة خصخصتها وأسعار الخدمة أو المنتج بعد خصخصة الوحدة‏.‏
مثل هذه المرحلة تفتح الباب أما الفساد من عدة أوجه مثل‏.‏
‏1‏ ـ التلاعب في قيمة أصول الشركات المراد خصخصتها‏.‏
‏2‏ ـ استغلال معلومات غير متاحة للجميع‏.‏
‏3‏ ـ قيام تحالفات بين شركات للضغط علي أسعار العقود ولاحتكار السوق أو لتقسيمه بعد ذلك‏(‏ التحالف الأفقي بين الشركات لتفادي المنافسة‏).‏
‏4‏ ـ التواطؤ الرأسي بين مقدمي العروض وصانعي القرار السياسي مقابل رشوة نقدية أو عينية أو بتعيين سياسيين أو بيروقراطيين في وظائف وهمية في الشركات الجديدة برواتب سخية‏.‏
‏5‏ ـ تضارب المصالح كما هو الحال في الوضع الذي يكون فيه السياسي مساهما في شركة ويريد أن تفوز تلك الشركة بالصفقة أو العقد‏.‏
هذا الفساد يهدم الأساس المنطقي لعملية تقديم العطاءات وهو الأساس المتمثل في المنافسة التي كان الهدف منها أصلا الحد من الفساد‏.‏
الفساد خلال صياغة العقود
في أحيان كثيرة تتسم عقود الخصخصة بالتعقيد الشديد والإغراق في التفاصيل ليس من قبيل توخي الدقة في الأغلب وإنما لفتح الباب أمام ممارسات فاسدة‏.‏ فتلك النوعية من العقود يجري في أحيان كثيرة تصميمها من أجل خفض التكاليف التي تتحملها الشركة أو الشركات أو المستثمر الفائز بالصفقة ولرفع الأسعار مستقبلا وللحصول علي إعفاءات ضريبية وتقليص جودة المنتج دون محاسبة والحد من أي قيود مستقبلية‏.‏
وكثيرا ما تتحدث المؤسسات الدولية عن جانب‏(‏ الطلب‏)‏ في الفساد في الدول النامية وهو الجانب الذي يقصد به المسئولون الفاسدون والمرتشون وقلما يتحدث أحد عن جانب العرض‏(‏ مقدمو الرشاوي‏).‏ وفي هذا الصدد نذكر بحجم الرشاوي التي تقدمها الشركات المتعددة الجنسيات لانجاز صفقاتها المشبوهة والتي تقدر قيمتها ـ أي قيمة تلك الرشاوي ـ بمليارات الدولارات‏.‏ الأكثر غرابة من ذلك أن دولا كبري مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا تعتبر جانبا من تلك الرشاوي عمولات يحظي جانب منها بإعفاء ضريبي‏.‏ هذا الفساد لا يؤدي فقط إلي هدم أسس الحكم الرشيد وإنما ايضا يقوض التنمية المستدامة ويكرس الفقر وعدم المساواة‏.‏ فالدائنون الغربيون وحكومات الدول النامية يتيحون للشركات المتعددة الجنسيات ان تعمل بلا حسيب علي نحو متزايد في الدول النامية‏.‏ كما أن تلك الشركات تستغل حاجة الدول النامية للاستثمارات والتكنولوجيا لتطويع ظروف الانتاج فيها كيفما تشاء‏.‏
كان من المفارقات اللافتة في أزمة الديون السيادية التي مازالت تعصف باليونان أنه جرت مطالبة الحكومة اليونانية بأن تخصخص بعض جزرها عبر بيعها لمن يود شراءها.
علي أن يستخدم العائد في سداد جانب من تلال الديون المتراكمة عليها والبالغة قيمتها أكثر من أربعمائة وثمانين مليار دولار‏.‏
هذه الواقعة كانت تعني أن بلدوزر الخصخصة لم يعد يكتسح فقط شركات القطاع العام ويتسبب في صعود عدد العاطلين في العالم إلي أكثر من مائتي مليون شخص في شتي أرجاء الدنيا‏,‏ وإنما صار يهدد بانتزاع التراب الوطني للدول خاصة الفقيرة منها‏.‏
بل وصار هناك من يطالب بخصخصة مياه الأنهار والبحيرات في واحدة من أشرس هجمات أصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبري المتعددة الجنسيات علي أصول الدول حتي الموارد الطبيعية منها‏.‏
هل هناك علاقة بين الخصخصة والفساد؟ وإذا كانت هناك علاقة بين الاثنين‏..‏ فما هي طبيعة تلك العلاقة؟ فهل هي علاقة ارتباطية بمعني أنه من الممكن أن تشوب الخصخصة ممارسات فاسدة علي ألا يعني ذلك أن يؤدي تبني استراتيجية الخصخصة بالضرورة إلي استشراء الفساد؟ أم أن العلاقة بين الاثنين سببية لكون الفساد كما يري البعض سمة بنيوية متأصلة في الخصخصة كممارسة اقتصادية؟
سؤال آخر ربما يسلط الضوء أكثر علي طبيعة الموضوع وهو‏:‏ إذا كان البعض يعتقد أن هيمنة الدولة علي الموارد الاقتصادية يسهم في استشراء الفساد فهل هذا يعني منطقيا أن الخصخصة هي الحل الأمثل الضروري للحد من مشكلة الفساد؟
لسنا هنا بالطبع في معرض الدفاع عن الملكية العامة لوسائل الإنتاج أو تفنيد مثالب النمط الرأسمالي في الإنتاج خاصة أن نمط الإنتاج الاشتراكي له أيضا مشكلات مع الفساد‏,‏ وإنما فقط رصد العلاقة المحتملة بين الخصخصة والفساد‏.‏
جذور الخصخصة
مصطلح الخصخصة مصطلح فضفاض بشكل كبير وهو ما يجعل عملية تحديده مسألة صعبة للغاية‏.‏ فأبسط تعريف للخصخصة ـ وهو التعريف الشائع لها والذي من الخطورة بمكان الترويج له باعتباره التعريف الأمثل ـ هذا التعريف يقول‏:‏ إن الخصخصة هي نقل أصول عامة أو خدمات عامة من الحكومة إلي القطاع الخاص‏,‏ أي بمعني آخر تحول إنتاج سلعة أو تقديم خدمة من الحكومة إلي القطاع الخاص وذلك غالبا من خلال بيع أصول مملوكة للدولة‏,‏ وباختصار فإن القاسم المشترك الأعظم لتعريفات الخصخصة تذهب إلي أنها إجراء يستلزم ضمنيا اخضاع أنشطة حكومية لقوي السوق مهما كانت تلك الأنشطة فتعاقد الحكومة مع شركة خاصة صغيرة لتتولي حراسة مبني حكومي صغير يدخل ضمن بند الخصخصة مثله في ذلك بيع منشأة حكومية عملاقة لشركة خاصة أو مجموعة شركات‏.‏
هذا المصطلح شاع استخدامه بدءا من حقبة الثمانينيات من القرن الماضي مع تنامي مايعرف بالسياسات الليبرالية الجديدة‏.‏
ففي تلك الفترة لاحت في الأفق بوادر نهاية الحرب الباردة بين القوتين الأعظم في ذلك الوقت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق‏,‏ وذلك مع تنامي مظاهر انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية‏.‏
وكانت تلك الفترة البداية الحقيقية لانقضاض الرأسمالية علي نظام دولة الرفاهية في المجتمعات الغربية‏,‏ وهو النظام الذي كان القطاع العام أحد أهم ركائزه الجوهرية‏,‏ فقد كانت الرأسمالية تعتبر نظام دولة الرفاهية صمام أمان ضد أي اضطرابات اجتماعية يمكن أن تعرقل معركة الغرب ضد الشيوعية‏,‏ أما وقد انتهت تلك المعركة أو كادت فما هو الداعي لصبر الرأسمالية علي القطاع العام والضمان الاجتماعي والرعاية الصحية؟ هكذا كان السؤال الذي طرحه منظرو الليبرالية الجديدة‏.‏
ومن هنا انطلق قطار الخصخصة في الغرب بقيادة في أعتي معقلين للرأسمالية في العالم وهما الولايات المتحدة بزعامة رونالد ريجان وفي بريطانيا بقيادة مارجريت تاتشر‏..‏ وسقطت قلاع القطاع العام في الغرب الواحد تلو الآخر تحت ضربات الشركات متعددة الجنسيات تحت دعاوي من قبيل أن الخصخصة تعني كفاءة التشغيل والمنافسة الحرة والأسعار الرخيصة والجودة الأفضل‏.‏
وبسرعة انتقلت حمي الخصخصة لدول الجنوب وصارت ركنا أساسيا في مضمون أي التزامات تفرضها المؤسسات الدولية خاصة صندوق النقد والبنك الدوليين علي الدول النامية كشرط لمساندة إصلاحاتها الاقتصادية‏.‏
أنواع الخصخصة
ورغم أن الشائع عن الخصخصة هو أنها تعني بيع القطاع العام إلا أن هذا الأمر يشكل أحد أطياف تلك النوعية من الممارسات الاقتصادية إذ أن هناك أطيافا أخري للخصخصة تتخذ أساليب متنوعة منها‏:‏
‏1‏ ـ التعاقد التنافسي
بمقتضي هذا الأسلوب تقوم الحكومة بإبرام عقد مع شركة خاصة أو منظمة غير هادفة للربح لتقديم خدمة عامة أو جانبا من خدمة عامة‏.‏
‏2‏ ـ خصخصة الإدارة
تقوم الحكومة في إطار هذا الأسلوب بالتعاقد مع شركة خاصة من أجل إدارة منشأة عامة مثل إدارة المطارات أو الموانيء أو محطات الصرف الصحي أو مياه الشرب‏.‏
‏3‏ ـ المنافسة بين القطاعين العام والخاص
يتم في إطار هذا الأسلوب إجراء منافسة بين إدارة المنشأة العامة وبين القطاع الخاص علي أن يتولي صاحب العرض الأكثر كفاءة تشغيل المنشأة العامة‏.‏
‏4‏ ـ حقوق الامتياز
ويقضي هذا الأسلوب بمنح شركة خاصة حقا احتكاريا لتقديم خدمة في منطقة جغرافية بعينها‏.‏
‏5‏ ـ الأسواق الداخلية
يقضي هذا الأسلوب بالسماح للمنشآت العامة بمنح إدارات داخلها مثل إدارة التوريدات والصيانة والتدريب استقلالية علي أن تقدم خدماتها للإدارة المركزية في منافسة علي قدم المساواة مع القطاع الخاص بمعني أن هذه الأقسام أو الإدارات الفرعية تعمل كما لو كانت وحدات أعمال مستقلة تعمل بحسابات الربح والخسارة‏.‏
‏6‏ ـ الكوبونات
ويقضي هذا الأسلوب بأن تقوم الحكومة بشراء خدمة ما من القطاع الخاص‏(‏ مثل خدمة المياه أو الكهرباء من شركات‏)‏ ثم تمنح المواطنين شهادات قابلة للتحصيل لشراء تلك الخدمة علي نحو يتيح للمستهلك الاختيار بين أكثر من شركة علي أساس الكفاءة والجودة والسعر‏.‏
‏7‏ ـ الاتجارية أو إضفاء الطابع التجاري علي النشاط العام
وتعني توقف الحكومة نهائيا عن تقديم الخدمة وتركها للقطاع الخاص‏.‏
‏8‏ ـ المساعدة الذاتية
وتعني طرح الخدمة العامة علي منظمة غير هادفة للربح مثل نقل الإشراف علي قطاعات مثل الحدائق العامة وحدائق الحيوان والمتاحف من الدولة إلي منظمات غير هادفة للربح‏.‏
‏9‏ ـ إضفاء طابع الشركات علي المنشآت العامة‏,‏ وذلك بجعل منشآت الدولة تعمل وفقا لمنطق السوق والربح والخسارة وتتصرف بوصفها منظمة أعمال تستطيع زيادة رأسمالها وتجبر علي دفع ضرائب وتركز علي تعظيم الأرباح وتحقق عائدا علي استثماراتها‏.‏
‏10‏ ـ بيع الأصول
وهو أشهر أنواع الخصخصة‏,‏ والبيع قد يكون لشركة أو عدة شركات أو لشخص واحد يعرف بالمستثمر الاستراتيجي أو للعمال وإدارة المنشأة من خلال ما يعرف بخطة تمليك الأسهم للعاملين‏.‏
‏11‏ ـ التأجير لمدة طويلة
تقوم الحكومة في هذا الأسلوب بتأجير منشآت مثل المطارات لفترات طويلة للقطاع الخاص أو ببيع المنشأة للقطاع الخاص ثم بتأجيرها منه لفترات طويلة‏.‏
‏12‏ ـ بناء وتشغيل مشروعات البنية الأساسية من جانب القطاع الخاص وهناك ثلاثة أنواع فرعية لذلك الأسلوب‏:‏
أ ـ البناء والتشغيل ونقل الملكية وهو النظام الشهير باسم نظام حق الانتفاع وتقوم فيه الحكومة بالتعاقد مع القطاع الخاص لبناء والتشغيل لحساب القطاع الخاص لفترة بعينها ثم نقل ملكية المنشأة المعنية إلي الحكومة في نهاية الأمر‏.‏
