لماذا لم يلاحظ أحد منا الركود وهو يستعد لمهاجمتنا؟ كان هذا هو السؤال الذي وجهته ملكة إنجلترا إلى البروفيسور غاريكانو من مدرسة لندن للاقتصاد في نوفمبر من العام 2008. لقد أرادت الملكة البريطانية أن تعرف سر فشل أنظمة الإنذار المبكر في تحذير أي شخص من الأزمات الاقتصادية العالمية الوشيكة.
وفي محاولة منه للتأكيد لها على ذلك، وأن الأزمات لا تكشف عن ذاتها مسبقاً، كما قد يظن البعض، فقد رد الأكاديمي البارز بأن أي شخص لم ينجح في التنبؤ بتلك الأزمة لأن الجميع أوكلوا مهمة المراقبة إلى أناس آخرين، وقال «في كل مرحلة من المراحل، كان هناك شخص ما يعتمد على شخص آخر، فيما كان الجميع يظنون أنهم يفعلون الشيء الصحيح».
وكأن كل واحد قد تنازل عن مهمة المراقبة ليقوم به جاره، وبالتالي حلت الأعراض علينا واستشرت خطورتها بيننا من دون أن يلاحظها أحد منا.
ومما يثير الدهشة، أن البروفيسور لم يقصد أن أي شخص لم ير الأزمة وهي تتشكل، بل إن الناس رؤوا ذلك بالفعل، وكان يقصد بذلك أن الكثيرين من الناس شاهدوا بأم العين تلك الغمامات السوداء وهي تتشكل في الأفق، لكنهم قالوا في أنفسهم إنه طالما لم يحذر أحد من خطورتها، فإنها قد تكون سراباً.
فلماذا نفسد الأجواء الاحتفالية التي يستمتع بها العالم. ولم يمتلك أحد القدر الكافي من الشجاعة ليجهر بصوته منذراً من سلسلة الإقراض التي أدت إلى نشوب أزمات الائتمان.
وفي هذا يقول: «يقدم وكلاء الرهن طلبات القروض مقابل الحصول على عمولة جيدة، والبنوك تمنح القروض التي تعرف أنها قادرة على توفيرها واعتمادها، أما وكالات التصنيف من جانبها، وهي تلك الوكالات المسؤولة عن الاعتماد والتقييم في هذه الحالات، فإنها تعطي تصنيفات عالية لمنتجات لا تفهمها أصلاً وفق ادعاءات مشكوك فيها، وتعتمد على بيانات 12 عاماً، ومما يقلق كثيراً أن مديري الأصول، «مثل صناديق المعاشات وغيرها»، يقبلون على شراء السندات، لأنهم إذا لم يفعلوا ذلك، فإن أداءهم سيكون أقل مستوى من منافسيهم، ومن هنا تنشأ المخاطر.
لكن ما هو نوع التواطؤ العالمي لمن كان بمقدوره إطلاق التحذير؟
ربما يكون العكس هو الصواب في الوقت الراهن، فخلال الشهور القليلة الماضية، رأينا بوادر انتعاش ضعيف. وعلى الرغم من ذلك، وبما أنه كان من الصعوبة سماع أي أصوات مسؤولة من جانب سلطات الاقتصاد والمال تتعلق بالنهاية الأكيدة للمشاكل التي نعانيها، فإننا لانزال قابعين بطريقة جبانة في ملجأ مفخخ بالقنابل. وشعارنا الجديد هو الانتظار والترقب.
لكن إطلاق التحذير من أزمة وشيكة وإعادة بناء الثقة بعد الأزمة يحتاج إلى سلسلة من المهارات. ففي الحالة الأولى، قد يصرخ شخص ما بأعلى صوته «حريق حريق، أسرعوا إلى المخارج». وفي الحالة الثانية يحاول الشخص طمأنة المستمعين بكلمات مهدئة بالقول: «كل شيء على ما يرام، يرجى من الجميع التحلي بالهدوء والاسترخاء».
