تابع جديد المدونة عبر:

هل من مزيد ؟

كثيراً ما تشكو الشركات من أن المستثمرين والمحللين يضعون معايير غير منصفة بالنسبة إليها. فعلى سبيل المثال، تشعر الشركات التي تمر بمرحلة النمو بالغضب عندما تقع تحت طائلة الضغوط من جانب العملاء لكي يحصلوا منها على أرباح ضخمة على غرار الشركات الكبيرة. وتقول الاحتجاجات الصادرة عن هذه الشركات إنها لو خضعت لتلك المطالب وانصاعت لتلك الشروط، لبات من المتعذر عليها توفير رأس المال الكافي لإعادة الاستثمار في نشاطاتها التجارية، وهو الأمر الذي قد يعرض قدرتها التنافسية للخطر.

وهذا السخط لا ينحصر على الشركات التي تحقق نمواً سريعاً، ففي الآونة الأخيرة، التقيت شخصاً يشغل منصب المدير المالي الأعلى في واحدة من كبريات شركات الأغذية والمشروبات المدرجة في السوق النيجيرية للأوراق المالية.


 وفي ذلك اللقاء، روى لي كيف أن المستثمرين يمارسون الضغط بصورة متواصلة على مجلس الإدارة لاتخاذ قرار يتعلق بارتفاع سعر السهم، وهي خطوة تعد مستحيلة من الناحية العملية بالنسبة إلى شركة ناضجة. ولتحقيق نمو بتلك السرعة، سيتعين على الشركة الخضوع لعملية إعادة هيكلة جذرية، وربما يصل الأمر إلى حد التخلي عن بعض أصولها الرئيسة.

 وحتى لو قامت الشركة بخطوة من هذا القبيل، لن يكون بمقدور المساهمين الاستمتاع بعائدات الأسهم الطويلة، لأنه لا يمكنهم تناول الكعكة بكاملها والاحتفاظ بها في الوقت نفسه.

ويظهر هذان المثالان الإحباط الذي تشعر به الكثير من الشركات العامة بشأن التخبط بالقيمة الحقيقية، والصراع مع المستثمرين الذين يبدون استعداداً للتخلص من الرؤوس من أجل الفوز بالذيول، لتكتوي الشركات بنيران تلك المطالب المجحفة التي لا تقيم وزناً لمسألة الجودة مع أنها تمثل واحدة من الركائز الأساسية للاستثمار.

وعلى الرغم من ذلك، فلا تكون هذه الشركات منزهة تماماً عن اللوم في ما يتعلق بتعرض توقعات المستثمرين للإجهاض، حيث إن الطريقة التقليدية المتبعة التي تتبعها الشركات لتقديم نفسها إلى مجتمع الاستثمار تؤكد دائماً مسألة العائد على الاستثمار، ولا تتعرض سوى للقليل من الأمور الأخرى.


وفي حين أن العائد سيبقى على الدوام الفكرة المحورية التي تقوم عليها مسألة الاستثمار، إلا أنها ليست السمة الوحيدة التي تجعل الشركة فريدة من نوعها وتميزها عن غيرها، فكل شركة تعزف على وتر قدرات عائداتها الخاصة.

وعلى النقيض من ذلك، فإن الشركات لا تخصص ما يكفي من الوقت لشرح مزاياها الخاصة، ونتيجة لذلك نرى أن تركيز المستثمرين يكون منصباً على العائد الاستثماري، ويتعاملون معه كرقم مجرد من دون إبداء أي قدر من الاهتمام بالسياق الذي توجد فيه، لذلك فإن المستثمرين يواصلون بعناد تقييم شركاتهم في مختلف مراحل النمو والدوائر والقطاعات بالاعتماد على إحصاءات العائد، ويتجاهلون بشكل كامل ميزات كل شركة.

ويجب على الشركات أن تعي جيداً صفاتها المميزة وأن تكتشف القيمة التي يمكن أن توفرها لحقائب المستثمر بما يتجاوز عبارة «العائدات الجذابة»، وقد تتمثل هذه القيمة المضافة في التنوع أو الاستقرار الدوري أو التأثيرات المعتدلة الأخرى. ولا بد من أن ينظر إلى العائد الاستثماري على أنه نقطة مميزة أساسية في التنوع الذي توفره الشركة للحقائب الاستثمارية.


 وفي الحقيقة، تعدّ حالة التميز للسهم ضرورية للغاية إذا كانت الشركة تود وضع حد للتذمرات التي قد تصدر عن المستثمرين من وقت لآخر، ولا بد من أن تضع الشركات في الحسبان دائماً أن الحقيبة الاستثمارية ما هي إلا وعاء للأحداث الاقتصادية المستقبلية. ومن خلال تحديد نوع التعامل الاقتصادي الذي توفره، فإن الشركات تتيح للمستثمرين فهماً جيداً للقيمة التي تطرحها أمامهم.

وتقع المسؤولية على كاهل الشركات للحيلولة دون قيام المستثمرين بالتركيز بشكل أحادي على العائد على الاستثمار، بل ينبغي أن تتبع نهجاً لكي توازن تركيزهم على مختلف السمات الأخرى بصورة متواصلة، إلى جانب إجراء نقاش متكامل للمجموعة الأوسع من تلك الخصائص التي تتمتع بها كل شركة يعتزمون الاستثمار فيها.