ب ـ البناء ونقل الملكية ثم التشغيل وفيه يقوم القطاع الخاص بالبناء ثم يتم نقل الملكية إلي الحكومة عند اكتمال البناء ثم يقوم القطاع الخاص بالتشغيل علي أساس عقد مع الحكومة‏.‏
ج ـ البناء والاحتفاظ بالملكية والتشغيل وفيه يحتفظ القطاع الخاص بملكية المشروع بعد بنائه له علي أن يقوم بتشغيله علي أساس عقد مع الحكومة‏.‏
بالطبع فاته يمكن الجمع بين أكثر من أسلوب حسب طبيعة النشاط الاقتصادي للمنشأة العامة وبما يتفق مع ما تعتبره الحكومة أمرا يصب في المصلحة العامة‏.‏
الفساد الفساد
أشهر تعريف للفساد هو ذلك الذي تتبناه منظمة الشفافية العالمية وهي منظمة تأخذ من مدينة برلين مقرا لها وتعني بقضايا الفساد والشفافية في العالم‏,‏ ويتولي البنك الدولي تمويل جانب من نشاطها‏.‏
هذا التعريف يقول إن الفساد هو إساءة استغلال سلطة عامة من أجل تحقيق مصلحة شخصية وهناك من يحدد ستة مظاهر للفساد وهي‏:‏
‏1‏ ـ الرشوة
‏2‏ ـ الاختلاس
‏3‏ ـ الاحتيال
‏4‏ ـ الابتزاز
‏5‏ ـ المحسوبية
‏6‏ ـ محاباة الأقارب
وهناك ما يمكن أن نسميه جذورا نظرية للعلاقة بين الفساد والخصخصة‏.‏ فدعاة الخصخصة في الشرق والغرب خصوصا منظري الليبرالية الجديدة يؤكدون أن السبب الرئيسي للفساد في المؤسسات العامة لأي دولة هو هيمنة الدولة علي النشاط الإنتاجي بالتالي علي موارد المجتمع الاقتصادية الرئيسية وأنه لو قلصنا تلك الهيمنة إلي أدني حد لها فإن هذا الأمر كفيل بالحد من الفساد ومن ثم فإن خصخصة القطاع العام تحد ـ في رأيهم ـ من الفساد وذلك للاعتبارين التاليين‏:‏
‏1‏ ـ لأن الخصخصة تقلص من حجم الموارد الاقتصادية المتاحة لدي الحكومة‏.‏
‏2‏ ـ لأنها تفتح الباب أمام المنافسة والمنافسة تعني الجودة والسعر الأقل والوفرة‏.‏
فهؤلاء المنظرون يرون أن الخصخصة تحد من التدخلات السياسية في النشاط الاقتصادي وهي التدخلات التي عادة ما تعزي إليها أوجه القصور التي تعتري أداء منشآت القطاع العام‏.‏ وباختصار فإنه منذ الثمانينيات ويجري الترويج للخصخصة بوصفها مدخلا رئيسيا للحد من الفساد في القطاع العام ولزيادة كفاءة الإنتاج كما وكيفيا‏,‏ ففي الدول المتقدمة يتم الترويج للخصخصة بوصفها جزءا
مما يعرف بإصلاح الإدارة العامة أما في الدول النامية فإنها تفرض من قبيل كونها جزءا جوهريا مما يعرف ببرامج التعديل الهيكلية‏,‏ أو برامج التقشف الاقتصادي والمالي التي تفرضها المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين‏.‏
لكن هؤلاء الذين يتبنون هذه الرؤية ربما تغيب عنهم حقيقتان جوهريتان هما‏:‏
‏1‏ ـ العلاقة المعقدة خصوصا في الدول النامية بين السياسيين والمستثمرين‏.‏
‏2‏ ـ الطبيعة الإستراتيجية للعديد من القطاعات الاقتصادية التي تجري خصخصتها‏.‏
فبالنسبة للنقطة الأولي فإن ثمة حالات كثيرة يكون فيها السياسي الذي يتخذ قرار الخصخصة أو يمضي قدما في ترتيباتها والمستثمر الذي يقتنص الصفقة هو نفس الشخص أو علي الأقل له علاقة مصلحة أو شبكة مصالح من قريب أو من بعيد تتعلق بإنجاز الصفقة بثمن يمكن المساومة عليه وهذا ما قد يفتح الباب علي مصراعيه أمام الفساد‏,‏ كما يعطي هذا الأمر فرصا لجماعات المصالح للدخول في صفقات بناء علي معلومات غير متاحة للجميع‏.‏
أما بالنسبة للنقطة الثانية‏,‏ فإن خصخصة القطاعات الإستراتيجية مثل الماء والكهرباء يغري القطاع الخاص بالتورط في ممارسات فاسدة لضمان أقصي احتكار ممكن للسوق من خلال تخفيف حدة اللوائح التي تحكم أداء القطاع بعد خصخصته‏.‏
الخصخصة وبذور الفساد
وبمعني آخر فإن الخصخصة بحكم طبيعتها البنيوية تفتح باب الفساد أمام نوعين من التواطؤ الفاسد وهما‏:‏
‏1‏ ـ التواطؤ الرأسي بين السياسيين والبيروقراطيين من ناحية والقطاع الخاص الفاسد من ناحية أخري‏.‏
‏2‏ ـ التواطؤ الأفقي بين الشركات الخاصة التي تود اقتناص صفقات من عمليات الخصخصة والتي قد تتحالف فيما بينها للتأثير علي أسعار المزادات أو المناقصات لتفادي ضخامة التكلفة أو لتعظيم الأرباح أو لتحقيق مزايا علي حساب آخرين أو لاحتكار السوق‏.‏
وهذا كله يعني أن الخصخصة تفتح الباب أمام تنامي ظاهرة الفساد وأن استخدام الخصخصة كآلية للحد من الفساد يعد أمرا مشكوكا فيه‏.‏
ولعل هذا ما دفع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام سبعة وتسعين إلي طرح تساؤلات عن دور الفساد في تقويض الأساس المنطقي الذي تستند إليه فلسفة الخصخصة وهو الأساس المتمثل في تحقيق كفاءة الأداء للوحدات الانتاجية‏.‏
ولهذا لم يكن غريبا أن تعلن منظمة كورنر هاوس وهي منظمة بريطانية غير هادفة للربح في عام الفين في تقرير لها بعنوان‏:(‏ تصدير الفساد‏..‏ الخصخصة والشركات متعددة الجنسيات والرشاوي‏)‏ أن الشركات متعددة الجنسيات تدفع رشاوي قيمتها ثمانون مليار دولار سنويا لاتمام صفقاتها بما في ذلك صفقات الخصخصة‏.‏
فخصخصة الخدمات العامة كالماء والكهرباء غالبا ما تؤدي إلي ارتفاع اسعار تلك الخدمات مع خصخصة تلك القطاعات كما أن تصاعد الضغوط علي العمال في إطار عملية الخصخصة ـ من خلال خفض الأجور وتسريح بعضهم والعقود المؤقتة ـ تجعلهم أكثر عرضة للفساد خاصة وأن المقابل هذه المرة أكبر ويكون المستهلك في هذه الحالة هو دافع الرشوة الذي يغري العامل بالتحايل كي لا يدفع فاتورة الخدمة أو السلعة كاملة‏.‏
ولعل هذا الأمر ما يدعو البعض إلي التشديد علي أن تكون هناك معايير لقياس كفاءة عملية الخصخصة وتشمل هذه المعايير الجودة والسعر والوفرة‏.‏
وهذا يعني أيضا إنه إذا افترضنا ان التدخل السياسي في النشاط الاقتصادي يؤدي إلي الفساد فإن هذا لا يعني بالضرورة أن تكون الخصخصة هي الحل الحاسم للحد من الفساد‏.‏
ففي أحيان كثيرة علي سبيل المثال حل محل احتكار الدول لقطاع استراتيجي ما احتكار القطاع الخاص للقطاع علي نحو ارتفعت معه الأسعار وتراجعت معه جودة السلعة أو الخدمة‏.‏
ولعل هذا ما دفع حتي أشد مؤيدي الخصخصة علي التشديد علي ضرورة شفافية العملية ووجود لوائح واضحة تحكمها‏.‏
فرص الفساد في مراحل عملية الخصخصة
تقول منظمة الشفافية العالمية في هذا الصدد‏,‏ إن الملابسات التي تحيط بعملية اتخاذ القرارات السياسية المتعلقة بالاستثمار في الموارد العامة لها أهمية جوهرية علي صعيد الثقة في الطريقة التي تجري بها عملية التعاقد التي تلي اتخاذ القرار‏.‏ ففي أحيان كثيرة يكون للسياسيين مصلحة شخصية في عملية الخصخصة لأنها ستجعلهم مثلا شركاء في مشروعات أو أصحاب مشروعات‏.‏
وبالتالي فإنه في هذه الحالة قد يتم اتخاذ قرار بخصخصة هذه المنشأة أو تلك بدون الأخذ في الاعتبار المصلحة العامة‏.‏ ومما يساعد في ذلك أن هذا القرار عادة ما يتخذ بدون طرحه للتصويت ومن ثم فإن هناك مخاطرة باتخاذ قرار خاطئ يؤيد الخصخصة ويصب في صالح نخبة اقتصادية أو سياسية بعينها وليس في الصالح العام‏.‏ وعادة فإنه في مثل تلك الظروف لا يشغل السياسي نفسه ببحث بدائل الخصخصة الأخري التي يمكن الاعتماد عليها للتغلب علي مشكلات القطاع العام‏.‏
ومن بين تلك الخيارات أو البدائل‏:‏
‏1‏ ـ مشاركة المجتمع المدني في عملية الخصخصة‏.‏
‏2‏ ـ تطبيق التخطيط الاستراتيجي في المؤسسات العامة لتعزيز الكفاءة‏.‏
وهذا ما يدعو إلي التأكيد علي ضرورة دراسة وتقييم السيناريوهات المختلفة لتقليص احتمالات السلوك الفاسد في البدائل المختلفة‏.‏
وعادة يحدث أنه بمجرد الانتهاء من اتخاذ القرار بشأن الخصخصة تبدأ الحكومة في دعوة القطاع الخاص إلي تقديم العروض في مناقصة أو مزايدة‏.‏ وعادة ما تتضمن تلك المناقصة أو المزايدة أمورا تتعلق بثمن الوحدات المقررة خصخصتها وأسعار الخدمة أو المنتج بعد خصخصة الوحدة‏.‏
مثل هذه المرحلة تفتح الباب أما الفساد من عدة أوجه مثل‏.‏
‏1‏ ـ التلاعب في قيمة أصول الشركات المراد خصخصتها‏.‏
‏2‏ ـ استغلال معلومات غير متاحة للجميع‏.‏
‏3‏ ـ قيام تحالفات بين شركات للضغط علي أسعار العقود ولاحتكار السوق أو لتقسيمه بعد ذلك‏(‏ التحالف الأفقي بين الشركات لتفادي المنافسة‏).‏
‏4‏ ـ التواطؤ الرأسي بين مقدمي العروض وصانعي القرار السياسي مقابل رشوة نقدية أو عينية أو بتعيين سياسيين أو بيروقراطيين في وظائف وهمية في الشركات الجديدة برواتب سخية‏.‏
‏5‏ ـ تضارب المصالح كما هو الحال في الوضع الذي يكون فيه السياسي مساهما في شركة ويريد أن تفوز تلك الشركة بالصفقة أو العقد‏.‏
هذا الفساد يهدم الأساس المنطقي لعملية تقديم العطاءات وهو الأساس المتمثل في المنافسة التي كان الهدف منها أصلا الحد من الفساد‏.‏
الفساد خلال صياغة العقود
في أحيان كثيرة تتسم عقود الخصخصة بالتعقيد الشديد والإغراق في التفاصيل ليس من قبيل توخي الدقة في الأغلب وإنما لفتح الباب أمام ممارسات فاسدة‏.‏ فتلك النوعية من العقود يجري في أحيان كثيرة تصميمها من أجل خفض التكاليف التي تتحملها الشركة أو الشركات أو المستثمر الفائز بالصفقة ولرفع الأسعار مستقبلا وللحصول علي إعفاءات ضريبية وتقليص جودة المنتج دون محاسبة والحد من أي قيود مستقبلية‏.‏
وكثيرا ما تتحدث المؤسسات الدولية عن جانب‏(‏ الطلب‏)‏ في الفساد في الدول النامية وهو الجانب الذي يقصد به المسئولون الفاسدون والمرتشون وقلما يتحدث أحد عن جانب العرض‏(‏ مقدمو الرشاوي‏).‏ وفي هذا الصدد نذكر بحجم الرشاوي التي تقدمها الشركات المتعددة الجنسيات لانجاز صفقاتها المشبوهة والتي تقدر قيمتها ـ أي قيمة تلك الرشاوي ـ بمليارات الدولارات‏.‏ الأكثر غرابة من ذلك أن دولا كبري مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا تعتبر جانبا من تلك الرشاوي عمولات يحظي جانب منها بإعفاء ضريبي‏.‏ هذا الفساد لا يؤدي فقط إلي هدم أسس الحكم الرشيد وإنما ايضا يقوض التنمية المستدامة ويكرس الفقر وعدم المساواة‏.‏ فالدائنون الغربيون وحكومات الدول النامية يتيحون للشركات المتعددة الجنسيات ان تعمل بلا حسيب علي نحو متزايد في الدول النامية‏.‏ كما أن تلك الشركات تستغل حاجة الدول النامية للاستثمارات والتكنولوجيا لتطويع ظروف الانتاج فيها كيفما تشاء‏.‏