وقد يزعم البعض أن لا أحد يحذر من أن الحريق لايزال مشتعلاً في المبنى حتى الآن. وربما يكون ذلك صحيحاً. لكن في أي مكان تتجه إليه، سواء كان التلفزيون أو الصحف أو المحاضرات أو صفحات الإنترنت، فإن هاجس النار لايزال يسيطر علينا جميعاً. «لقد وصلت درجة الحرارة إلى ألف درجة مئوية»، و«ستأكل النار المدينة بأكملها»، و«قد يستغرق الأمر أياماً عدة من أجل إخماد النيران»، و«حصدت النار الكثير من الأرواح»، و«لقد كان أسوأ حريق في التاريخ»، وتستمر قائمة الذكريات المؤلمة، ويبدو الزمن وقد توقف بنا لنكتفي بتحليل أسباب الحريق الذي لم يلحظ أحد منا أنه بدأ يخبو تدريجياً.
وفي هذا الوقت، ولأنه بات من قبيل الموضة المعتادة الآن بالنسبة إلى الأكاديميين والصحافيين وخبراء الاقتصاد أن يتحدثوا ويكتبوا عن الأزمات، قد يكون مخالفاً للاتجاه العام السائد أن تعلن عن أن المد بدأ بالتحول. وخلال الشهر الماضي فقط، نشر موقع «بورتفوليو دوت كوم» قصة للكاتبة سوزان ماك غاي، قد تثير اهتمام أعتى مديري صناديق التحوط أو الأسهم الخاصة، وكانت تحت عنوان «سادة العالم الجديد». وبدلاً من التركيز على كبار المتهمين المعتادين في سوق «وول ستريت»، فقد تناولت تلك القصة في تغطيتها علماء الاقتصاد الذين حذروا من الأزمة وعلى المكانة القوية للنادي الذي قاموا بتأسيسه في الآونة الأخيرة. ويطمح الكثيرون من الخبراء الآخرين بالانضمام إلى تلك الجمعية المقدسة التي تربط بين هؤلاء.
لكن ماذا يمكنهم أن يفعلوا أكثر من زيادة عدد الأعضاء المنضويين تحت لواء تلك السلسلة الوردية، ومناقشة تلك الآراء التي قادتنا إلى «يوم القيامة»؟
وعلى الرغم من الانتعاش المستقر الذي سجلته الأسواق العالمية خلال الشهور الأخيرة، إلا أن المناخ العام يبدو صعب المراس.
فالمستثمرون الذين اندفعوا للحصول على الأرباح في موجة انخفاض الأسعار يبدون مرتبكين وغير مقتنعين إزاء استمرار حالة الزخم الحالية.
ومما يدعو للسخرية أنه في حين أن الأسواق تحقق انتعاشاً مؤقتاً، إلا أن الاقتصادات قد تعاني الألم لفترات طويلة. وبالطريقة نفسها التي لم نستطع معها التنبؤ بالأزمات الوشيكة في ربيع العام 2007، فقد يفوتنا ربيع الانتعاش الذي بدأت بواكيره تظهر في العام الجاري 2010. كل ذلك لأننا ننتظر قدوم شخص ما ليقول لنا إن الأزمة قد انتهت.
وقد يكون من الجدير بنا أن نتذكر انعكاسات الحكاية القديمة التي تذكر قيام الناس ببيع أسهمهم عندما بدأ الصبي الذي كان يعمل في محل لتلميع الأحذية بإلقاء محاضرات. وحينما يبدأ سائقو سيارات الأجرة والندلة والبوابون بتقديم التوصيات حول التعامل مع الانهيار، يجب علينا أن نعلم حينها أن العاصفة قد انتهت بالفعل.
وعلى مدى أكثر من عامين، ساد مناخ من الألم والقلق والخوف المستمر. وكان هناك ما يكفي من العناوين الباعثة على الإحباط التي تظهر في أعلى الصفحات لتحذرنا مو عواقب الأمور، لكن ينبغي علينا أن نفسح المجال لبعض الأمل أيضاً ليتسرب إلى نفوسنا. لقد حان الوقت للتخلص من عادة إدمان الكساد.
