تابع جديد المدونة عبر:

استقلالية هيئة سوق المال استقلالية قانونياً ودستورياً

الكاتب :- سعود الفضلي

تطفو على السطح بقوة هذه الأيام مسألة استقلالية هيئة أسواق المال، مع التدخلات التي تواجهها الهيئة ومجلس مفوضيها في عملها من بعض الأطراف، فهل حفظ قانون إنشاء هيئة أسواق المال استقلاليتها، أم أنه وفر غطاءً لتدخلات من جهات خارج الهيئة لتتدخل في عملها وتوجهها؟

هذه التساؤلات توجهت بها القبس إلى خبراء قانونيين ودستوريين، لتخرج بإجماع منهم على استقلالية الهيئة إدارياً ومالياً بشكل يجعل أي تدخل من أي جهة خارج الهيئة في عملها أمراً غير قانوني.

استقلالية تامة

أكد المحامي الدكتور فهد الحبيني إن الاستقلالية التامة لعمل هيئة أسواق المال إدارياً ومالياً متوافرة في قانون إنشائها، موضحاً أن المادة الثانية من القانون التي تنص على أن: «تنشأ هيئة عامة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية يشرف عليها وزير التجارة والصناعة، تسمى هيئة أسواق المال»، لا تمنح وزير التجارة أي سلطة رئاسية أو سلطة قرار في الهيئة، في ظل خلو ما ورد في مواد القانون الأخرى من أي إشارة إلى أي سلطة للوزير على الهيئة وأعمالها.

وأضاف أن المواد الأخرى القليلة في القانون التي ورد في نصها ذكر الوزير المختص، أي وزير التجارة، هي الأخرى لا تنص على أي سلطة تنفيذية للوزير على عمل الهيئة، فالمادة السادسة تعطيه صلاحية ترشيح أسماء المفوضين من دون قرار نهائي بتعيينهم الذي لابد أن يكون بمرسوم أميري كما نصت المادة، كذلك الأمر بالنسبة للمادة 11 التي تمنح الوزير حق اقتراح رواتب ومكافآت ومزايا المفوضين، من دون أن يكون القرار من قبلها نهائياً في هذا الشأن، إذ إن المادة اشترطت لنفاذ ما ورد فيها موافقة مجلس الوزراء، ومن ثم صدور مرسوم أميري يحدد رواتب المفوضين ومكافآتهم. أما المادة 25، التي توجب على الهيئة رفع تقرير سنوي حول أعمالها إلى الوزير، فإنها تنص على رفع الوزير هذا التقرير إلى مجلس الوزراء، من دون أن تذكر أي سلطة لها على الهيئة.

وقال الحبيني إن المادة الوحيدة في القانون التي تتيح تدخلاً للوزير في عمل معين من أعمال الهيئة هي المادة 30، التي تنص على أن الوزير هو الذي يمنح بقرار منه صفة الضبطية القضائية لموظفين في الهيئة، إلا أن هذا النص يتعارض مع ما ورد في مادة أخرى من القانون، هي المادة 17 التي تنص صراحة على أن «يكون لرئيس مجلس مفوضي الهيئة اختصاصات الوزير وديوان الخدمة المدنية في ما يتعلق بموظفي الهيئة، مما يجعل التفسيرات القانونية تتضارب حول صلاحية الوزير أو رئيس مجلس المفوضين في الهيئة بتحديد الموظفين الذين لهم صفة الضبطية القضائية. وأوضح أنه حتى لو سلمنا جدلاً بأن الوزير هو من يحدد الموظفين ذوي صفة الضبطية القضائية في الهيئة، فإن ذلك لا يعطيه الحق في التدخل في أي قرارات أو أعمال أخرى تخص الهيئة وموظفيها، مشيراً إلى أن الأمر الوحيد الذي يملكه الوزير في حال وردت إليه مخالفات أو ملاحظات حول مفوضي الهيئة، هو تمرير هذه المخالفات إلى مجلس الخدمة المدنية الذي هو صاحب السلطة والحق في التحقيق واتخاذ الإجراءات التأديبية في حق المخالفين، إذا ثبتت مخالفتهم. أما اتخاذ إجراءات من قبل الوزير نفسه، أو توجيه مجلس المفوضين أو تعطيله قرارات اتخذها تحت أي ذريعة، فإن ذلك لا يحق للوزير من الناحية القانونية. وأضاف الحبيني أنه حتى في حال ورود أسئلة تخص عمل الهيئة أو مفوضيها إلى وزير التجارة، فإن الإجراء الذي يجب على الوزير عندها فعله هو تحويل الأسئلة إلى مجلس المفوضين للرد عليها، ومن ثم تسليم الإجابات إلى النائب الذي وجه الأسئلة، من دون اتخاذ إجراءات أخرى، فالمادة الثامنة من قانون إنشاء الهيئة تنص على أن «يمثل الرئيس – رئيس مجلس المفوضين - الهيئة أمام الغير وأمام القضاء».