كان من المفارقات اللافتة في أزمة الديون السيادية التي مازالت تعصف باليونان أنه جرت مطالبة الحكومة اليونانية بأن تخصخص بعض جزرها عبر بيعها لمن يود شراءها.
علي أن يستخدم العائد في سداد جانب من تلال الديون المتراكمة عليها والبالغة قيمتها أكثر من أربعمائة وثمانين مليار دولار‏.‏
هذه الواقعة كانت تعني أن بلدوزر الخصخصة لم يعد يكتسح فقط شركات القطاع العام ويتسبب في صعود عدد العاطلين في العالم إلي أكثر من مائتي مليون شخص في شتي أرجاء الدنيا‏,‏ وإنما صار يهدد بانتزاع التراب الوطني للدول خاصة الفقيرة منها‏.‏
بل وصار هناك من يطالب بخصخصة مياه الأنهار والبحيرات في واحدة من أشرس هجمات أصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبري المتعددة الجنسيات علي أصول الدول حتي الموارد الطبيعية منها‏.‏
هل هناك علاقة بين الخصخصة والفساد؟ وإذا كانت هناك علاقة بين الاثنين‏..‏ فما هي طبيعة تلك العلاقة؟ فهل هي علاقة ارتباطية بمعني أنه من الممكن أن تشوب الخصخصة ممارسات فاسدة علي ألا يعني ذلك أن يؤدي تبني استراتيجية الخصخصة بالضرورة إلي استشراء الفساد؟ أم أن العلاقة بين الاثنين سببية لكون الفساد كما يري البعض سمة بنيوية متأصلة في الخصخصة كممارسة اقتصادية؟
سؤال آخر ربما يسلط الضوء أكثر علي طبيعة الموضوع وهو‏:‏ إذا كان البعض يعتقد أن هيمنة الدولة علي الموارد الاقتصادية يسهم في استشراء الفساد فهل هذا يعني منطقيا أن الخصخصة هي الحل الأمثل الضروري للحد من مشكلة الفساد؟
لسنا هنا بالطبع في معرض الدفاع عن الملكية العامة لوسائل الإنتاج أو تفنيد مثالب النمط الرأسمالي في الإنتاج خاصة أن نمط الإنتاج الاشتراكي له أيضا مشكلات مع الفساد‏,‏ وإنما فقط رصد العلاقة المحتملة بين الخصخصة والفساد‏.‏
جذور الخصخصة
مصطلح الخصخصة مصطلح فضفاض بشكل كبير وهو ما يجعل عملية تحديده مسألة صعبة للغاية‏.‏ فأبسط تعريف للخصخصة ـ وهو التعريف الشائع لها والذي من الخطورة بمكان الترويج له باعتباره التعريف الأمثل ـ هذا التعريف يقول‏:‏ إن الخصخصة هي نقل أصول عامة أو خدمات عامة من الحكومة إلي القطاع الخاص‏,‏ أي بمعني آخر تحول إنتاج سلعة أو تقديم خدمة من الحكومة إلي القطاع الخاص وذلك غالبا من خلال بيع أصول مملوكة للدولة‏,‏ وباختصار فإن القاسم المشترك الأعظم لتعريفات الخصخصة تذهب إلي أنها إجراء يستلزم ضمنيا اخضاع أنشطة حكومية لقوي السوق مهما كانت تلك الأنشطة فتعاقد الحكومة مع شركة خاصة صغيرة لتتولي حراسة مبني حكومي صغير يدخل ضمن بند الخصخصة مثله في ذلك بيع منشأة حكومية عملاقة لشركة خاصة أو مجموعة شركات‏.‏
هذا المصطلح شاع استخدامه بدءا من حقبة الثمانينيات من القرن الماضي مع تنامي مايعرف بالسياسات الليبرالية الجديدة‏.‏
ففي تلك الفترة لاحت في الأفق بوادر نهاية الحرب الباردة بين القوتين الأعظم في ذلك الوقت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق‏,‏ وذلك مع تنامي مظاهر انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية‏.‏
وكانت تلك الفترة البداية الحقيقية لانقضاض الرأسمالية علي نظام دولة الرفاهية في المجتمعات الغربية‏,‏ وهو النظام الذي كان القطاع العام أحد أهم ركائزه الجوهرية‏,‏ فقد كانت الرأسمالية تعتبر نظام دولة الرفاهية صمام أمان ضد أي اضطرابات اجتماعية يمكن أن تعرقل معركة الغرب ضد الشيوعية‏,‏ أما وقد انتهت تلك المعركة أو كادت فما هو الداعي لصبر الرأسمالية علي القطاع العام والضمان الاجتماعي والرعاية الصحية؟ هكذا كان السؤال الذي طرحه منظرو الليبرالية الجديدة‏.‏
ومن هنا انطلق قطار الخصخصة في الغرب بقيادة في أعتي معقلين للرأسمالية في العالم وهما الولايات المتحدة بزعامة رونالد ريجان وفي بريطانيا بقيادة مارجريت تاتشر‏..‏ وسقطت قلاع القطاع العام في الغرب الواحد تلو الآخر تحت ضربات الشركات متعددة الجنسيات تحت دعاوي من قبيل أن الخصخصة تعني كفاءة التشغيل والمنافسة الحرة والأسعار الرخيصة والجودة الأفضل‏.‏
وبسرعة انتقلت حمي الخصخصة لدول الجنوب وصارت ركنا أساسيا في مضمون أي التزامات تفرضها المؤسسات الدولية خاصة صندوق النقد والبنك الدوليين علي الدول النامية كشرط لمساندة إصلاحاتها الاقتصادية‏.‏
أنواع الخصخصة
ورغم أن الشائع عن الخصخصة هو أنها تعني بيع القطاع العام إلا أن هذا الأمر يشكل أحد أطياف تلك النوعية من الممارسات الاقتصادية إذ أن هناك أطيافا أخري للخصخصة تتخذ أساليب متنوعة منها‏:‏
‏1‏ ـ التعاقد التنافسي
بمقتضي هذا الأسلوب تقوم الحكومة بإبرام عقد مع شركة خاصة أو منظمة غير هادفة للربح لتقديم خدمة عامة أو جانبا من خدمة عامة‏.‏
‏2‏ ـ خصخصة الإدارة
تقوم الحكومة في إطار هذا الأسلوب بالتعاقد مع شركة خاصة من أجل إدارة منشأة عامة مثل إدارة المطارات أو الموانيء أو محطات الصرف الصحي أو مياه الشرب‏.‏
‏3‏ ـ المنافسة بين القطاعين العام والخاص
يتم في إطار هذا الأسلوب إجراء منافسة بين إدارة المنشأة العامة وبين القطاع الخاص علي أن يتولي صاحب العرض الأكثر كفاءة تشغيل المنشأة العامة‏.‏
‏4‏ ـ حقوق الامتياز
ويقضي هذا الأسلوب بمنح شركة خاصة حقا احتكاريا لتقديم خدمة في منطقة جغرافية بعينها‏.‏
‏5‏ ـ الأسواق الداخلية
يقضي هذا الأسلوب بالسماح للمنشآت العامة بمنح إدارات داخلها مثل إدارة التوريدات والصيانة والتدريب استقلالية علي أن تقدم خدماتها للإدارة المركزية في منافسة علي قدم المساواة مع القطاع الخاص بمعني أن هذه الأقسام أو الإدارات الفرعية تعمل كما لو كانت وحدات أعمال مستقلة تعمل بحسابات الربح والخسارة‏.‏
‏6‏ ـ الكوبونات
ويقضي هذا الأسلوب بأن تقوم الحكومة بشراء خدمة ما من القطاع الخاص‏(‏ مثل خدمة المياه أو الكهرباء من شركات‏)‏ ثم تمنح المواطنين شهادات قابلة للتحصيل لشراء تلك الخدمة علي نحو يتيح للمستهلك الاختيار بين أكثر من شركة علي أساس الكفاءة والجودة والسعر‏.‏
‏7‏ ـ الاتجارية أو إضفاء الطابع التجاري علي النشاط العام
وتعني توقف الحكومة نهائيا عن تقديم الخدمة وتركها للقطاع الخاص‏.‏
‏8‏ ـ المساعدة الذاتية
وتعني طرح الخدمة العامة علي منظمة غير هادفة للربح مثل نقل الإشراف علي قطاعات مثل الحدائق العامة وحدائق الحيوان والمتاحف من الدولة إلي منظمات غير هادفة للربح‏.‏
‏9‏ ـ إضفاء طابع الشركات علي المنشآت العامة‏,‏ وذلك بجعل منشآت الدولة تعمل وفقا لمنطق السوق والربح والخسارة وتتصرف بوصفها منظمة أعمال تستطيع زيادة رأسمالها وتجبر علي دفع ضرائب وتركز علي تعظيم الأرباح وتحقق عائدا علي استثماراتها‏.‏
‏10‏ ـ بيع الأصول
وهو أشهر أنواع الخصخصة‏,‏ والبيع قد يكون لشركة أو عدة شركات أو لشخص واحد يعرف بالمستثمر الاستراتيجي أو للعمال وإدارة المنشأة من خلال ما يعرف بخطة تمليك الأسهم للعاملين‏.‏
‏11‏ ـ التأجير لمدة طويلة
تقوم الحكومة في هذا الأسلوب بتأجير منشآت مثل المطارات لفترات طويلة للقطاع الخاص أو ببيع المنشأة للقطاع الخاص ثم بتأجيرها منه لفترات طويلة‏.‏
‏12‏ ـ بناء وتشغيل مشروعات البنية الأساسية من جانب القطاع الخاص وهناك ثلاثة أنواع فرعية لذلك الأسلوب‏:‏
أ ـ البناء والتشغيل ونقل الملكية وهو النظام الشهير باسم نظام حق الانتفاع وتقوم فيه الحكومة بالتعاقد مع القطاع الخاص لبناء والتشغيل لحساب القطاع الخاص لفترة بعينها ثم نقل ملكية المنشأة المعنية إلي الحكومة في نهاية الأمر‏.‏
ب ـ البناء ونقل الملكية ثم التشغيل وفيه يقوم القطاع الخاص بالبناء ثم يتم نقل الملكية إلي الحكومة عند اكتمال البناء ثم يقوم القطاع الخاص بالتشغيل علي أساس عقد مع الحكومة‏.‏
ج ـ البناء والاحتفاظ بالملكية والتشغيل وفيه يحتفظ القطاع الخاص بملكية المشروع بعد بنائه له علي أن يقوم بتشغيله علي أساس عقد مع الحكومة‏.‏
بالطبع فاته يمكن الجمع بين أكثر من أسلوب حسب طبيعة النشاط الاقتصادي للمنشأة العامة وبما يتفق مع ما تعتبره الحكومة أمرا يصب في المصلحة العامة‏.‏
الفساد الفساد
أشهر تعريف للفساد هو ذلك الذي تتبناه منظمة الشفافية العالمية وهي منظمة تأخذ من مدينة برلين مقرا لها وتعني بقضايا الفساد والشفافية في العالم‏,‏ ويتولي البنك الدولي تمويل جانب من نشاطها‏.‏
هذا التعريف يقول إن الفساد هو إساءة استغلال سلطة عامة من أجل تحقيق مصلحة شخصية وهناك من يحدد ستة مظاهر للفساد وهي‏:‏
‏1‏ ـ الرشوة
‏2‏ ـ الاختلاس
‏3‏ ـ الاحتيال
‏4‏ ـ الابتزاز
‏5‏ ـ المحسوبية
‏6‏ ـ محاباة الأقارب
وهناك ما يمكن أن نسميه جذورا نظرية للعلاقة بين الفساد والخصخصة‏.‏ فدعاة الخصخصة في الشرق والغرب خصوصا منظري الليبرالية الجديدة يؤكدون أن السبب الرئيسي للفساد في المؤسسات العامة لأي دولة هو هيمنة الدولة علي النشاط الإنتاجي بالتالي علي موارد المجتمع الاقتصادية الرئيسية وأنه لو قلصنا تلك الهيمنة إلي أدني حد لها فإن هذا الأمر كفيل بالحد من الفساد ومن ثم فإن خصخصة القطاع العام تحد ـ في رأيهم ـ من الفساد وذلك للاعتبارين التاليين‏:‏
