تابع جديد المدونة عبر:

فرص الفساد في مراحل عملية الخصخصة

أولا الفساد خلال عملية اتخاذ قرار الخصخصة.

تقول منظمة الشفافية العالمية في هذا الصدد , "إن الملابسات التي تحيط بعملية اتخاذ القرارات السياسية المتعلقة بالاستثمار في الموارد العامة لها أهمية جوهرية على صعيد الثقة في الطريقة التي تجري بها عملية التعاقد التي تلي اتخاذ القرار." ففي أحيان كثيرة يكون للسياسيين مصلحة شخصية في عملية الخصخصة لأنها ستجعلهم مثلاَ شركاء في مشروعات أو أصحاب مشروعات. وبالتالي فانه في هذه الحالة قد يتم اتخاذ قرار بخصخصة هذه المنشأة أو تلك بدون الأخذ في الاعتبار المصلحة العامة. ومما يساعد في ذلك أن هذا القرار عادة ما يتخذ بدون طرحه للتصويت ومن ثم فان هناك مخاطرة باتخاذ قرار خاطئ يؤيد الخصخصة ويصب في صالح نخبة اقتصادية أو سياسية بعينها وليس في الصالح العام. وعادة فانه في مثل تلك الظروف لا يشغل السياسي نفسه ببحث بدائل الخصخصة الأخرى التي يمكن الاعتماد عليها للتغلب على مشكلات القطاع العام.

ومن بين تلك الخيارات أو البدائل:

1- مشاركة المجتمع المدني في عملية الخصخصة.

2- تطبيق التخطيط الاستراتيجي في المؤسسات العامة لتعزيز الكفاءة.

وهذا ما يدعو إلى التأكيد على ضرورة دراسة وتقييم السيناريوهات المختلفة لتقليص احتمالات السلوك الفاسد في البدائل المختلفة.

ثانيا الفساد خلال مرحلة تقديم العروض في المناقصات والمزايدات:

بمجرد الانتهاء من اتخاذ القرار بشأن الخصخصة تبدأ الحكومة في دعوة القطاع الخاص إلى لتقديم العروض في مناقصة أو مزايدة. وعادة ما تتضمن تلك المناقصة أو المزايدة أموراً تتعلق بثمن الوحدات المقرر خصخصتها وأسعار الخدمة أو المنتج بعد خصخصة الوحدة . مثل هذه المرحلة تفتح الباب أما الفساد من عدة أوجه مثل :-

1- التلاعب في قيمة أصول الشركات المراد خصخصتها.

2- استغلال معلومات غير متاحة للجميع.

3- قيام تحالفات بين شركات للضغط على أسعار العقود ولاحتكار السوق أو لتقسيمه بعد ذلك (التحالف الأفقي بين الشركات لتفادي المنافسة).

4- التواطؤ الرأسي بين مقدمي العروض وصانعي القرار السياسي مقابل رشوة نقدية أو عينية أو بتعيين سياسيين أو بيروقراطيين في وظائف وهمية في الشركات الجديدة برواتب سخية.

5- تضارب المصالح كما هو الحال في الوضع الذي يكون فيه السياسي مساهم في شركة ويريد أن تفوز تلك الشركة بالصفقة أو العقد.

هذا الفساد يهدم الأساس المنطقي لعملية تقديم العطاءات وهو الأساس المتمثل في المنافسة التي كان الهدف منها أصلا الحد من الفساد.

ثالثا: الفساد خلال مرحلة صياغة العقود

في أحيان كثيرة تتسم عقود الخصخصة بالتعقيد الشديد والإغراق في التفاصيل ليس من قبيل توخي الدقة في الأغلب وإنما لفتح الباب أمام ممارسات فاسدة. فتلك النوعية من العقود يجري في أحيان كثيرة تصميمها من أجل خفض التكاليف التي تتحملها الشركة أو الشركات أو المستثمر الفائز بالصفقة ولرفع الأسعار مستقبلا وللحصول على إعفاءات ضريبية وتقليص جودة المنتج دون محاسبة والحد من أي قيود مستقبلية.

جانب (العرض) في الفساد

كثيرا ما تتحدث المؤسسات الدولية عن جانب (الطلب) في الفساد في الدول النامية وهو الجانب الذي يقصد به المسئولين الفاسدين والمرتشين وقلما يتحدث أحد عن جانب العرض (مقدمو الرشاوى). ولنا في هذا الصدد أن نذِكر بحجم الرشاوى التي تقدمها الشركات متعددة الجنسيات لانجاز صفقاتها المشبوهة والتي تقدر قيمتها- أي قيمة تلك الرشاوى- بنحو ثمانين مليار دولار حسب منظمة كورنر هاوس البريطانية. الأكثر غرابة من ذلك أن دولا كبرى مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا تعتبر جانباً من تلك الرشاوى عمولات يحظى جانب منها بإعفاء ضريبي. هذا الفساد لا يؤدي فقط إلى هدم أسس الحكم الرشيد وإنما أيضا يقوض التنمية المستدامة ويكرس الفقر وعدم المساواة. فالدائنون الغربيون وحكومات الدول النامية يتيحون لشركات متعددة الجنسيات أن تعمل بلا حسيب على نحو متزايد في الدول النامية. كما أن تلك الشركات تستغل حاجة الدول النامية للاستثمارات والتكنولوجيا لتطويع ظروف الإنتاج فيها كيفما تشاء.



خاتمة:

آليات الحد من الفساد خلال عمليات الخصخصة

في ضوء طبيعة ما أثبتناه من طبيعة عضوية للخصخصة تجعلها تفتح الباب أمام الفساد , إلا أن ذلك لا يعني استحالة الحد من مظاهر الفساد خلال مراحل عمليات الخصخصة من خلال حفنة من الآليات وهي:

1- تعزيز قيم الشفافية والمحاسبية (أي تحمل مسؤولية الأفعال) والمساءلة (أي وجود جهات رقابية) والحكم الرشيد في الدولة.
2- الحد من عمليات الخصخصة غير المبررة والإفراط غير المبرر في السياسات الليبرالية الجديدة.

3- تعزيز مشاركة المجتمع المدني في عمليات صناعة القرار الاقتصادي ومتابعة تداعياته.

4- فرض عقوبات رادعة ضد منتهكي مصالح الشعب الاقتصادية.

وفيما يتعلق بالنقطة الأخيرة نذكر مثالا مهما يوضح لنا كيف تستطيع الدول ذات الاقتصاديات الناشئة أن تقول (لا) للشركات متعددة الجنسيات. ففي سنغافورة وفي عام ستة وتسعين أدينت خمس شركات متعددة الجنسيات في دفع رشاوى قيمتها الإجمالية أكثر من تسعة ملايين دولار منها شركتا (سيمنز) الألمانية العملاقة و(بيرللي) الإيطالية العملاقة فقررت الحكومة السنغافورية ليس فقط حظر دخول تلك الشركات البلاد لمدة خمس سنوات وإنما تقرر مد مظلة الحظر ليشمل الشركات المرتبطة بعلاقات مع تلك الشركات ,كما جرى حرمان أي مشروعات مشتركة تقوم بها الشركات الخمس من الفوز بصفقات في سنغافورة , و تم أيضاً منع أي شركة يعمل فيها أي مدير من مدراء الشركات الخمس من العمل في البلاد.


منقول للفائدة - تم اعدادة -

0 التعليقات :

إرسال تعليق