 ومن شأن الطريقة التي تتبعها الشركات في إطار مساعيها لتحقيق هذا الغرض أن تحدد مستوى الضغط الذي قد تواجهه من جانب المستثمرين ضيقي الصبر. ويجب أن تكون الشركات قادرة على التمييز بين الدعوات التي تطالب بتحسين الأداء التجاري وبين غيرها من الدعوات التي تسعى إلى إحداث تغييرات غير مقبولة في استراتيجية أو نموذج عمل الشركة.

وفي البداية، يجب أن تلزم الشركات نفسها مرة أخرى بإطلاع المستثمرين على طبيعة عملها وأدائها، وإذا ما توجه المستثمرون بتلك المطالب التي قد تكون غير معقولة، ينبغي على الشركات أن تعرف السبب الذي انطلق منه هؤلاء المستثمرون في دعواتهم، فهل المساهمون الذين يتعاملون مع شركات مشابهة تكون لهم المطالب نفسها ؟


 وهل تلك المطالب تدل على التوقعات العميقة من جانب المستثمرين أو أنها تأتي في سياق المطالب العابرة؟ وإلى أي مدى تنتشر فيه هذه المطالب في أرجاء قاعدة المساهمين، وخصوصاً المستثمرين المؤسسيين؟ وهل تتبع الشركة مقياساً معيناً من أجل تصنيف تلك المطالب حسب أهميتها وأولويتها؟

وما هي الطريقة التي تتبعها الشركة من أجل معالجة تلك المطالب ورفعها داخل الشركة ؟

 إن هذه مجرد مجموعة من القضايا التي يجب على الشركات معالجتها، فيما يتعين عليها أن تبني نظاماً واسعاً في هذا الصدد، وليس نهجاً محدداً يقتصر استخدامه على التعامل مع مثل تلك المطالب.

وينبغي أن يخضع المساهمون لعملية من التوضيح لفهم المعوقات التي تحول دون إدارة الشركة والوصول بها إلى النمو المستدام، فإذا كان تركيزهم يقتصر على تحقيق المكاسب قصيرة الأجل الذي قد يهدد مستقبل الشركة، يكون من المتوقع بالنسبة إلى القائمين عليها مواجهة ذلك بالحسم.


ونجد أن التصريح الأخير الذي أدلى به ميشيل بارنير، المفوض الجديد للاتحاد الأوروبي لشؤون السوق الداخلية والخدمات، عن السلوك السائد «النشط» للمساهمين أثناء طفرة الائتمان قد أصاب جوهر هذا الموضوع بدقة، حيث قال «إن الكثيرين من المساهمين يتصرفون وفق رؤية قصيرة الأجل، ولا يأخذون في الحسبان القابلية العملية طويلة الأجل للمؤسسات التي يمتلكون أسهماً فيها، وعلينا أن نعيد النظر في دور ومسؤوليات المساهمين والطريقة التي عملت بها لجان الأزمات، وما إذا كان المدققون في الداخل والخارج يعملون كما ينبغي، فضلاً عن مراجعة المكافآت التي تحصل عليها مجالس الإدارات التنفيذية».

وفي حال أصر المساهمون على إدارة الشركة وفق مطالب لا تنسجم مع التقييم الصحيح، يكون من واجب المديرين في تلك الحالة إقناعهم بالعدول عن ذلك.


وكما هي الحال مع الأطراف الخارجية، فإن المساهمين لن يعرفوا أبداً أكثر مما يعرفه المديرون عن أحوال الشرك، ويجب أن يبدأ من هم في قمة هرم الشركات العامة النظر إلى أدوارهم على أنها أدوار مضاعفة، أي إدارة الشركة وإدارة المستثمرين، علماً أن الدور الأخير لن يكون سهلاً على الإطلاق، بل هو ضروري لمستقبل الشركة.

وإذا لم يفهم المستثمرون طبيعة عمل الشركة، فإنهم لن يتمكنوا من تقدير المخاطر المحتملة التي قد تتعرض لها، والتي تؤدي بدورها إلى ارتفاع كلفة رأسمال الأسهم في الشركة، وستكون لذلك تأثيرات سلبية على الشركة، باعتبار أن ارتفاع كلفة الأسهم لا يصب في مصلحة الشركة مقارنة بالمنافسين الذين يمكنهم رفع الأسهم بأسعار رخيصة.


 ويتعين على الشركات أن تنظر إلى مشاركة المساهمين على أنها عملية مستمرة مع سلسلة من التغذية المرتدة النشطة. وإلى أن تتمكن من اتباع هذا النهج، يكون لزاماً عليها أن تتحمل مطالب المساهمين وتذمراتهم، ولا يختلف ذلك بأي حال من الأحوال عن تصرف شخصية أوليفر تويست في إحدى روايات تشارلز ديكينز الذي كان يكرر دائماً عبارة «أريد المزيد».
الكاتب:- أوبي تابانسي أونييسو

0 التعليقات :

إرسال تعليق