‏1‏ ـ لأن الخصخصة تقلص من حجم الموارد الاقتصادية المتاحة لدي الحكومة‏.‏
‏2‏ ـ لأنها تفتح الباب أمام المنافسة والمنافسة تعني الجودة والسعر الأقل والوفرة‏.‏
فهؤلاء المنظرون يرون أن الخصخصة تحد من التدخلات السياسية في النشاط الاقتصادي وهي التدخلات التي عادة ما تعزي إليها أوجه القصور التي تعتري أداء منشآت القطاع العام‏.‏ وباختصار فإنه منذ الثمانينيات ويجري الترويج للخصخصة بوصفها مدخلا رئيسيا للحد من الفساد في القطاع العام ولزيادة كفاءة الإنتاج كما وكيفيا‏,‏ ففي الدول المتقدمة يتم الترويج للخصخصة بوصفها جزءا
مما يعرف بإصلاح الإدارة العامة أما في الدول النامية فإنها تفرض من قبيل كونها جزءا جوهريا مما يعرف ببرامج التعديل الهيكلية‏,‏ أو برامج التقشف الاقتصادي والمالي التي تفرضها المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين‏.‏
لكن هؤلاء الذين يتبنون هذه الرؤية ربما تغيب عنهم حقيقتان جوهريتان هما‏:‏
‏1‏ ـ العلاقة المعقدة خصوصا في الدول النامية بين السياسيين والمستثمرين‏.‏
‏2‏ ـ الطبيعة الإستراتيجية للعديد من القطاعات الاقتصادية التي تجري خصخصتها‏.‏
فبالنسبة للنقطة الأولي فإن ثمة حالات كثيرة يكون فيها السياسي الذي يتخذ قرار الخصخصة أو يمضي قدما في ترتيباتها والمستثمر الذي يقتنص الصفقة هو نفس الشخص أو علي الأقل له علاقة مصلحة أو شبكة مصالح من قريب أو من بعيد تتعلق بإنجاز الصفقة بثمن يمكن المساومة عليه وهذا ما قد يفتح الباب علي مصراعيه أمام الفساد‏,‏ كما يعطي هذا الأمر فرصا لجماعات المصالح للدخول في صفقات بناء علي معلومات غير متاحة للجميع‏.‏
أما بالنسبة للنقطة الثانية‏,‏ فإن خصخصة القطاعات الإستراتيجية مثل الماء والكهرباء يغري القطاع الخاص بالتورط في ممارسات فاسدة لضمان أقصي احتكار ممكن للسوق من خلال تخفيف حدة اللوائح التي تحكم أداء القطاع بعد خصخصته‏.‏
الخصخصة وبذور الفساد
وبمعني آخر فإن الخصخصة بحكم طبيعتها البنيوية تفتح باب الفساد أمام نوعين من التواطؤ الفاسد وهما‏:‏
‏1‏ ـ التواطؤ الرأسي بين السياسيين والبيروقراطيين من ناحية والقطاع الخاص الفاسد من ناحية أخري‏.‏
‏2‏ ـ التواطؤ الأفقي بين الشركات الخاصة التي تود اقتناص صفقات من عمليات الخصخصة والتي قد تتحالف فيما بينها للتأثير علي أسعار المزادات أو المناقصات لتفادي ضخامة التكلفة أو لتعظيم الأرباح أو لتحقيق مزايا علي حساب آخرين أو لاحتكار السوق‏.‏
وهذا كله يعني أن الخصخصة تفتح الباب أمام تنامي ظاهرة الفساد وأن استخدام الخصخصة كآلية للحد من الفساد يعد أمرا مشكوكا فيه‏.‏
ولعل هذا ما دفع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام سبعة وتسعين إلي طرح تساؤلات عن دور الفساد في تقويض الأساس المنطقي الذي تستند إليه فلسفة الخصخصة وهو الأساس المتمثل في تحقيق كفاءة الأداء للوحدات الانتاجية‏.‏
ولهذا لم يكن غريبا أن تعلن منظمة كورنر هاوس وهي منظمة بريطانية غير هادفة للربح في عام الفين في تقرير لها بعنوان‏:(‏ تصدير الفساد‏..‏ الخصخصة والشركات متعددة الجنسيات والرشاوي‏)‏ أن الشركات متعددة الجنسيات تدفع رشاوي قيمتها ثمانون مليار دولار سنويا لاتمام صفقاتها بما في ذلك صفقات الخصخصة‏.‏
فخصخصة الخدمات العامة كالماء والكهرباء غالبا ما تؤدي إلي ارتفاع اسعار تلك الخدمات مع خصخصة تلك القطاعات كما أن تصاعد الضغوط علي العمال في إطار عملية الخصخصة ـ من خلال خفض الأجور وتسريح بعضهم والعقود المؤقتة ـ تجعلهم أكثر عرضة للفساد خاصة وأن المقابل هذه المرة أكبر ويكون المستهلك في هذه الحالة هو دافع الرشوة الذي يغري العامل بالتحايل كي لا يدفع فاتورة الخدمة أو السلعة كاملة‏.‏
ولعل هذا الأمر ما يدعو البعض إلي التشديد علي أن تكون هناك معايير لقياس كفاءة عملية الخصخصة وتشمل هذه المعايير الجودة والسعر والوفرة‏.‏
وهذا يعني أيضا إنه إذا افترضنا ان التدخل السياسي في النشاط الاقتصادي يؤدي إلي الفساد فإن هذا لا يعني بالضرورة أن تكون الخصخصة هي الحل الحاسم للحد من الفساد‏.‏
ففي أحيان كثيرة علي سبيل المثال حل محل احتكار الدول لقطاع استراتيجي ما احتكار القطاع الخاص للقطاع علي نحو ارتفعت معه الأسعار وتراجعت معه جودة السلعة أو الخدمة‏.‏
ولعل هذا ما دفع حتي أشد مؤيدي الخصخصة علي التشديد علي ضرورة شفافية العملية ووجود لوائح واضحة تحكمها‏.‏
فرص الفساد في مراحل عملية الخصخصة
تقول منظمة الشفافية العالمية في هذا الصدد‏,‏ إن الملابسات التي تحيط بعملية اتخاذ القرارات السياسية المتعلقة بالاستثمار في الموارد العامة لها أهمية جوهرية علي صعيد الثقة في الطريقة التي تجري بها عملية التعاقد التي تلي اتخاذ القرار‏.‏ ففي أحيان كثيرة يكون للسياسيين مصلحة شخصية في عملية الخصخصة لأنها ستجعلهم مثلا شركاء في مشروعات أو أصحاب مشروعات‏.‏
وبالتالي فإنه في هذه الحالة قد يتم اتخاذ قرار بخصخصة هذه المنشأة أو تلك بدون الأخذ في الاعتبار المصلحة العامة‏.‏ ومما يساعد في ذلك أن هذا القرار عادة ما يتخذ بدون طرحه للتصويت ومن ثم فإن هناك مخاطرة باتخاذ قرار خاطئ يؤيد الخصخصة ويصب في صالح نخبة اقتصادية أو سياسية بعينها وليس في الصالح العام‏.‏ وعادة فإنه في مثل تلك الظروف لا يشغل السياسي نفسه ببحث بدائل الخصخصة الأخري التي يمكن الاعتماد عليها للتغلب علي مشكلات القطاع العام‏.‏
ومن بين تلك الخيارات أو البدائل‏:‏
‏1‏ ـ مشاركة المجتمع المدني في عملية الخصخصة‏.‏
‏2‏ ـ تطبيق التخطيط الاستراتيجي في المؤسسات العامة لتعزيز الكفاءة‏.‏
وهذا ما يدعو إلي التأكيد علي ضرورة دراسة وتقييم السيناريوهات المختلفة لتقليص احتمالات السلوك الفاسد في البدائل المختلفة‏.‏
وعادة يحدث أنه بمجرد الانتهاء من اتخاذ القرار بشأن الخصخصة تبدأ الحكومة في دعوة القطاع الخاص إلي تقديم العروض في مناقصة أو مزايدة‏.‏ وعادة ما تتضمن تلك المناقصة أو المزايدة أمورا تتعلق بثمن الوحدات المقررة خصخصتها وأسعار الخدمة أو المنتج بعد خصخصة الوحدة‏.‏
مثل هذه المرحلة تفتح الباب أما الفساد من عدة أوجه مثل‏.‏
‏1‏ ـ التلاعب في قيمة أصول الشركات المراد خصخصتها‏.‏
‏2‏ ـ استغلال معلومات غير متاحة للجميع‏.‏
‏3‏ ـ قيام تحالفات بين شركات للضغط علي أسعار العقود ولاحتكار السوق أو لتقسيمه بعد ذلك‏(‏ التحالف الأفقي بين الشركات لتفادي المنافسة‏).‏
‏4‏ ـ التواطؤ الرأسي بين مقدمي العروض وصانعي القرار السياسي مقابل رشوة نقدية أو عينية أو بتعيين سياسيين أو بيروقراطيين في وظائف وهمية في الشركات الجديدة برواتب سخية‏.‏
‏5‏ ـ تضارب المصالح كما هو الحال في الوضع الذي يكون فيه السياسي مساهما في شركة ويريد أن تفوز تلك الشركة بالصفقة أو العقد‏.‏
هذا الفساد يهدم الأساس المنطقي لعملية تقديم العطاءات وهو الأساس المتمثل في المنافسة التي كان الهدف منها أصلا الحد من الفساد‏.‏
الفساد خلال صياغة العقود
في أحيان كثيرة تتسم عقود الخصخصة بالتعقيد الشديد والإغراق في التفاصيل ليس من قبيل توخي الدقة في الأغلب وإنما لفتح الباب أمام ممارسات فاسدة‏.‏ فتلك النوعية من العقود يجري في أحيان كثيرة تصميمها من أجل خفض التكاليف التي تتحملها الشركة أو الشركات أو المستثمر الفائز بالصفقة ولرفع الأسعار مستقبلا وللحصول علي إعفاءات ضريبية وتقليص جودة المنتج دون محاسبة والحد من أي قيود مستقبلية‏.‏
وكثيرا ما تتحدث المؤسسات الدولية عن جانب‏(‏ الطلب‏)‏ في الفساد في الدول النامية وهو الجانب الذي يقصد به المسئولون الفاسدون والمرتشون وقلما يتحدث أحد عن جانب العرض‏(‏ مقدمو الرشاوي‏).‏ وفي هذا الصدد نذكر بحجم الرشاوي التي تقدمها الشركات المتعددة الجنسيات لانجاز صفقاتها المشبوهة والتي تقدر قيمتها ـ أي قيمة تلك الرشاوي ـ بمليارات الدولارات‏.‏ الأكثر غرابة من ذلك أن دولا كبري مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا تعتبر جانبا من تلك الرشاوي عمولات يحظي جانب منها بإعفاء ضريبي‏.‏ هذا الفساد لا يؤدي فقط إلي هدم أسس الحكم الرشيد وإنما ايضا يقوض التنمية المستدامة ويكرس الفقر وعدم المساواة‏.‏ فالدائنون الغربيون وحكومات الدول النامية يتيحون للشركات المتعددة الجنسيات ان تعمل بلا حسيب علي نحو متزايد في الدول النامية‏.‏ كما أن تلك الشركات تستغل حاجة الدول النامية للاستثمارات والتكنولوجيا لتطويع ظروف الانتاج فيها كيفما تشاء‏.‏
كان من المفارقات اللافتة في أزمة الديون السيادية التي مازالت تعصف باليونان أنه جرت مطالبة الحكومة اليونانية بأن تخصخص بعض جزرها عبر بيعها لمن يود شراءها .

