باتت الأرقام عاجزة عن التعبير، وأصبح من المتعذر عليها أن تتحدث عن نفسها. لكن في فترات سابقة كانت الأرقام اللعبة الوحيدة في كل مجال. وفي تلك الأيام، كانت الأرقام تطرح دائماً «على خط واحد مع التوقعات». إنها أشبة ما تكون بالصواريخ الموجهة، لأنه حال إطلاقها تتولى إكمال المهمة بذاتها. وتحركت النتائج بنظام رتيب، وكان بمقدور المحللين توقع الأرباح إلى أدق مستوى من الخانات الرقمية. وكان ذلك يحدث في تلك الأيام الجيدة.
ولم تعد الحال على هذا النحو، بل باتت الأرقام في هذه الأيام بحاجة إلى عكازات تسندها عند المشي. وقد تكون أدوات الدعم المجازية هنا في سياق الأداء التجاري والتي تقدمها إدارة الشركة. ومنذ فترة طويلة، أصبح الإهمال مصير «قسم النقاش والتحليل الإداري»، الذي يوجد عادة في التقارير السنوية، ولم يعد القراء يتحملون عناء النظر إليه، لأنهم يرون فيه مجرد ملحق خفيف للتعبير عن المشاعر الطيبة.
وكان ينظر إليه على أنه مجرد فرصة أخرى متاحة أمام المدير التنفيذي للتعبير عن امتنانه لفريقه التنفيذي الذي لم يقم بأي شيء ركوب قمة موجة النمو الاقتصادي. ويكون من الصعب التمييز بين قسم وآخر من أقسام «النقاش والتحليل الإداري» بين شركة وأخرى إذا كانتا تعملان في القطاع نفسه ومجموعة رأس المال نفسها. وعندما يتجاهل القراء هذا القسم، فإنهم لا يشعرون أن شيئاً ثميناً قد فاتهم. وبعد كل شيء، لا صوت يعلو فوق صوت الأرقام الموجودة في البيانات المالية.
وخلال العامين الماضيين، وبعد أن انقلبت نتائج الشركات رأساً على عقب، فقد شهدت تلك الأرقام تغيراً في طابعها، وظهرت بصورة يمكن الاعتماد عليها، وبدت ثابتة وبعيدة عن السمة الدراماتيكية. وبدلاً من ذلك، فقد دخلت مصطلحات كثيرة إلى المعجم التجاري، ومنها على سبيل لا الحصر، «لا مثيل لها» و«لم يسبق لها مثيل» و«اضطراب» و«ذعر».
وفي الواقع، أصبحت هذه الأساليب الوصفية شائعة جداً إلى درجة أنها اكتسبت صفة الكليشيهات السائدة. ويكاد يكون من المستحيل أن تقع أعيننا على بيانات صحافية تتعلق بالأرباح، أو رسالة من رئيس الشركة أو «قسم النقاش والتحليل الإداري» من دون وجود عبارات الإطراء وصفات التبجيل. لكن التلويح بابتعاد هذه الروايات بسبب انتشار هذه الصطلحات سيؤدي إلى فقدان جوهر النقطة المطلوبة.
وعندما نقرأ هذه الخطابات عن قرب، يتبين لنا أن الشركات تولي المزيد من الاهتمام لشرح معايير الأداء. ويعترف المديرون التنفيذيون بانفتاح أنه في ظل الظروف العادية، ربما يكون أداؤهم في الفترة الأخيرة لا يطاق، لكن على ضوء الظروف الفريدة لأداء الشركات في العامين الماضيين، ينبغي أن نجد عذراً للنتائج السيئة، أو أن نتفهمها على أقل تقدير. وبالتالي، تكون الأهمية متعلقة بالقصص الكامنة وراء هذه الأرقام. وعندما تكون النتائج جيدة، ربما يكون من المناسب ظهور تلك العبارات الرنانة، لكن استخدامها الآن يعد ضرباً من ضروب الانتحار.
