تابع جديد المدونة عبر:

اين اعلام المفوضية ؟ وأين دائرة الارشاد والتوعية فيها ؟

لم يحتفل السوق كما يجب بمرور عامين على بدء نفاذ قانون هيئة سوق المال، مرت الذكرى نسياً منسياً، فلا أهل السوق حافلون جداً بهذه المناسبة، ولا مفوضية الهيئة تعرف إلى ذلك سبيلا، إذ هي تؤثر الصمت شبه المطبق، وتعمل ببطء شديد لا يؤهلها الظهور إعلامياً بمظهر المحتفل بأي إنجاز غير مسبوق، علماً أن شخصية رئيس المفوضين لا تعرف البروباغندا والظهور، بل تؤثر الابتعاد عن أضواء الحضور.
قبل الذهاب بعيداً في تحليل أوجه القصور، يجدر فتح هلالين توضع بينهما فترة تولي د. أماني بورسلي حقيبة وزارة التجارة وما تخلل تلك الفترة من مطبات هوائية وقعت فيها رحلة المفوضين، وكان ما كان مما بات معروفاً من إقالة وعزل ولجوء الى القضاء، ثم استدراك الحكومة للأمر بتعيين 3 مفوضين جدد.

وإذا كان لابد من اضافة لرحلة العذاب، فقد كانت هناك مناوشة شنها مدير البورصة السابق حامد السيف، فضلاً عن حروب صغيرة قادتها مجموعات من شركات الورق والمضاربة والتعثر ضد اللائحة التنفيذية لقانون هيئة السوق، وهي مستمرة على هذا المنوال بين الحين والآخر، بالاتكاء على عثرات هنا وهنّات هناك في مسيرة الهيئة... لكن لا ينطبق على تلك «الحروب» مقولة الحق الذي يراد به باطل، ولا يعوَّل عليها لبناء مصداقية، فهي مصلحية أولاً وأخيراً، والتصويب التشريعي ليس همها الأول.. إنها مكشوفة الأهداف والوسائل، لذا لا ترقى لمستوى الرد عليها.

بالعودة الى محصلة سنتين، نجد ان العثرات اكثر من الانجازات، وفي ما يلي بعض المحطات:

استقلالية منقوصة

1 – انتفاض الهيئة انتصارا لاستقلاليتها عندما تعرض مفوضون فيها للطعن بعضويتهم لم يصمد كثيراً أمام القضاء والسياسة. فهل كان يجب الامعان في حملة انصر «أخاك ظالماً كان أو مظلوماً؟!» ان الاختبار الأول للاستقلالية المطلقة لم يؤت ثماراً طيبة‍‍! وكان إحباطاً عسى ألا يدوم طويلاً.

توفيق الأوضاع غير موفّق

2 - إذا أتينا إلى صلب عمل المفوضية في دفع «اللاعبين» في السوق إلى توفيق أوضاعهم وفقاً للائحة التنفيذية، نجد أن النتيجة هزيلة نسبياً حتى الآن على الأقل. فقد مرت تواريخ استحقاقات ولم يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود. فعلى سبيل المثال لا الحصر، قدمت شركات الوساطة وإدارة الأصول أوراق اعتماد، وكذلك فعل بعض مدققي الحسابات، لكن الظاهر ان التريث سيد الأحكام، لأن الجهات المعنية بتوفيق أوضاعها غير جاهزة لذلك كما أن بعضها يعاند رافضا، مقابل مفوضية لا ترغب في حرب شعواء قد ترتد على السوق بهزة هو بغنى عنها، اذ يكفيه نزيف تداعيات الأزمة المستمرة فصولاً.

مثال آخر عن توفيق الأوضاع، صناديق الاستثمار التي مُنحت مهلة إضافية تنتهي آخر يونيو مع تعديلات في شروط وتوصيفات جديدة.. لعل وعسى يتقدم هذا الملف إلى نهاية سعيدة تؤشر إلى نجاح ما.. واحد على الأقل!

التداول بأبشع صوره

3 – عاد التداول الوهمي بأبشع صوره منذ ديسمبر الماضي بقيادة مجموعة مضاربية حصدت أسهمها ارتفاعات بمعدلات خيالية، علماً ان نتائجها المالية متواضعة جداً، لا بل خاسرة أحياناً ولا توزيعات أرباح أعلنت عنها. وللدلالة، يكفي النظر أحياناً الى قائمة الأكثر تداولاً لمعرفة من يلعب بالتداول وإيهام الناس بخديعة كبرى لم تكتشفها هيئة سوق المال، علماً ان المسرحية مستمرة منذ 5 أشهر على الأقل. فهل نحن أمام مشعوذ تداول معروف للقاصي والداني أقوى من أقوى هيئة رقابية ؟