علي أن يستخدم العائد في سداد جانب من تلال الديون المتراكمة عليها والبالغة قيمتها أكثر من أربعمائة وثمانين مليار دولار‏.‏
هذه الواقعة كانت تعني أن بلدوزر الخصخصة لم يعد يكتسح فقط شركات القطاع العام ويتسبب في صعود عدد العاطلين في العالم إلي أكثر من مائتي مليون شخص في شتي أرجاء الدنيا‏,‏ وإنما صار يهدد بانتزاع التراب الوطني للدول خاصة الفقيرة منها‏.‏

بل وصار هناك من يطالب بخصخصة مياه الأنهار والبحيرات في واحدة من أشرس هجمات أصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبري المتعددة الجنسيات علي أصول الدول حتي الموارد الطبيعية منها‏.‏

هل هناك علاقة بين الخصخصة والفساد ؟ وإذا كانت هناك علاقة بين الاثنين‏..‏ فما هي طبيعة تلك العلاقة ؟ فهل هي علاقة ارتباطية بمعني أنه من الممكن أن تشوب الخصخصة ممارسات فاسدة علي ألا يعني ذلك أن يؤدي تبني استراتيجية الخصخصة بالضرورة إلي استشراء الفساد؟ أم أن العلاقة بين الاثنين سببية لكون الفساد كما يري البعض سمة بنيوية متأصلة في الخصخصة كممارسة اقتصادية ؟