ويجب على الشركات الذكية استغلال كل فرصة حتى تتمكن من توضيح ما تقوم به في الوقت الحالي للانحناء في وجه العاصفة الاقتصادية. وأعني هنا بكلمة «الذكية» تلك الفئة الشركات التي تعترف بأن المنافسة على رأس المال قد أصبحت أكثر شراسة خلال العامين الماضيين. ولم تعد تقارير الكشف عن الأداء أو الأرباح بمثابة طعم سائغ يقدم إلى الأسواق في ظل الضغوط التنظيمية، بل أصبحت الطريق إلى البقاء على قيد الحياة بالنسبة إلى الكثير من الشركات. وبات تشديد السيولة والقدرة على خفض الخطر يعني أن في الوقت الذي يمكن فيه للمستثمرين التغاضي عن النتائج السيئة، إلا أنهم يودون معرفة ما تقوم به الشركات لوقف النزيف. ومن الواضح هنا أن الكشف عن الحقائق يعد خير وسيلة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يمكن أن تبقى هذه الممارسة عندما تعود الأوقات الجيدة؟ إن هناك الكثير من الأسباب الوجيهة التي تحتم على الشركات عدم العودة إلى أساليبها القديمة. دعونا ننظر بشكل موجز إلى ثلاثة أسباب نطرحها في السياق التالي.
أولاً - لم تعد الفكرة القائلة إن امتثال الشركات للمعايير القانونية والتنظيمية تكفي لتلبية متطلبات المستثمرين مناسبة للوقت الراهن، حيث يبدو أن الزمن قد تجاوزها. ويتوقع المستثمرون مستوى أعمق من المشاركة الطوعية التي تأتي عبر إجراءات مكتوبة من قبل الإدارة القانونية أو أن يتم إعدادها بصورة مسبقة. وتعتبر الرسائل التي يوجهها وارين بافيت إلى المساهمين في شركة «بيركشاير هاثاواي» نموذجاً يمكن الاقتداء به لأفضل الممارسات التي ينبغي على الكثير من الشركات اعتماده في علاقاتها مع المستثمرين. وينبغي على الرئيس التنفيذي التفكير بعناية وحرص شديدين في معظم الأسئلة التي يتوقع منه تقديم إجابات واضحة عنها، خصوصاً إذا لم يكن هو مساهماً تنفيذياً في الشركة. وبعد تجميع قائمة الأسئلة تلك، يتعين على المدير الرد على كل سؤال بشفافية تامة وعلى النحو الذي يتوقعه هذا المدير لو كان خارج الشركة.
ثانياً - لقد بات المستثمرون يتطلعون إلى ما هو أبعد من حركة سعر السهم والبيانات المالية الأخيرة، لتطال نظرتهم تلك العوامل الديناميكية التي تدعم نشاطات الشركة واستدامة نموذج عملها. ومن شأن هذا أن يخلق فرصة للشركات لإطلاع المجتمع الاستثماري حول العوامل المحركة لنشاطاتها. كما تسمح هذه الطريقة لها بتحديد المعايير التي يستخدمها المستثمرون للحكم على نشاطاتها. ويكون لأي جهد استباقي عن طريق الاتصالات الجيدة تأثير كبير في نظرة المستثمرين إزاء أرباح الشركة في المستقبل. ومع ذلك، وبدلاً من أن تتبع الشركة طريقة الاستعراض العام للعوامل الاقتصادية، يتعين على الشركات التركيز على تلك العوامل التي كان لها أكبر الأثر في أدائها.
ثالثاً - لقد أصبحت هذه الروايات الإدارية علامة تجارية للشركات في سوق الأسهم، حيث إنها باتت تمثل على أرض الواقع شعاراً للشركة، وتتم صياغتها بطريقة نثرية إلى حد ما، وتحظى بالدرجة نفسها من الاهتمام الذي توليه الشركات لعمل المصممين في أثناء إنتاج الأفلام المرئية للشركة. وقد أظهر الانهيار الاقتصادي الطريقة التي تتفاعل فيها الأسواق بشكل مختلف عند الكشف عن النتائج المزرية من قبل شركتين تعملان في القطاع نفسه، إذ تعمد إلى فرض عقاب شديد على إحداهما، بينما تتلقى الأخرى تأنيباً خفيفاً. وفي كل واحدة من الحالتين السابقتين، يكون السرد العنصر الأساس.
ويسود اعتراف عام بأن الأزمة قد ظهرت قبل فترة، وهي في ظريقها إلى الأفول الآن، لكن هناك الكثير من الدروس المتعلقة بتوقعات المستثمرين والتي يجب على الشركات أن تستوعبها تماماً. وإذا لم تفعل الشركات ذلك، ستتم إدانتها بالجريمة نفسها التي ارتكبها الدبلوماسي الفرنسي الكبير تاليران في القرن الثامن عشر، عندما اتهم أسرة البوربون لدى عودتها إلى حكم البلاد بأنها «لم تتعلم شيئاً ولم تنس شيئاً».