الكاتب:- أوبي تابانسي أونييسو
وفي محاولة منه للتأكيد لها على ذلك، وأن الأزمات لا تكشف عن ذاتها مسبقاً، كما قد يظن البعض، فقد رد الأكاديمي البارز بأن أي شخص لم ينجح في التنبؤ بتلك الأزمة لأن الجميع أوكلوا مهمة المراقبة إلى أناس آخرين، وقال «في كل مرحلة من المراحل، كان هناك شخص ما يعتمد على شخص آخر، فيما كان الجميع يظنون أنهم يفعلون الشيء الصحيح».
وكأن كل واحد قد تنازل عن مهمة المراقبة ليقوم به جاره، وبالتالي حلت الأعراض علينا واستشرت خطورتها بيننا من دون أن يلاحظها أحد منا.
ومما يثير الدهشة، أن البروفيسور لم يقصد أن أي شخص لم ير الأزمة وهي تتشكل، بل إن الناس رؤوا ذلك بالفعل، وكان يقصد بذلك أن الكثيرين من الناس شاهدوا بأم العين تلك الغمامات السوداء وهي تتشكل في الأفق، لكنهم قالوا في أنفسهم إنه طالما لم يحذر أحد من خطورتها، فإنها قد تكون سراباً.
فلماذا نفسد الأجواء الاحتفالية التي يستمتع بها العالم. ولم يمتلك أحد القدر الكافي من الشجاعة ليجهر بصوته منذراً من سلسلة الإقراض التي أدت إلى نشوب أزمات الائتمان.
وفي هذا يقول: «يقدم وكلاء الرهن طلبات القروض مقابل الحصول على عمولة جيدة، والبنوك تمنح القروض التي تعرف أنها قادرة على توفيرها واعتمادها، أما وكالات التصنيف من جانبها، وهي تلك الوكالات المسؤولة عن الاعتماد والتقييم في هذه الحالات، فإنها تعطي تصنيفات عالية لمنتجات لا تفهمها أصلاً وفق ادعاءات مشكوك فيها، وتعتمد على بيانات 12 عاماً، ومما يقلق كثيراً أن مديري الأصول، «مثل صناديق المعاشات وغيرها»، يقبلون على شراء السندات، لأنهم إذا لم يفعلوا ذلك، فإن أداءهم سيكون أقل مستوى من منافسيهم، ومن هنا تنشأ المخاطر.
لكن ما هو نوع التواطؤ العالمي لمن كان بمقدوره إطلاق التحذير؟
ربما يكون العكس هو الصواب في الوقت الراهن، فخلال الشهور القليلة الماضية، رأينا بوادر انتعاش ضعيف. وعلى الرغم من ذلك، وبما أنه كان من الصعوبة سماع أي أصوات مسؤولة من جانب سلطات الاقتصاد والمال تتعلق بالنهاية الأكيدة للمشاكل التي نعانيها، فإننا لانزال قابعين بطريقة جبانة في ملجأ مفخخ بالقنابل. وشعارنا الجديد هو الانتظار والترقب.
لكن إطلاق التحذير من أزمة وشيكة وإعادة بناء الثقة بعد الأزمة يحتاج إلى سلسلة من المهارات. ففي الحالة الأولى، قد يصرخ شخص ما بأعلى صوته «حريق حريق، أسرعوا إلى المخارج». وفي الحالة الثانية يحاول الشخص طمأنة المستمعين بكلمات مهدئة بالقول: «كل شيء على ما يرام، يرجى من الجميع التحلي بالهدوء والاسترخاء».
