تابع جديد المدونة عبر:

سميث وباريتو وجدلية الاختلاف

قد تعني الحياة عموماً فهم المعلومات التي يمكن أن تكون شخصية أو اقتصادية أو اجتماعية، وعندما نفهم المعلومات، يكون بمقدورنا اتخاذ القرارات التي يفترض أن تكون بعد ذلك إيجابية، ونحاول على جميع المستويات فهم الأداء والطرق التي يتعين علينا اتباعها كأفراد في خيارات الأداء. وعندما تذكر كلمة الأداء، يفترض المرء تطبيق نوع من النظام، بمعنى أننا نحاول خلق نظام في عقولنا، لنعزل أنفسنا عن الفوضى أو الاضطراب في العالم الخارجي، في حين يمكننا أن نطلق على هذا الاضطراب أيضاً مصطلح «الاختلاف».

والاختلاف ظاهرة يمكن مشاهدتها في الطبيعة والأسواق على حد سواء، ومع أن هذه المسألة تحتاج إلى الشرح والتوضيح، يكون من المتعذر وضع وصف لها في بعض الأحيان.

 وترتبط هذه الظاهرة مع التغيير أو معدل التغيير، أو حتى التغيير السريع والأسرع. فما معدل سرعة أو انهيار نمو أسعار الأصول؟.

 ويفترض أيضاً أن يتخذ الاختلاف جانباً غير عادي، ويحدث أقل من المعتاد، وكوضع طبيعي يفترض أن تتحرك الأسواق و90 بالمئة من مكوناتها مع بعضها بعضاً نحو الأعلى أو بالعكس. ويعد الاختلاف نقيض الاتساق الطبيعي، ويمكن أن يشير إلى التغيير والانعكاس المحتمل.

 ومن المعروف أيضاً أن الاختلاف يعني عدم التأكيد في التحليل الفني، ويخلق الاختلاف الأخبار أيضاً، لأنه يمثل شيئاً غير طبيعي وغريب ويستحق الحديث عنه، ويمكن ملاحظة الاختلاف في المعلومات والبيانات والأنماط. ويخضع الاختلاف كثيراً للدراسة والبحث، وهو نظام يمكن بناؤه كاستراتيجية.

وتحدث آدم سميث (1723 - 1790) عن اليد الخفية، أي ذلك العنصر الذي لا نعرفه، أو الشيء الذي لا يمكن التنبؤ به، وهو نوع من الاختلاف، في حين طرح فيلفريدو باريتو (1848 - 1923) مسألة التوزيع غير المتجانس للثروة، حيث إن 80 بالمئة من الثروة يهيمن عليها 20 بالمئة من الناس. ويعد هذا التوزيع غير المتجانس نوعاً من أنواع الاختلاف.

 وتحدث تشارلز داو (1851 - 1902) عن المبدأ الأساسي للأسواق من خلال النظرية الشهيرة التي تحمل اسمه «نظرية داو»، وإذا لم يتحرك مؤشر «داو جونز الصناعي» ومؤشر «داو لوسائل النقل» جنباً إلى جنب، لا يمكن أن نطلق على ذلك تأكيداً، بل إن ذلك يندرج في إطار الاختلاف. ونجد أن مؤشر «داو جونز» الصناعي قد سجل مستوى أعلى في شهر يناير من العام 2000، في حين لم تلاحظ النتيجة ذاتها على مؤشر «داو» لوسائل النقل.

وتقوم الأسواق بتغيير اتجاهها بعد الاختلاف. وفي هذا الصدد، تحدث رالف إليوت (1871 - 1948) عن الاقتطاع والتوسع المزدوج والابتعاد عن الأسواق كحالة نادرة (مختلفة وغير عادية) والتشكيلات النادرة في أعماله الكلاسيكية. وناقش إدوارد نورتون لورينز (1917 - 2008) الفوضى، وكيف أن التغيرات الصغيرة في الظروف المبكرة تؤدي إلى سلوك جديد تماماً، وتقود إلى ما يطلق عليه «تأثير الفراشة».

ويمكننا أن نرى حالات من التباين أو الاختلاف في الوقت الراهن، ومن ذلك نجد أن جون ميرفي قد تحدث عن الحركة العكسية للذهب والدولار، وأنه عندما تختلف الأسعار عن العلاقة التي يتوقعها، يطلق على ذلك مصطلح الفشل الداخلي للأسواق. وتحدث سام ستوفال عن الاختلافات في أداء القطاعات.

وتتفاوت مستويات أداء القطاعات مع تغير الدورة الاقتصادية، وتحدث روبرت شيلر عن الاختلاف بين بيانات السوق وبين القيمة الأساسية، ويطلق شيللر على ذلك «التقلبات» (حالة الاختلاف). وتحدث عن ماندلبروت عن الأبعاد الكسرية والظروف المتطرفة في الأسواق، وقال «إن منحنى الجرس مجرد هراء لا معنى له»، وأوضح ذلك في كتابه الذي حمل عنون «سلوك الأسواق وفوضويتها.. نظرة كسرية على المخاطر والدمار والنجاح».