الكاتب:- أوبي تابانسي أونييسوالمدير العام لشركة كوستمز ستريت أدفايزرز
ولم تعد الحال على هذا النحو، بل باتت الأرقام في هذه الأيام بحاجة إلى عكازات تسندها عند المشي. وقد تكون أدوات الدعم المجازية هنا في سياق الأداء التجاري والتي تقدمها إدارة الشركة. ومنذ فترة طويلة، أصبح الإهمال مصير «قسم النقاش والتحليل الإداري»، الذي يوجد عادة في التقارير السنوية، ولم يعد القراء يتحملون عناء النظر إليه، لأنهم يرون فيه مجرد ملحق خفيف للتعبير عن المشاعر الطيبة.
وكان ينظر إليه على أنه مجرد فرصة أخرى متاحة أمام المدير التنفيذي للتعبير عن امتنانه لفريقه التنفيذي الذي لم يقم بأي شيء ركوب قمة موجة النمو الاقتصادي. ويكون من الصعب التمييز بين قسم وآخر من أقسام «النقاش والتحليل الإداري» بين شركة وأخرى إذا كانتا تعملان في القطاع نفسه ومجموعة رأس المال نفسها. وعندما يتجاهل القراء هذا القسم، فإنهم لا يشعرون أن شيئاً ثميناً قد فاتهم. وبعد كل شيء، لا صوت يعلو فوق صوت الأرقام الموجودة في البيانات المالية.
وخلال العامين الماضيين، وبعد أن انقلبت نتائج الشركات رأساً على عقب، فقد شهدت تلك الأرقام تغيراً في طابعها، وظهرت بصورة يمكن الاعتماد عليها، وبدت ثابتة وبعيدة عن السمة الدراماتيكية. وبدلاً من ذلك، فقد دخلت مصطلحات كثيرة إلى المعجم التجاري، ومنها على سبيل لا الحصر، «لا مثيل لها» و«لم يسبق لها مثيل» و«اضطراب» و«ذعر».
وفي الواقع، أصبحت هذه الأساليب الوصفية شائعة جداً إلى درجة أنها اكتسبت صفة الكليشيهات السائدة. ويكاد يكون من المستحيل أن تقع أعيننا على بيانات صحافية تتعلق بالأرباح، أو رسالة من رئيس الشركة أو «قسم النقاش والتحليل الإداري» من دون وجود عبارات الإطراء وصفات التبجيل. لكن التلويح بابتعاد هذه الروايات بسبب انتشار هذه الصطلحات سيؤدي إلى فقدان جوهر النقطة المطلوبة.
وعندما نقرأ هذه الخطابات عن قرب، يتبين لنا أن الشركات تولي المزيد من الاهتمام لشرح معايير الأداء. ويعترف المديرون التنفيذيون بانفتاح أنه في ظل الظروف العادية، ربما يكون أداؤهم في الفترة الأخيرة لا يطاق، لكن على ضوء الظروف الفريدة لأداء الشركات في العامين الماضيين، ينبغي أن نجد عذراً للنتائج السيئة، أو أن نتفهمها على أقل تقدير. وبالتالي، تكون الأهمية متعلقة بالقصص الكامنة وراء هذه الأرقام. وعندما تكون النتائج جيدة، ربما يكون من المناسب ظهور تلك العبارات الرنانة، لكن استخدامها الآن يعد ضرباً من ضروب الانتحار.
ويجب على الشركات الذكية استغلال كل فرصة حتى تتمكن من توضيح ما تقوم به في الوقت الحالي للانحناء في وجه العاصفة الاقتصادية. وأعني هنا بكلمة «الذكية» تلك الفئة الشركات التي تعترف بأن المنافسة على رأس المال قد أصبحت أكثر شراسة خلال العامين الماضيين. ولم تعد تقارير الكشف عن الأداء أو الأرباح بمثابة طعم سائغ يقدم إلى الأسواق في ظل الضغوط التنظيمية، بل أصبحت الطريق إلى البقاء على قيد الحياة بالنسبة إلى الكثير من الشركات. وبات تشديد السيولة والقدرة على خفض الخطر يعني أن في الوقت الذي يمكن فيه للمستثمرين التغاضي عن النتائج السيئة، إلا أنهم يودون معرفة ما تقوم به الشركات لوقف النزيف. ومن الواضح هنا أن الكشف عن الحقائق يعد خير وسيلة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يمكن أن تبقى هذه الممارسة عندما تعود الأوقات الجيدة؟ إن هناك الكثير من الأسباب الوجيهة التي تحتم على الشركات عدم العودة إلى أساليبها القديمة. دعونا ننظر بشكل موجز إلى ثلاثة أسباب نطرحها في السياق التالي.