لا صلاحيات تنفيذية للوزيرة

أما عضو المنظمة العربية للعلوم القانونية والمتخصصة بالقوانين التجارية وأسواق المال سعد الريس، فقال إن وزيرة التجارة لا تملك أي صلاحيات في التدخل بالدور التنفيذي لهيئة سوق المال، ولا تملك إصدار قرار بوقف العمل بالنظم واللوائح والقرارات التي تقرها مفوضية هيئة المال، وفقاً لاختصاصاتها المحددة في المادة 4 من قانون إنشاء الهيئة، إذ حدد القانون الجديد الاختصاصات بممارسة الصلاحيات التنفيذية لمجلس مفوضي الهيئة، لعل أبرزها إصدار جميع القرارات التي تدخل في اختصاص الهيئة، واللازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية، وإصدار اللوائح والتعليمات اللازمة لتنفيذ القانون.

وأكد أن دور وزيرة التجارة إشرافي وأدبي فقط ولا يعطيها الحق في مباشرة الصلاحيات التنفيذية للهيئة ومفوضيها، كون قانون إنشاء الهيئة أكد في المادة الثانية منه على استقلالية الهيئة وتمتعها بالشخصية الاعتبارية، كما أن المادتين 5 و8 نصا صراحة على صلاحيات مفوضية هيئة سوق المال برفع الدعاوى المدنية والتجارية وتحريك الدعاوى الجزائية، على أن يمثل رئيس المفوضين الهيئة أمام القضاء والغير، بل إن القانون ذهب إلى أبعد من ذلك، عندما أعطى صلاحية فرض رسوم، وتحصيل الغرامات لمجلس المفوضين، ولم يمنح ذلك للوزيرة بأن تصدرها بقرار وزاري، كما هو معهود في القوانين المحلية الأخرى.

وأكد أن صائغي قانون هيئة سوق المال، كانت لديهم الحكمة في أن يكون لمنصب الوزير دور ثانوي، بل لا يذكر أساسا في الاشراف على أعمال هيئة المال، وذلك لحساسية أعمالها، ولاعطائها مزيدا من الاستقلالية، مشيرا الى وضوح ذلك في استقلالية ميزانية الهيئة، وعدم الحاقها بوزارة التجارة.

وأوضح الريس أن ربط دور وزيرة التجارة بالاشراف على هيئة سوق المال الكويتي، بدورها ومسؤوليتها أمام مجلس الأمة هو ربط غير صحيح، ولا يمثل الفهم السليم للقانون، حيث إن مسؤولية الوزير مسؤولية سياسية فقط، يتحمل معها التبعات السياسية كضريبة قبوله المنصب الوزاري، مضيفا أنه في كثير من الأحيان يتحمل الوزير المسؤولية السياسية أمام مجلس الأمة من دون أن يكون له دور أو مشاركة أو قرار في أي من أعمال يشرف عليها بحكم منصبه، ومع ذلك نجد أن المسؤولية السياسية تقوم عليه، سواء من خلال الرد على الأسئلة البرلمانية، أو حتى صعود منصة الاستجواب.

واستدرك الريس قائلا: هذا كله لا يعطي مبررا لأن يكون للوزير دور تنفيذي في أعمال هيئة سوق المال، فجميع المسؤوليات عدا السياسية منها تقوم على مفوضية هيئة السوق، بصفتهم المسؤولين عن ادارة هذا المرفق، اذ نجد ذلك في المادة 8 من قانون انشاء الهيئة التي تنص على قيام المسؤولية الكاملة للمفوضين عن الادارة التنفيذية للهيئة.

وأضاف: ان ما قصده قانون الهيئة كان واضحا وجليا، وفقا للفهم القانوني السليم، اذ إنه أراد للعلاقة بين وزير التجارة وهيئة سوق المال أن تكون كما هو حاصل في علاقة وزير المالية بالبنك المركزي، فلم نسمع من قبل وجود تدخل من قبل وزير المالية في أعمال «المركزي»، اذ إن العلاقة بينهما علاقة أدبية، في حين أن الدور الأساسي هو لمجلس الوزراء، وفي ذلك حكمة جلية وواضحة على أساس حساسية دور البنك المركزي في الاقتصاد الوطني، وهو ما يجب أن يكون في علاقة وزيرة التجارة بهيئة السوق.
ولفت الريس الى أن المطلع على أحكام الباب الانتقالي في القانون رقم 7 لسنة 2010 يجد في المادة 163 الغاء عدد من القوانين والمراسيم السابقة، والتي كان لوزير التجارة دور أساسي ومحوري فيها، وتعطيه صلاحيات واسعة، لأن المشرع الكويتي قصد بذلك عمدا ابعاد منصب وزير التجارة عن الأعمال التنفيذية والفنية لهيئة سوق المال.
وحول ما يتردد عن امكانية وقف العمل بقرارات الهيئة السابق صدورها، قال: لا أجد دورا قانونيا للوزيرة يعطيها الحق في الغاء قرارات أصدرتها هيئة سوق المال، فالقرار الأول والأخير هو للهيئة ذاتها بمجلس مفوضيها، تحت رقابة ومظلة القضاء الكويتي، الذي له الحق في الحكم ببطلان أي قرارات أو أعمال قامت بها الهيئة بالمخالفة للقانون والدستور، مضيفا أن البورصات تعد من أهم هياكل المال في دول العالم، ومن ثمة، فان أي خطوة غير مدروسة من الناحيتين الاقتصادية والتشريعية ستكون عواقبها وخيمة على الاقتصاد الكويتي، كما أن أي قرار لوقف العمل بتلك القرارات، سيفتح بابا واسعا لقضايا تعويضات ترفع ضد الدولة، مما يشكل عبئا على المال العام ومقدرات الشعب.