سؤال آخر ربما يسلط الضوء أكثر علي طبيعة الموضوع وهو‏:‏ إذا كان البعض يعتقد أن هيمنة الدولة علي الموارد الاقتصادية يسهم في استشراء الفساد فهل هذا يعني منطقيا أن الخصخصة هي الحل الأمثل الضروري للحد من مشكلة الفساد؟

لسنا هنا بالطبع في معرض الدفاع عن الملكية العامة لوسائل الإنتاج أو تفنيد مثالب النمط الرأسمالي في الإنتاج خاصة أن نمط الإنتاج الاشتراكي له أيضا مشكلات مع الفساد‏,‏ وإنما فقط رصد العلاقة المحتملة بين الخصخصة والفساد‏.‏

جذور الخصخصة

مصطلح الخصخصة مصطلح فضفاض بشكل كبير وهو ما يجعل عملية تحديده مسألة صعبة للغاية‏.‏ فأبسط تعريف للخصخصة ـ وهو التعريف الشائع لها والذي من الخطورة بمكان الترويج له باعتباره التعريف الأمثل ـ هذا التعريف يقول‏:‏ إن الخصخصة هي نقل أصول عامة أو خدمات عامة من الحكومة إلي القطاع الخاص‏,‏ أي بمعني آخر تحول إنتاج سلعة أو تقديم خدمة من الحكومة إلي القطاع الخاص وذلك غالبا من خلال بيع أصول مملوكة للدولة‏,‏ وباختصار فإن القاسم المشترك الأعظم لتعريفات الخصخصة تذهب إلي أنها إجراء يستلزم ضمنيا اخضاع أنشطة حكومية لقوي السوق مهما كانت تلك الأنشطة فتعاقد الحكومة مع شركة خاصة صغيرة لتتولي حراسة مبني حكومي صغير يدخل ضمن بند الخصخصة مثله في ذلك بيع منشأة حكومية عملاقة لشركة خاصة أو مجموعة شركات‏.‏

هذا المصطلح شاع استخدامه بدءا من حقبة الثمانينيات من القرن الماضي مع تنامي مايعرف بالسياسات الليبرالية الجديدة‏.‏
ففي تلك الفترة لاحت في الأفق بوادر نهاية الحرب الباردة بين القوتين الأعظم في ذلك الوقت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق‏,‏ وذلك مع تنامي مظاهر انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية‏.‏

وكانت تلك الفترة البداية الحقيقية لانقضاض الرأسمالية علي نظام دولة الرفاهية في المجتمعات الغربية‏,‏ وهو النظام الذي كان القطاع العام أحد أهم ركائزه الجوهرية‏,‏ فقد كانت الرأسمالية تعتبر نظام دولة الرفاهية صمام أمان ضد أي اضطرابات اجتماعية يمكن أن تعرقل معركة الغرب ضد الشيوعية‏,‏ أما وقد انتهت تلك المعركة أو كادت فما هو الداعي لصبر الرأسمالية علي القطاع العام والضمان الاجتماعي والرعاية الصحية؟ هكذا كان السؤال الذي طرحه منظرو الليبرالية الجديدة‏.‏

ومن هنا انطلق قطار الخصخصة في الغرب بقيادة في أعتي معقلين للرأسمالية في العالم وهما الولايات المتحدة بزعامة رونالد ريجان وفي بريطانيا بقيادة مارجريت تاتشر‏..‏ وسقطت قلاع القطاع العام في الغرب الواحد تلو الآخر تحت ضربات الشركات متعددة الجنسيات تحت دعاوي من قبيل أن الخصخصة تعني كفاءة التشغيل والمنافسة الحرة والأسعار الرخيصة والجودة الأفضل‏.‏
وبسرعة انتقلت حمي الخصخصة لدول الجنوب وصارت ركنا أساسيا في مضمون أي التزامات تفرضها المؤسسات الدولية خاصة صندوق النقد والبنك الدوليين علي الدول النامية كشرط لمساندة إصلاحاتها الاقتصادية‏.‏