وكان يحاول وضع تفسيرات للاختلافات الكبيرة أكثر من تفسير المنحنى الغاوسي. ويقول نسيم طالب إن «البجعة السوداء» هي مجرد اختلاف شديد وعشوائي ونادر، ولا يمكن التنبؤ به مرة أخرى.

 ويتحدث روبرت أرنوت حول كيفية اختلاف النمو عن القيمة، ليخلق الفرص الدورية. وقام روبرت بريكتر بأبحاث واسعة النطاق حول الاختلافات التي تعتري المزاج الاجتماعي، مثل التغييرات التي تطرأ في عالم الأزياء، وأنواع الأفلام التي نشاهدها، ومقادير السكر التي نستهلكها، وأكد في أبحاثه على حقيقة أن المزاج الاجتماعي قد يشتمل على أنماط عدة، وربما يتفاوت من النقيض إلى النقيض من وقت إلى آخر.

وتستند المدرسة الفكرية للأسواق غير الفاعلة إلى حقيقة الاختلاف الكبير، في حين تقوم المدرسة الفكرية للأسواق الفاعلة على الاختلاف الصغير. وعندما ينظر الباحثون إلى المدرستين، يتمحور النقاش الأكبر بينهم حول موضوع الاختلاف في كل العصور، فإذا كان الاختلاف صغيراً، فإن ذلك لا يخرج عن النطاق الطبيعي، أما إذا كان من المستوى الكبير، تصبح الأسواق غير فاعلة.

ويكون الاختلاف الكبير أمراً واقعاً بين الأصول العالية والمنخفضة والسلبية التي ترتبط مع بعضها بعضاً، ووصل الاختلاف بين الذهب والبلاديوم من شهر يوليو من العام الماضي 2009 إلى يناير من العام الجاري 2010 إلى 60 بالمئة، بينما وصلت نسبة الاختلاف إلى 55 بالمئة بين «برنت» و«إكسون» من يوليو إلى أكتوبر من العام 2008. وليس من النادر جداً أن يتم تسجيل اختلافات تصل نسبتها إلى 100 بالمئة بين القطاعات المتقاربة أصلاً، بينما يلاحظ أن تلك الحالات قد تقع بشكل منتظم.

فهل يمكننا أن ننجح في تحديد الاختلافات من النوع الكبير؟

 وهل يكون الاختلاف الصغير عادياً مثل الاختلاف الكبير؟

 وهل يعد الاختلاف الصغير أقل أهمية من مسألة الاختلاف الكبير؟

ويمكن ملاحظة تفوق وانخفاض الأداء في تناوب القطاعات التي تحدث عنها سام ستوفال كنوع من الاختلاف بنسبة 12 بالمئة بين مؤشر «داو جونز» الصناعي وبين مؤشر داو جونز للسوق المالية من أكتوبر إلى نوفمبر من العام الماضي 2009. ولكن هل تحدث ستوفال عن الاختلافات الصغيرة بين داو جونز الصناعي وستاندرد آند بورز 500 بنسبة 5 بالمئة أو 6 بالمئة في غضون فترة ستة أشهر؟

 إن مثل هذه الاختلافات الصغيرة التي تتكرر بصورة مستمرة وبشكل متناغم لا تتم مناقشتها على الإطلاق مع أنها لا تقل أهمية عن الاختلافات الكبيرة التي تتكرر بين قطاعين بنسبة 100 بالمئة وهل يعزى تفادي هذه المسألة إلى حقيقة أنه من الصعوبة بمكان عزل وقياس وتفسير وتقدير حجم هذه الاختلافات أو حالات التفاوت ؟

ويقوم روبرت شيللر بتوضيح الأسباب التي تجعل من الأسواق غير فاعلة باستخدام الكثير من السلاسل الزمنية للقيمة الحالية للأرباح، ومن ثم مقارنتها بأسعار الأسهم لتوضيح أكثر من مجرد التقلبات العادية.

 أما الدليل الذي يستند إليه لتوضيح حقيقة أن الأسواق غير فاعلة، فيتمثل في حقيقة أنه لا يمكن تفسير الاختلافات الكبيرة. وهنا قد يبرز سؤال مهم، هل كان من الأجدر تجنب الخوض في النقاش حول الاختلاف والكفاءة وعدم الكفاءة ؟

 إن الخلافات موجودة في كل مكان وفي أسواق رأس المال والاقتصاد والعلوم، ولانزال نرى أنه من الصعب علينا توقعها، ونتعامل معها على أنها ظروف متطرفة وأخطاء وسلوك غير طبيعي وبعيد عن النظام وفوضى حقيقية.

 فهل تعد هذه النظرة صحيحة حقاً ؟.


الكاتب :- أورفيوس كابيتالز

0 التعليقات :

إرسال تعليق