وقد يزعم البعض أن لا أحد يحذر من أن الحريق لايزال مشتعلاً في المبنى حتى الآن. وربما يكون ذلك صحيحاً. لكن في أي مكان تتجه إليه، سواء كان التلفزيون أو الصحف أو المحاضرات أو صفحات الإنترنت، فإن هاجس النار لايزال يسيطر علينا جميعاً. «لقد وصلت درجة الحرارة إلى ألف درجة مئوية»، و«ستأكل النار المدينة بأكملها»، و«قد يستغرق الأمر أياماً عدة من أجل إخماد النيران»، و«حصدت النار الكثير من الأرواح»، و«لقد كان أسوأ حريق في التاريخ»، وتستمر قائمة الذكريات المؤلمة، ويبدو الزمن وقد توقف بنا لنكتفي بتحليل أسباب الحريق الذي لم يلحظ أحد منا أنه بدأ يخبو تدريجياً.
وفي هذا الوقت، ولأنه بات من قبيل الموضة المعتادة الآن بالنسبة إلى الأكاديميين والصحافيين وخبراء الاقتصاد أن يتحدثوا ويكتبوا عن الأزمات، قد يكون مخالفاً للاتجاه العام السائد أن تعلن عن أن المد بدأ بالتحول. وخلال الشهر الماضي فقط، نشر موقع «بورتفوليو دوت كوم» قصة للكاتبة سوزان ماك غاي، قد تثير اهتمام أعتى مديري صناديق التحوط أو الأسهم الخاصة، وكانت تحت عنوان «سادة العالم الجديد». وبدلاً من التركيز على كبار المتهمين المعتادين في سوق «وول ستريت»، فقد تناولت تلك القصة في تغطيتها علماء الاقتصاد الذين حذروا من الأزمة وعلى المكانة القوية للنادي الذي قاموا بتأسيسه في الآونة الأخيرة. ويطمح الكثيرون من الخبراء الآخرين بالانضمام إلى تلك الجمعية المقدسة التي تربط بين هؤلاء.
لكن ماذا يمكنهم أن يفعلوا أكثر من زيادة عدد الأعضاء المنضويين تحت لواء تلك السلسلة الوردية، ومناقشة تلك الآراء التي قادتنا إلى «يوم القيامة»؟
وعلى الرغم من الانتعاش المستقر الذي سجلته الأسواق العالمية خلال الشهور الأخيرة، إلا أن المناخ العام يبدو صعب المراس.
فالمستثمرون الذين اندفعوا للحصول على الأرباح في موجة انخفاض الأسعار يبدون مرتبكين وغير مقتنعين إزاء استمرار حالة الزخم الحالية.
ومما يدعو للسخرية أنه في حين أن الأسواق تحقق انتعاشاً مؤقتاً، إلا أن الاقتصادات قد تعاني الألم لفترات طويلة. وبالطريقة نفسها التي لم نستطع معها التنبؤ بالأزمات الوشيكة في ربيع العام 2007، فقد يفوتنا ربيع الانتعاش الذي بدأت بواكيره تظهر في العام الجاري 2010. كل ذلك لأننا ننتظر قدوم شخص ما ليقول لنا إن الأزمة قد انتهت.
وقد يكون من الجدير بنا أن نتذكر انعكاسات الحكاية القديمة التي تذكر قيام الناس ببيع أسهمهم عندما بدأ الصبي الذي كان يعمل في محل لتلميع الأحذية بإلقاء محاضرات. وحينما يبدأ سائقو سيارات الأجرة والندلة والبوابون بتقديم التوصيات حول التعامل مع الانهيار، يجب علينا أن نعلم حينها أن العاصفة قد انتهت بالفعل.
وعلى مدى أكثر من عامين، ساد مناخ من الألم والقلق والخوف المستمر. وكان هناك ما يكفي من العناوين الباعثة على الإحباط التي تظهر في أعلى الصفحات لتحذرنا مو عواقب الأمور، لكن ينبغي علينا أن نفسح المجال لبعض الأمل أيضاً ليتسرب إلى نفوسنا. لقد حان الوقت للتخلص من عادة إدمان الكساد.
الكاتب:- أوبي تابانسي أونييسو
0 التعليقات :
إرسال تعليق