أنواع الخصخصة

ورغم أن الشائع عن الخصخصة هو أنها تعني بيع القطاع العام إلا أن هذا الأمر يشكل أحد أطياف تلك النوعية من الممارسات الاقتصادية إذ أن هناك أطيافا أخري للخصخصة تتخذ أساليب متنوعة منها‏:‏

‏1‏ ـ التعاقد التنافسي

بمقتضي هذا الأسلوب تقوم الحكومة بإبرام عقد مع شركة خاصة أو منظمة غير هادفة للربح لتقديم خدمة عامة أو جانبا من خدمة عامة‏.‏

‏2‏ ـ خصخصة الإدارة

تقوم الحكومة في إطار هذا الأسلوب بالتعاقد مع شركة خاصة من أجل إدارة منشأة عامة مثل إدارة المطارات أو الموانيء أو محطات الصرف الصحي أو مياه الشرب‏.‏

‏3‏ ـ المنافسة بين القطاعين العام والخاص

يتم في إطار هذا الأسلوب إجراء منافسة بين إدارة المنشأة العامة وبين القطاع الخاص علي أن يتولي صاحب العرض الأكثر كفاءة تشغيل المنشأة العامة‏.‏

‏4‏ ـ حقوق الامتياز

ويقضي هذا الأسلوب بمنح شركة خاصة حقا احتكاريا لتقديم خدمة في منطقة جغرافية بعينها‏.‏

‏5‏ ـ الأسواق الداخلية

يقضي هذا الأسلوب بالسماح للمنشآت العامة بمنح إدارات داخلها مثل إدارة التوريدات والصيانة والتدريب استقلالية علي أن تقدم خدماتها للإدارة المركزية في منافسة علي قدم المساواة مع القطاع الخاص بمعني أن هذه الأقسام أو الإدارات الفرعية تعمل كما لو كانت وحدات أعمال مستقلة تعمل بحسابات الربح والخسارة‏.‏

‏6‏ ـ الكوبونات

ويقضي هذا الأسلوب بأن تقوم الحكومة بشراء خدمة ما من القطاع الخاص‏(‏ مثل خدمة المياه أو الكهرباء من شركات‏)‏ ثم تمنح المواطنين شهادات قابلة للتحصيل لشراء تلك الخدمة علي نحو يتيح للمستهلك الاختيار بين أكثر من شركة علي أساس الكفاءة والجودة والسعر‏.‏

‏7‏ ـ الاتجارية أو إضفاء الطابع التجاري علي النشاط العام

وتعني توقف الحكومة نهائيا عن تقديم الخدمة وتركها للقطاع الخاص‏.‏
‏8‏ ـ المساعدة الذاتية

وتعني طرح الخدمة العامة علي منظمة غير هادفة للربح مثل نقل الإشراف علي قطاعات مثل الحدائق العامة وحدائق الحيوان والمتاحف من الدولة إلي منظمات غير هادفة للربح‏.‏

‏9‏ ـ إضفاء طابع الشركات علي المنشآت العامة‏,‏ وذلك بجعل منشآت الدولة تعمل وفقا لمنطق السوق والربح والخسارة وتتصرف بوصفها منظمة أعمال تستطيع زيادة رأسمالها وتجبر علي دفع ضرائب وتركز علي تعظيم الأرباح وتحقق عائدا علي استثماراتها‏.‏
‏10‏ ـ بيع الأصول

وهو أشهر أنواع الخصخصة‏,‏ والبيع قد يكون لشركة أو عدة شركات أو لشخص واحد يعرف بالمستثمر الاستراتيجي أو للعمال وإدارة المنشأة من خلال ما يعرف بخطة تمليك الأسهم للعاملين‏.‏

‏11‏ ـ التأجير لمدة طويلة

تقوم الحكومة في هذا الأسلوب بتأجير منشآت مثل المطارات لفترات طويلة للقطاع الخاص أو ببيع المنشأة للقطاع الخاص ثم بتأجيرها منه لفترات طويلة‏.‏

‏12‏ ـ بناء وتشغيل مشروعات البنية الأساسية من جانب القطاع الخاص وهناك ثلاثة أنواع فرعية لذلك الأسلوب‏:‏

أ ـ البناء والتشغيل ونقل الملكية وهو النظام الشهير باسم نظام حق الانتفاع وتقوم فيه الحكومة بالتعاقد مع القطاع الخاص لبناء والتشغيل لحساب القطاع الخاص لفترة بعينها ثم نقل ملكية المنشأة المعنية إلي الحكومة في نهاية الأمر‏.‏

ب ـ البناء ونقل الملكية ثم التشغيل وفيه يقوم القطاع الخاص بالبناء ثم يتم نقل الملكية إلي الحكومة عند اكتمال البناء ثم يقوم القطاع الخاص بالتشغيل علي أساس عقد مع الحكومة‏.‏

ج ـ البناء والاحتفاظ بالملكية والتشغيل وفيه يحتفظ القطاع الخاص بملكية المشروع بعد بنائه له علي أن يقوم بتشغيله علي أساس عقد مع الحكومة‏.‏

بالطبع فاته يمكن الجمع بين أكثر من أسلوب حسب طبيعة النشاط الاقتصادي للمنشأة العامة وبما يتفق مع ما تعتبره الحكومة أمرا يصب في المصلحة العامة‏.‏
الفساد الفساد

أشهر تعريف للفساد هو ذلك الذي تتبناه منظمة الشفافية العالمية وهي منظمة تأخذ من مدينة برلين مقرا لها وتعني بقضايا الفساد والشفافية في العالم‏,‏ ويتولي البنك الدولي تمويل جانب من نشاطها‏.‏

هذا التعريف يقول إن الفساد هو إساءة استغلال سلطة عامة من أجل تحقيق مصلحة شخصية وهناك من يحدد ستة مظاهر للفساد وهي‏:‏

‏1‏ ـ الرشوة

‏2‏ ـ الاختلاس

‏3‏ ـ الاحتيال

‏4‏ ـ الابتزاز

‏5‏ ـ المحسوبية

‏6‏ ـ محاباة الأقارب

وهناك ما يمكن أن نسميه جذورا نظرية للعلاقة بين الفساد والخصخصة‏.‏ فدعاة الخصخصة في الشرق والغرب خصوصا منظري الليبرالية الجديدة يؤكدون أن السبب الرئيسي للفساد في المؤسسات العامة لأي دولة هو هيمنة الدولة علي النشاط الإنتاجي بالتالي علي موارد المجتمع الاقتصادية الرئيسية وأنه لو قلصنا تلك الهيمنة إلي أدني حد لها فإن هذا الأمر كفيل بالحد من الفساد ومن ثم فإن خصخصة القطاع العام تحد ـ في رأيهم ـ من الفساد وذلك للاعتبارين التاليين‏:‏

‏1‏ ـ لأن الخصخصة تقلص من حجم الموارد الاقتصادية المتاحة لدي الحكومة‏.‏

‏2‏ ـ لأنها تفتح الباب أمام المنافسة والمنافسة تعني الجودة والسعر الأقل والوفرة‏.‏

فهؤلاء المنظرون يرون أن الخصخصة تحد من التدخلات السياسية في النشاط الاقتصادي وهي التدخلات التي عادة ما تعزي إليها أوجه القصور التي تعتري أداء منشآت القطاع العام‏.‏ وباختصار فإنه منذ الثمانينيات ويجري الترويج للخصخصة بوصفها مدخلا رئيسيا للحد من الفساد في القطاع العام ولزيادة كفاءة الإنتاج كما وكيفيا‏,‏ ففي الدول المتقدمة يتم الترويج للخصخصة بوصفها جزءا
مما يعرف بإصلاح الإدارة العامة أما في الدول النامية فإنها تفرض من قبيل كونها جزءا جوهريا مما يعرف ببرامج التعديل الهيكلية‏,‏ أو برامج التقشف الاقتصادي والمالي التي تفرضها المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين‏.‏
لكن هؤلاء الذين يتبنون هذه الرؤية ربما تغيب عنهم حقيقتان جوهريتان هما‏:‏

‏1‏ ـ العلاقة المعقدة خصوصا في الدول النامية بين السياسيين والمستثمرين‏.‏

‏2‏ ـ الطبيعة الإستراتيجية للعديد من القطاعات الاقتصادية التي تجري خصخصتها‏.‏

فبالنسبة للنقطة الأولي فإن ثمة حالات كثيرة يكون فيها السياسي الذي يتخذ قرار الخصخصة أو يمضي قدما في ترتيباتها والمستثمر الذي يقتنص الصفقة هو نفس الشخص أو علي الأقل له علاقة مصلحة أو شبكة مصالح من قريب أو من بعيد تتعلق بإنجاز الصفقة بثمن يمكن المساومة عليه وهذا ما قد يفتح الباب علي مصراعيه أمام الفساد‏,‏ كما يعطي هذا الأمر فرصا لجماعات المصالح للدخول في صفقات بناء علي معلومات غير متاحة للجميع‏.‏

أما بالنسبة للنقطة الثانية‏,‏ فإن خصخصة القطاعات الإستراتيجية مثل الماء والكهرباء يغري القطاع الخاص بالتورط في ممارسات فاسدة لضمان أقصي احتكار ممكن للسوق من خلال تخفيف حدة اللوائح التي تحكم أداء القطاع بعد خصخصته‏.‏
الخصخصة وبذور الفساد

وبمعني آخر فإن الخصخصة بحكم طبيعتها البنيوية تفتح باب الفساد أمام نوعين من التواطؤ الفاسد وهما‏:‏

‏1‏ ـ التواطؤ الرأسي بين السياسيين والبيروقراطيين من ناحية والقطاع الخاص الفاسد من ناحية أخري‏.‏

‏2‏ ـ التواطؤ الأفقي بين الشركات الخاصة التي تود اقتناص صفقات من عمليات الخصخصة والتي قد تتحالف فيما بينها للتأثير علي أسعار المزادات أو المناقصات لتفادي ضخامة التكلفة أو لتعظيم الأرباح أو لتحقيق مزايا علي حساب آخرين أو لاحتكار السوق‏.