كادر ناقص وعاجز

4 - كشف موسم تدقيق الميزانيات وإعلان النتائج ان الهيئة تفتقر إلى مراقبين ومدققين، فإذا بها تستعين بأشخاص من البورصة. وعلى الصعيد عينه، يمكن التأكيد ان دوائر عديدة من المفوضية تفتقر هي الأخرى إلى أصحاب اختصاص بالعدد الكافي. فبعد مرور نحو سنتين على نفاذ القانون، ما زالت المفوضية تعمل بعدد موظفين أقل من المطلوب وبكفاءات لم نعرف عنها الكثير من الإنجازات حتى تاريخه على الأقل. فإذا كانت الهيئة تنتظر خصخصة البورصة لتحدد مصير موظفي السوق ومن منهم سيلتحق بالهيئة، فإن الانتظار قد يطول لعدة أشهر طويلة قادمة هذا إذا كنا متفائلين، أما إذا تشاءمنا فقد ينقضي كل عام 2012 من دون نتيجة نهائيه على هذا الصعيد.

لا تحديث ولا تطوير

5 - إذا كان السوق لا يرتقي بالتداول الكلاسيكي فقط بل بعمليات الدمج والاستحواذ أيضاً، فإن الجانب الأخير معطل حتى إشعار آخر. لأن البحث مستمر عن آليات لتنفيذ الاستحواذات ولا عزاء للمنتظرين على قارعة البحث العقيم منذ أشهر دون توصل إلى صيغ واضحة. وفي جانب تعميق السوق أيضاً وزيادة سيولته وتنوع أدواته نجد ان البورصة على حالها، لا بل ان الذي كان قائما مثل «الأجل» و«البيوع المستقبلية» و«الأوبشن» في حالة يرثى لها مع غياب صناع سوق حقيقيين وشبه انعدام مبادرات التحديث والتطوير.

فمن أين تأتي الأدوات الجديدة ؟ ناهيك عن سوق السندات المؤجل سنة بعد أخرى لأسباب واهية احياناً كثيرة.

تنظيف خجول.. ومتردد

6 - في باب تنظيف السوق، كانت هناك محاولة أدت إلى شطب 9 شركات وتهديد 9 أخرى. إلا أن النتيجة أقل من التوقعات كثيراً. فمن يصدق أن المشكلة في %8 فقط من الشركات المدرجة؟ وهل كان تنظيف السوق من الشركات المتعثرة والمستهترة بمساهميها يحتاج إلى لائحة تنفيذية غليظة ام أن قانون الشركات الذي عمره 50 سنة كان يكفي؟ ان خسارة الشركات %75 من رؤوس أموالها وتأخرها لفصول طويلة عن اعلان نتائجها لا تحتاج معالجتها إلا إلى تحديث وتفعيل بعض التشريعات القديمة قدم السوق فقط.. وكفى الله المؤمنين القتال !

تأخير نظام التداول الجديد

7 - ظهر عجز جلي في طريقة تسريع وضع نظام التداول الآلي الجديد موضع التنفيذ خلال المرحلة القليلة الماضية.

 فنظام «ناسداك» المجرّ.ب في 70 دولة حول العالم وتحديداً في أكبر وأعرق البورصات المتقدمة وصل الكويت وتعثر تطبيقه. من يصدّ.ق هذا يا ترى؟!.. ربما لا أحد البتة.
واذا سلمنا جدلا أن النظام يحمل عيوبا أجلت تشغيله أكثر من سنة، فمن المسؤول ؟ ولماذا لا يحاسب ؟.. لا جواب ! فالصمت سيد الأحكام.

الى ذلك واتصالا بنظام «ناسداك» تأجل تطبيق الرقابة الآلية، وتأجل تحديث المؤشر وإعادة توزيع الشركات على 12 قطاعا.. وكل ذلك كان الاعلام يتناول ايجابياته منذ عدة سنوات، وكان يركز على أنه نقلة نوعية في السوق.. فاذا بالتأجيل تلو التأجيل يسخر من كل تلك التهاليل!
لا إعلام.. ولا توعية أو إرشاد

8 ــ اين اعلام المفوضية ؟ وأين دائرة الارشاد والتوعية فيها ؟ ما هي الأدوات التي اتيحت لإطلاق عمل هذه الأقسام ذات الأهمية الخاصة ؟ فعلى صعيد الإعلام نسرد مثلا واحدا يكفي ويزيد: لقد مر موعد خصخصة البورصة من دون الالتزام به، فإذا ببيان يصدر خالٍ من أي موعد جديد واضح ولا هو كان ليعترف بالتأخر وأسبابه.