أولاً - لم تعد الفكرة القائلة إن امتثال الشركات للمعايير القانونية والتنظيمية تكفي لتلبية متطلبات المستثمرين مناسبة للوقت الراهن، حيث يبدو أن الزمن قد تجاوزها. ويتوقع المستثمرون مستوى أعمق من المشاركة الطوعية التي تأتي عبر إجراءات مكتوبة من قبل الإدارة القانونية أو أن يتم إعدادها بصورة مسبقة. وتعتبر الرسائل التي يوجهها وارين بافيت إلى المساهمين في شركة «بيركشاير هاثاواي» نموذجاً يمكن الاقتداء به لأفضل الممارسات التي ينبغي على الكثير من الشركات اعتماده في علاقاتها مع المستثمرين. وينبغي على الرئيس التنفيذي التفكير بعناية وحرص شديدين في معظم الأسئلة التي يتوقع منه تقديم إجابات واضحة عنها، خصوصاً إذا لم يكن هو مساهماً تنفيذياً في الشركة. وبعد تجميع قائمة الأسئلة تلك، يتعين على المدير الرد على كل سؤال بشفافية تامة وعلى النحو الذي يتوقعه هذا المدير لو كان خارج الشركة.
ثانياً - لقد بات المستثمرون يتطلعون إلى ما هو أبعد من حركة سعر السهم والبيانات المالية الأخيرة، لتطال نظرتهم تلك العوامل الديناميكية التي تدعم نشاطات الشركة واستدامة نموذج عملها. ومن شأن هذا أن يخلق فرصة للشركات لإطلاع المجتمع الاستثماري حول العوامل المحركة لنشاطاتها. كما تسمح هذه الطريقة لها بتحديد المعايير التي يستخدمها المستثمرون للحكم على نشاطاتها. ويكون لأي جهد استباقي عن طريق الاتصالات الجيدة تأثير كبير في نظرة المستثمرين إزاء أرباح الشركة في المستقبل. ومع ذلك، وبدلاً من أن تتبع الشركة طريقة الاستعراض العام للعوامل الاقتصادية، يتعين على الشركات التركيز على تلك العوامل التي كان لها أكبر الأثر في أدائها.
ثالثاً - لقد أصبحت هذه الروايات الإدارية علامة تجارية للشركات في سوق الأسهم، حيث إنها باتت تمثل على أرض الواقع شعاراً للشركة، وتتم صياغتها بطريقة نثرية إلى حد ما، وتحظى بالدرجة نفسها من الاهتمام الذي توليه الشركات لعمل المصممين في أثناء إنتاج الأفلام المرئية للشركة. وقد أظهر الانهيار الاقتصادي الطريقة التي تتفاعل فيها الأسواق بشكل مختلف عند الكشف عن النتائج المزرية من قبل شركتين تعملان في القطاع نفسه، إذ تعمد إلى فرض عقاب شديد على إحداهما، بينما تتلقى الأخرى تأنيباً خفيفاً. وفي كل واحدة من الحالتين السابقتين، يكون السرد العنصر الأساس.
ويسود اعتراف عام بأن الأزمة قد ظهرت قبل فترة، وهي في ظريقها إلى الأفول الآن، لكن هناك الكثير من الدروس المتعلقة بتوقعات المستثمرين والتي يجب على الشركات أن تستوعبها تماماً. وإذا لم تفعل الشركات ذلك، ستتم إدانتها بالجريمة نفسها التي ارتكبها الدبلوماسي الفرنسي الكبير تاليران في القرن الثامن عشر، عندما اتهم أسرة البوربون لدى عودتها إلى حكم البلاد بأنها «لم تتعلم شيئاً ولم تنس شيئاً».
الكاتب:- أوبي تابانسي أونييسوالمدير العام لشركة كوستمز ستريت أدفايزرز
0 التعليقات :
إرسال تعليق