وهذا كله يعني أن الخصخصة تفتح الباب أمام تنامي ظاهرة الفساد وأن استخدام الخصخصة كآلية للحد من الفساد يعد أمرا مشكوكا فيه‏.‏

ولعل هذا ما دفع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام سبعة وتسعين إلي طرح تساؤلات عن دور الفساد في تقويض الأساس المنطقي الذي تستند إليه فلسفة الخصخصة وهو الأساس المتمثل في تحقيق كفاءة الأداء للوحدات الانتاجية‏.‏

ولهذا لم يكن غريبا أن تعلن منظمة كورنر هاوس وهي منظمة بريطانية غير هادفة للربح في عام الفين في تقرير لها بعنوان‏:(‏ تصدير الفساد‏..‏ الخصخصة والشركات متعددة الجنسيات والرشاوي‏)‏ أن الشركات متعددة الجنسيات تدفع رشاوي قيمتها ثمانون مليار دولار سنويا لاتمام صفقاتها بما في ذلك صفقات الخصخصة‏.‏

فخصخصة الخدمات العامة كالماء والكهرباء غالبا ما تؤدي إلي ارتفاع اسعار تلك الخدمات مع خصخصة تلك القطاعات كما أن تصاعد الضغوط علي العمال في إطار عملية الخصخصة ـ من خلال خفض الأجور وتسريح بعضهم والعقود المؤقتة ـ تجعلهم أكثر عرضة للفساد خاصة وأن المقابل هذه المرة أكبر ويكون المستهلك في هذه الحالة هو دافع الرشوة الذي يغري العامل بالتحايل كي لا يدفع فاتورة الخدمة أو السلعة كاملة‏.‏

ولعل هذا الأمر ما يدعو البعض إلي التشديد علي أن تكون هناك معايير لقياس كفاءة عملية الخصخصة وتشمل هذه المعايير الجودة والسعر والوفرة‏.‏

وهذا يعني أيضا إنه إذا افترضنا ان التدخل السياسي في النشاط الاقتصادي يؤدي إلي الفساد فإن هذا لا يعني بالضرورة أن تكون الخصخصة هي الحل الحاسم للحد من الفساد‏.‏

ففي أحيان كثيرة علي سبيل المثال حل محل احتكار الدول لقطاع استراتيجي ما احتكار القطاع الخاص للقطاع علي نحو ارتفعت معه الأسعار وتراجعت معه جودة السلعة أو الخدمة‏.‏

ولعل هذا ما دفع حتي أشد مؤيدي الخصخصة علي التشديد علي ضرورة شفافية العملية ووجود لوائح واضحة تحكمها‏.‏
فرص الفساد في مراحل عملية الخصخصة

تقول منظمة الشفافية العالمية في هذا الصدد‏,‏ إن الملابسات التي تحيط بعملية اتخاذ القرارات السياسية المتعلقة بالاستثمار في الموارد العامة لها أهمية جوهرية علي صعيد الثقة في الطريقة التي تجري بها عملية التعاقد التي تلي اتخاذ القرار‏.‏ ففي أحيان كثيرة يكون للسياسيين مصلحة شخصية في عملية الخصخصة لأنها ستجعلهم مثلا شركاء في مشروعات أو أصحاب مشروعات‏.‏

وبالتالي فإنه في هذه الحالة قد يتم اتخاذ قرار بخصخصة هذه المنشأة أو تلك بدون الأخذ في الاعتبار المصلحة العامة‏.‏ ومما يساعد في ذلك أن هذا القرار عادة ما يتخذ بدون طرحه للتصويت ومن ثم فإن هناك مخاطرة باتخاذ قرار خاطئ يؤيد الخصخصة ويصب في صالح نخبة اقتصادية أو سياسية بعينها وليس في الصالح العام‏.‏ وعادة فإنه في مثل تلك الظروف لا يشغل السياسي نفسه ببحث بدائل الخصخصة الأخري التي يمكن الاعتماد عليها للتغلب علي مشكلات القطاع العام‏.‏
ومن بين تلك الخيارات أو البدائل‏:‏

‏1‏ ـ مشاركة المجتمع المدني في عملية الخصخصة‏.‏

‏2‏ ـ تطبيق التخطيط الاستراتيجي في المؤسسات العامة لتعزيز الكفاءة‏.‏

وهذا ما يدعو إلي التأكيد علي ضرورة دراسة وتقييم السيناريوهات المختلفة لتقليص احتمالات السلوك الفاسد في البدائل المختلفة‏.‏
وعادة يحدث أنه بمجرد الانتهاء من اتخاذ القرار بشأن الخصخصة تبدأ الحكومة في دعوة القطاع الخاص إلي تقديم العروض في مناقصة أو مزايدة‏.‏ وعادة ما تتضمن تلك المناقصة أو المزايدة أمورا تتعلق بثمن الوحدات المقررة خصخصتها وأسعار الخدمة أو المنتج بعد خصخصة الوحدة‏.‏

مثل هذه المرحلة تفتح الباب أما الفساد من عدة أوجه مثل‏.‏

‏1‏ ـ التلاعب في قيمة أصول الشركات المراد خصخصتها‏.‏

‏2‏ ـ استغلال معلومات غير متاحة للجميع‏.‏

‏3‏ ـ قيام تحالفات بين شركات للضغط علي أسعار العقود ولاحتكار السوق أو لتقسيمه بعد ذلك‏(‏ التحالف الأفقي بين الشركات لتفادي المنافسة‏).‏

‏4‏ ـ التواطؤ الرأسي بين مقدمي العروض وصانعي القرار السياسي مقابل رشوة نقدية أو عينية أو بتعيين سياسيين أو بيروقراطيين في وظائف وهمية في الشركات الجديدة برواتب سخية‏.‏

‏5‏ ـ تضارب المصالح كما هو الحال في الوضع الذي يكون فيه السياسي مساهما في شركة ويريد أن تفوز تلك الشركة بالصفقة أو العقد‏.‏

هذا الفساد يهدم الأساس المنطقي لعملية تقديم العطاءات وهو الأساس المتمثل في المنافسة التي كان الهدف منها أصلا الحد من الفساد‏.‏

الفساد خلال صياغة العقود

في أحيان كثيرة تتسم عقود الخصخصة بالتعقيد الشديد والإغراق في التفاصيل ليس من قبيل توخي الدقة في الأغلب وإنما لفتح الباب أمام ممارسات فاسدة‏.‏ فتلك النوعية من العقود يجري في أحيان كثيرة تصميمها من أجل خفض التكاليف التي تتحملها الشركة أو الشركات أو المستثمر الفائز بالصفقة ولرفع الأسعار مستقبلا وللحصول علي إعفاءات ضريبية وتقليص جودة المنتج دون محاسبة والحد من أي قيود مستقبلية‏.‏

وكثيرا ما تتحدث المؤسسات الدولية عن جانب‏(‏ الطلب‏)‏ في الفساد في الدول النامية وهو الجانب الذي يقصد به المسئولون الفاسدون والمرتشون وقلما يتحدث أحد عن جانب العرض‏(‏ مقدمو الرشاوي‏).‏ وفي هذا الصدد نذكر بحجم الرشاوي التي تقدمها الشركات المتعددة الجنسيات لانجاز صفقاتها المشبوهة والتي تقدر قيمتها ـ أي قيمة تلك الرشاوي ـ بمليارات الدولارات‏.‏

 الأكثر غرابة من ذلك أن دولا كبري مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا تعتبر جانبا من تلك الرشاوي عمولات يحظي جانب منها بإعفاء ضريبي‏.‏

هذا الفساد لا يؤدي فقط إلي هدم أسس الحكم الرشيد وإنما ايضا يقوض التنمية المستدامة ويكرس الفقر وعدم المساواة‏.‏ فالدائنون الغربيون وحكومات الدول النامية يتيحون للشركات المتعددة الجنسيات ان تعمل بلا حسيب علي نحو متزايد في الدول النامية‏.

‏ كما أن تلك الشركات تستغل حاجة الدول النامية للاستثمارات والتكنولوجيا لتطويع ظروف الانتاج فيها كيفما تشاء‏


إشراف‏:‏ محمد فاوي

0 التعليقات :

إرسال تعليق