حجب التدخل الحكومي

وحول الرأي الدستوري في مدى ما يوفره القانون رقم 7 لسنة 2010 من استقلالية لهيئة سوق المال، قال الخبير الدستوري الدكتور محمد المقاطع ان المؤسسات والهيئات والأجهزة الحكومية تنشأ وفقا لما هو مقرر في ظل دستور 1962/11/1 الدستور الحالي للكويت استنادا لأحد نصين هما المادة 73 من الدستور، اذ تكون سند المؤسسات والأجهزة الحكومية التي لا تتمتع بشخصية اعتبارية وتكون تبعيتها والاشراف عليها من قبل السلطة المركزية للحكومة مباشرة سواء كانت مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الوزراء أو أحد الوزراء، وهي تكون بهذه الصفة خاضعة للسلطة الرئاسية للحكومة التي تملك كل سلطات الرئيس في مواجهة المرؤوس بما في ذلك تغيير قراره والحلول محله في اتخاذه.

وأضاف المقاطع: أما بالنسبة للمؤسسات والهيئات والأجهزة الحكومية التي تنشأ بسند من المادة 133 من الدستور فانها تتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة، لكنها تظل خاضعة لاشراف الحكومة وتتبعها باعتبارها من الأجهزة والمؤسسات الادارية اللامركزية، ومن ثم تخضع للحكومة وفقا لنظام الوصاية الادارية بما يتيح للحكومة تعيين جزء من أعضائها أو الاعتراض على قراراتها أو وقفها حسب الأحوال ما لم يكن لها طبيعة خاصة عكستها أحكام القانون المنشئ لها، وهو ما ينطبق على قانون هيئة سوق المال.

وأوضح المقاطع أن هيئة أسواق المال أنشأها قانون خاص هو القانون رقم 7 لسنة 2010 بوضع مستقل وبشخصية معنوية كاملة، وبتبعية شكلية واسمية للحكومة تتوافق مع طبيعتها ومع النظام الدستوري الحالي الذي تملك فيه السلطة التشريعية انشاء مؤسسات وأجهزة حكومية تتمتع بكيان مستقل بقانون خاص دون قيد أو حدود على الاختصاص التشريعي لمجلس الأمة في هذا الشأن، والذي لنطاقه التشريعي ميدان واسع لا يحده موضوع ولا تقيده أي حدود.

وتابع المقاطع حديثه قائلا: لا شك في أن اعتبار هيئة سوق المال جهة مستقلة يتولى ادارتها بصورة كاملة مجلس مفوضين مع غياب أي مظاهر فعلية للوصاية الادارية، يتماشى مع طبيعتها المستقلة والمحايدة في اضطلاعها بمسؤوليات رقابية واشرافية تسند اليوم لهيئات أسواق المال تعزيزا لمظاهر استقلاليتها وحجبا لتدخل الحكومة بقرارتها، مما يكسبها وضعا خاصا يقترب من وضع مجلس القضاء الأعلى ببعض الجوانب ووضع بنك الكويت المركزي في جوانب أخرى، وهو ما يضفي طابعا له خصوصية على وضعها، له أساسه في الدستور مع صيرورة اشراف الحكومة عليها اشرافا اسميا وشكليا، وهو ما يمكن الوقوف عليه بصورة كاملة من أحكام القانون رقم 7 لسنة 2010.

ولفت المقاطع الى أن أحكام القانون تتابعت في تجلية وتوكيد مظاهر الاستقلال تلك في الشروط والاجراءات المسبقة لتعيين المفوضين، وفي اجراءات التعيين وأداته، وفي بيان اختصاصات كل من رئيس مجلس المفوضين ومجلس المفوضين المقررة في المادة 8 من القانون التي أوكلت لهما الادارة الكاملة للهيئة على نحو يستبعد أي جهة حكومية بما فيها مجلس الوزراء، وأكملت ذلك أيضا المادة 9 التي قررت صلاحية الانابة في الاختصاص من الرئيس الى غيره في مجلس المفوضين منفردا ولوحده، وفي عدم قابليتهم للعزل من الحكومة رغم ان تعيينهم يكون بمرسوم بتوصية من وزير التجارة والصناعة، فخلو القانون من قواعد بذلك تبرز ارادة المشرع في اعتباره ذلك ضمانة جوهرية، ويضاف لما سبق اختصاصاتهم الرقابية الواسعة دون خضوع في ذلك لأي تعقيب من الحكومة بأي شكل أو أي صفة.
-


المصدر :- جريدة القبس http://j.mp/HdpTjW


-

0 التعليقات :

إرسال تعليق