 وما تم تداوله على هذا الصعيد من بعض الاعلام المعتمد على التسريبات أشار الى موعد جديد في يونيو القادم، وكان قبل ذلك أشار الى تأخر سببته الوزيرة السابقة أماني بورسلي. لكن ذلك يبقى تسريبات غير رسمية تحاربها هيئة المفوضين وتصر على منع مصادرها من التعاطي مع الاعلام، مع تشديد غير مفهوم المبررات! فإذا حجبنا التسريبات وما أشارت اليه، ماذا يبقى من معلومات على صعيد الخصخصة وسير أعمال لجنتها وأسباب تأخرها؟ الجواب هو لا شيء يذكر، لأن البيانات الرسمية اليتيمة التي صدرت بهذا الشأن لا تغني ولا تسمن من جوع، لأنها أتت عائمة بلا معلومات عن الأسباب الوجيهة والنتائج الوخيمة.

أما التوعية والارشاد فحدث ولا حرج عن شبه انعدامهما. مع العلم أن صغار المستثمرين والمساهمين بحاجة ماسة إلى ذلك، لأنهم دائماً وقود مضاربين وضحايا شركات تستهتر بهم وبمصالحهم، ونجدهم بتصرفات قطيع مع «الخيل يا شقرا» سواء في الصعود أو الهبوط ولا يعرفون حقوقاً ولا واجبات. إذا لم تنبر الهيئة لارشاد هؤلاء وتوعيتهم، فمن يفعل ذلك مكانها؟ ولماذا تتقاعس هي عن هذا الدور حتى الآن ؟

والأمر لا يقتصر على صغار المتداولين، بل يشمل شركات على اختلاف احجامها. فالروايات بالعشرات عن مسؤولي شركات أرادوا التواصل مع المفوضية باستفسارات واستيضاحات كثيرة.. فإذا بالجواب واحد للجميع! اقرأوا القانون يا كَسَلَة!! نعم، ربما أتت بعض طلبات الاستفسار ممن لم يقرأ القانون ولائحته التنفيذية.. وممن يكره ذلك القانون وتلك اللائحة، لكن هناك من تقدم بطلبات وجيهة موثقة لدى الهيئة. ومع ذلك استمر «التطنيش» واللامبالاة.

.. لكأن الهون أبرك !

9 ــ قطعت عملية فك التشابكات شوطا بين الهيئة من جهة ووزارة التجارة والبنك المركزي من جهة ثانية، لكن الانجاز النهائي غير واضح بعد. ويخيل للمتابع أن لا شيء كبيرا قد تغير في العمق على صعيد تدقيق البيانات المالية للشركات والتزامها بالقوانين عموما وقانوني الشركات وهيئة الأسواق خصوصا. فالمخالفات تتكرر وتتكرر ولا عقابا صارما.

 والعموميات تشبه بعضها بعضا منذ عشرات السنوات ولا عزاء لصغار المساهمين. والإفادة من معلومات داخلية مستمرة بضرب أطنابها، والافصاحات على حالها تقريبا فتأتي بعدما تطير الطيور بأرزاقها.. ناهيك عن عدم وضوح الهيكل التنظيمي العام في البورصة والاجراءات الرئيسية فيها مما يؤدي الى ضعف في الفاعلية التشغيلية وسوء في اتخاذ القرار.
مخاطر قائمة

10 ــ لاشك في أن الأزمة ببعض تداعياتها المستمرة تؤثر سلبا في السوق، إلا أن الجهات المعنية بالتحديث والتطوير لم تحرك ساكنا لتغيير المسار من «مأزوم» الى «واعد». فالاكتتابات والاصدارات الأولية شحيحة، والسوق لا يوفر الآن فرصا جديدة للشركات المصدرة للأسهم، ولا حوافز للادراج، حتى أن تقريرا صادرا عن ناسداك قال: يؤدي ضعف التشريعات أو عدم كفايتها الى تراجع ثقة أصحاب المصالح بسوق المال مما يؤدي الى هروب رأس المال والسيولة.. وهنا الطامة الكبرى!

خلاصة

ما تقدم لا يندرج في باب إحباط الهيئة ولا في خانة الدفع باتجاه تعديل اللائحة التنفيذية. بل قراءة خاصة في مجريات تطبيق القانون والهنات غير الهيّ.نات التي اعترضت وتعترض عمل المفوضين. ولو كانت الهيئة أكثر شرحا لسير عملها وأكثر حضورا في تعليل مواقفها لكانت «القراءة» أكثر إحاطة بالمفاصل الأساسية لحصيلة عمل سنتين من عمر هذه المؤسسة العتيدة.
.. وللبحث تتمة حتما !


المصدر: القبس الكويتية
تاريخ المقال :- 8-4-2012

0 التعليقات :

إرسال تعليق